أغلبنا يسعى وراء حياة أكثر سعادة وأكثر اشباعاً، ولكن تنتابنا أحياناً لحظات فقدان التوازن، فمن منا لم يشعر بالأسى إزاء مشروعه الذي تعرض للإفلاس، ومن منا لم يشعر بالكدر من علاقة زوجية متوترة، ومن منا لم يحبط من صديق أو مسؤول، ومن منا لم يشعر بالإحباط نتيجة الاخفاق في تحقيق هدف ما، في كل الحالات وعلى الرغم من اختلافنا فجميعنا ندخل في دوامة الضيق والألم النفسي وتتعطل حياتنا الشخصية والاجتماعية والمهنية بسبب اعتقاد أننا ضحايا، ضحايا للماضي، ضحايا للأهل، ضحايا للمجتمع بأسره..! وحينئذ نعيش في حلقة مفرغة من الشكوى والنقد والإتهام والتذمر وقلة الحيلة، دعني أخبرك بحقيقة قد يغفل عنها البعض، مهما كانت التحديات التي تواجهك فأنت الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يحدد الأسلوب المناسب للتعامل مع الحدث وأنت من لديه القدرة على السيطرة و التحكم بالمعطيات الخارجية، أنت من يحدد الأسلوب المناسب للتفاعل مع هذه الأحداث، فإذا عرفت سلوكك استطعت أن تتحكم بحياتك واستطعت تحديد مساراتك وضبط انفعالاتك وبذلك تكون متحكماً بحياتك.
سلوك الإنسان هو حياته فمن فهم كيف يتكون السلوك، فقد فهم كيف يتحكم بحياته. هنا سنفسر السلوك الإنساني من خلال عرض لنظرية الاختيار وهي نظرية نفسية للدكتور ويليام جلاسر، تبحث هذه النظرية في تشكيل وتكوين السلوك الإنساني.
ولا شك أن كل نظريات علم النفس بلا استثناء تبحث في موضوع محدد وهو السلوك، كيف يتكون هذا السلوك وما هو السلوك… تم الاتفاق على أن السلوك هو كل الأفعال والنشاطات التي تصدر عن الفرد سواءً كانت ظاهرة أم غير ظاهرة. ويعرفه آخرون بأنه أي نشاط يصدر عن الإنسان سواءً كان أفعالاً يمكن ملاحظتها وقياسها كالنشاطات الفسيولوجية والحركية أو نشاطات تتم على نحو غير ملحوظ كالتفكير والتذكر والوساوس وغيرها.
تعمل نظرية الاختيار على تبصر الإنسان بسلوكه وتفاعلاته وانفعالاته وتعطيه منهجاً واضحاً في كيفية التعامل مع ذاته. لأنه من عرف ذاته تمتع بحياته وأدام علاقاته وحقق غاياته وماذا يريد الإنسان أكثر من هذا في حياته؟
فأنت تستطيع تغيير واقعك بتغيير أفكارك من الداخل لأن واقعك ماهو تكوين من مجموعة من الأفكار التي تخزنها في عقلك.
إن نظرية الاختيار للدكتور ويليام جلاسر تنص على أن الإنسان يستطيع ويقدر على اختيار ما يريد من تصرفاته وعلاقاته وغاياته، فنظرية الاختيار تقوم على قدرة الإنسان على الاختيار، ونعني بها خريطة ذهنية للعقل يشرح فيها الدكتورجلاسر كيف يعمل العقل الإنساني فإذا عرفت كيف يعمل هذا العقل قدرت على توجيهه.
وشبه جلاسر الموضوع كقيادة السيارة، فإذا عرفت كيف تقود السيارة وعرفت قواعد القيادة استطعت أن تتحكم بها.. تنعطف يميناً أو شمالاً أو تمشي مستقيماً أو ترجع إلى الوراء، وتكون بذلك القيادة سهلة وممتعة واذا كنت لا تجيد القيادة فقد تتوتر وتتخبط وتشد اعصابك وتخاف الاصطدام. كذلك الحال بالنسبة لمن لا يعرف كيف تعمل حياته وكيف تتشكل تصرفاته فيصبح متوتراً وقلقاً.
إذن نريد من خلال نظرية الاختيار أن نعيش حياة طيبة نتحكم بها نحن من خلال مراقبة ردود أفعالنا واختيار ردات الفعل واختيار التصرفات حيال المعطيات والمواقف الخارجية ولا نجعل الآخرين يتحكمون بحياتنا.
الأفكار الأساسية التي تتبناها نظرية الاختيار هي أن كل ما نتلقى من العالم الخارجي هو معلومات فقط وعليه نحن من يسند لها القيمة سلباً أو إيجاباً أو حياداً. لذلك نحن لا نتأثر بالمعلومات الخارجية وحسب وإنما نتأثر بتفسيرنا وإدراكنا لها. يقول جلاسر إن لكل كائن حي خمس حاجات رئيسية (البقاء، الحب والانتماء، القوة، المتعة والترفيه والحرية).
هذه الحاجات هي الدوافع والمحرك للسلوك، كل سلوكنا نابع من داخلنا، بمعنى ما يدفعك للسلوك هو بسبب نقص حاجة من هذه الحاجات الخمس، نحن نملك الاختيار في السلوك (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد 10) ونحن لا نستطيع التحكم في الآخرين (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) (الغاشية 22) وعليك مسؤولية مراقبة دخول الكلمات واخراجها لأنها مسؤوليتك أنت.
وإليكم ملخص ما تركز عليه نظرية الاختيار:
- كل إنسان يستطيع أن يتحكم بنفسه ويحفز نفسه بنفسه.
- كل إنسان لديه أمنية ورغبة تحقق حاجة فطرية.
- طريقة إشباع هذه الحاجات هي السلوك.
- هذا السلوك ربما يكون فعال أو غير فعال.
- كلما كان السلوك فعالاً كان التحكم الذاتي أفضل.
الخاتمة
تذكر دائماً أنت المسؤول عن حياتك وأن حياتك من اختيارك و أنت المسؤول عن اختياراتك.. أنت المسؤول عن أفعالك، انفعالاتك وأنت تستطيع الاستمرار في البؤس والشقاء والمعاناة ولعب دور الضحية أو أن تبحث بتفعيل قوة الاختيار لديك وتبحث عن بدائل جديدة تنقلك من دور الضحية إلى دور الفاعلية والتمكين. تذكر أنت تعيش حياة واحدة وأمامك الفرص لإختيار الحياة التي ترغبها وتذكر على قدر همتك واستعدادك واصرارك وأفعالك ستكون النتيجة.
المراجع:
- ملخص دورة في نظرية الاختيار للمدربة حصة الحشاش.
- كتاب بداية الاختيار للدكتور بشير الرشيدي، الإنجاز للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2017.
ملخص عن صاحب النظرية
ويليام جلاسر WILLIAM GLASSER ولد في مدينة أوهايو، وحصل على درجة البكالوريوس قي الهندسة الكيماوية، و الماجستير في علم النفس الإكلينيكي، ودرجة الدكتوراه سنة 1955 وفي عام 1956 أصبح جلاسر طبيباً مرشداً في كلية فنتور للبنات، تولى جلاسر منصب رئيس المعالجين النفسيين في مركز جديد لجنوح الأحداث من الأطفال، ورأى هنا أنها فرصة كبيرة لتطبيق أفكاره التي طورها في مستشفى VAوالتي تتعلق بالعقاب والسلوكيات وغيرها، عمل جلاسر في الستينيات كمرشد عام في مجال التعليم وله عدة مؤلفات.
رفض جلاسر فكرة المرض العقلي التقليدي، واتجه إلى استخدام منهج خاص يقوم على مبادئ التدريب والتعليم ويهدف إلى بناء ما كان يجب بناؤه خلال مراحل نمو الفرد السابقة، ويقوم هذا الاتجاه على أساس تعميق مبادئ المسؤولية، ويرى أنه كلما قلت المسؤولية أصبح سلوك الفرد أكثر اتجاه نحو الخطأ.
آمنة الزعابي
اختصاصية نفسية
مدرب معتمد في التنمية البشرية من المجلس الكندي الأمريكي
كوتش لايف معتمد من الاتحاد الدولي للكوتشينج ICF