قضية وتحقيق تتطلب تكاتف الجهود لإيجاد الحلول المناسبة وضمان حقوقهم في التعليم العام بمعايير متطورة تحقق لهم الكثير من الفرص
يعتبر الدمج التربوي للأطفال من ذوي الإعاقة إتجاها إنسانيا يضمن حق المساواة بينهم وبين أقرانهم غير المعاقين، وذلك إنطلاقا من دمجهم على مختلف أنواع إعاقاتهم في المدارس العامة بعيدا عن التمييز.
وقد أولت دولة الإمارات العربية المتحدة بتوجيهات قيادتها الرشيدة إهتماما ملحوظا للأشخاص من ذوي الإعاقة، ويظهرجليا من خلال السعي المتواصل لتحسين كافة الخدمات المقدمة لهم خاصة فيما يتعلق بتطوير البرامج التربوية والتعليمية والتأهيلية، وتقديم الخدمات والتسهيلات الحياتية لهم بالإضافة إلى التركيز على تنمية وتطوير قدراتهم وتفعيل دمجهم المجتمعي لضمان مستقبلهم للعيش بحياة كريمة وبكامل الحقوق كغيرهم من أفراد المجتمع غير المعاقين ما يعكس ثقافة حضارية وإنسانية لمجتمع عادل.
وكانت وزارة التربية والتعليم في الدولة من الجهات السباقة في دمج فئة المعاقين في المجال التعليمي والتربوي العام وذلك بإعلانها مبادرة مدرسة للجميع بهدف دمج الأطفال المعاقين في المدارس العامة، في إطار مبدأ تكافؤ الفرص التي نصت عليها قوانين الدولة والدستور، وعملا بالتوجيهات الحديثة في التربية الخاصة وتوفير فرص الدمج التربوي بمختلف درجاته ليتمكن الأطفال من ذوي الإعاقة من الإلتحاق بالمجتمع التربوي العام كغيرهم من الأطفال غير المعاقين.
غير أن الدمج الإيجابي لهذه الفئة يتطلب الكثير من الجهود والأساسيات أهمها تهيئة وتوفير البيئة التربوية والتعليمية والإجتماعية المناسبة لتعليم الأطفال من ذوي الإعاقة في المدارس العامة، علما أن سياسة الدمج التي طبقت في الدولة حققت الكثير من النتائج الإيجابية، لكن تبقى التحديات قائمة للإرتقاء بمستويات الدمج إلى الأفضل خاصة عندما يتعلق الأمر بإعاقات معينة.
وفي هذا السياق طرحت قضية مثيرة للجدل وهي دمج الأطفال من ذوي التوحد في المدارس العامة، والتي اختلف فيها الكثير من المهتمين والمعنيين بقضايا ذوي الإعاقة، فهناك من يرحب بدمجهم لضمان حقوقهم في التعليم التربوي ومن جهة أخرى هناك من يرى أن دمجهم التربوي قد تكون له آثار سلبية بإعتبار عملية الدمج لهذه الفئة تتطلب أساسيات منهجية وتوعوية ومادية لتهيئة المجتمع المدرسي وتفعيل هذه الأساسيات بخطوات ومراحل مدروسة لتحقيق دمج إيجابي وفعال ومفيد للجميع.
ومن خلال ما سبق ذكره نصل إلى جوهر الإشكالية: هل دمج الأطفال من ذوي التوحد يستحق هذا الجدل في اختلاف الآراء؟ أم يتطلب تكاتف الجهود لإيجاد الحلول المناسبة لدمجهم التربوي وضمان حقوقهم في التعليم العام بمعايير متطورة تحقق لهم الكثير من الفرص؟
جرأة أولياء الأمور في خوض تجربة دمج الأطفال من ذوي التوحد تفتح آفاق لتطور وتحسين هذه العملية إلى الأفضل
الأستاذة منى باغ مدير مركز الشارقة للتوحد مساعد المدير العام لشؤون البرامج التربوية والتاهيلية ورئيس اللجنة الفنية بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، أوضحت أن توجه المركز والمدينة بالنسبة لدمج الأطفال من ذوي التوحد هو مبني على عدة عناصر، وهي التوجه العالمي والمنظور الحقوقي المدعوم بالقوانين والتشريعات الحديثة، وأيضا مبني على التوجه الخاص بقسم TEACCH والذي يركز على التفريد ويعول على الأساليب المستندة على الجوانب العملية والتجريبية أكثر مما يركز على الجانب الإيديولوجي المرتكز على فلسفه معينة مع وضع الأهداف النهائية لهذه الفلسفة في اعتبارها طوال الوقت، وأكدت أن هدف المركز هام للغاية ويكمن في إعداد الطلاب من ذوي التوحد وإعطائهم أكبر فرصة ليؤدوا بنجاح داخل المجتمع.
وعن تحديات الدمج قالت مديرة مركز الشارقة للتوحد: نحن ندرك تماما كفريق عمل أن أنشطة الدمج تكون مناسبة وفعالة فقط عندما يتواجد التقييم الشامل والإعداد المناسب لبيئة الدمج، كما نواجه بعض الصعوبات في أداء الدور الذي نعتقد أنه مطلوب وفعال في إنجاح عمليه الدمج ولاشك أن هذا النجاح يحتاج إلى الدعم من المتخصصين المدربين في مجال التوحد، وهم قادرون على المساعدة في إعطاء التقييم الموضوعي للعديد من الأنشطة والظروف الخاصة بالدمج، فالعديد من المدارس تواجه صعوبة في تكييف الأوضاع وتوفير المرونة اللازمة وذلك فيما يخص المنهاج التعليمي وأسلوب عرضه وتقديمه وعدد الطلاب في الفصول وأساليب الامتحانات والواجبات المدرسية والتقييم المنتظم والجداول اليومية، والتركيز على الصعوبات دون تحليل أسبابها وعدم توافر الخبرة اللازمة والمختصين في المدارس وعدم التهيئة الكافية للطلاب وأسرهم، ومناقشة بعض الأفكار غير الإيجابية عن عملية الدمج، وهناك جانب هام إضافي وهو عدم توفير التدريب والإعداد لمدرسي المدرسة كخطوة هامة قبل البدء في تواجد الطالب في الصف الدراسي.
الأستاذة منى باغ: إعادة النظر بصورة منتظمة في المناهج والمقررات الخاصة بالتعليم العام وإدخال تعديلات متتالية حتى تكون أكثر مواكبة للعصر
وأضافت أنه يوجد اهتمام واضح بموضوع الدمج والبحث عن الطرق المساعدة له، وبالتأكيد يتوقع أن ينعكس ذلك على بحث مدى ملاءمة المقررات والمناهج للدراسة، وبصورة عامة يمكن استخدام العديد من الاستراتيجيات التي تعمل على زيادة فعالية التعليم للأطفال المدمجين ويمكن تطبيقها بواسطة المعلمين ويمكن توفير التدريب عليها، ولكن بالتأكيد فإن المناهج بوضعها الحالي قد لا تكون عاملا ميسرا لعملية الدمج.
وعن دور مركز الشارقة للتوحد في خدمة منتسبيه من ذوي التوحد، أشارت مديرة المركز إلى أن إدارة المركز تعتمد على عدة جوانب أهمها تقييم المستفيدين من الخدمة وهم الأسر بصورة رئيسية حيث يتم تعميم استمارات ونماذج مصممة لقياس الرضا في كل جزئية من جزيئات العمل على سبيل المثال: تقييم الأسر للبرنامج المعد، وتقييم الأسر للجلسات الإرشادية والعلاجية والزيارات المنزلية التدريبية، وتقييم الرضا عن الجلسات الفردية شاملة جلسات تنمية مهارات التخاطب.
وقالت:يتم رصد التقييمات لأدائنا بطرق أخرى كتصوير الفيديو والتغذية الراجعة المباشرة, ونحن نلاحظ وجود مستوى عال من الرضا بصورة عامة عن الخدمات المقدمة من المركز ، ونهتم للغاية ودائما بهذا التقييم نظرا للشراكة التي نسعى لترسيخها طوال الوقت مع الأسر ، كما أن التقييم يساعدنا على التطوير ورغم أن التقييم الإيجابي لنا يدفعنا إلى الأمام إلا أنه لا يمنعنا من اكتشاف الجوانب الأخرى التي تحتاج للتطوير والتحسين فحتى الآن لا نستطيع تلبية احتياجات كل الأطفال المتقدمين للمركز، ونبذل الكثير من الجهد لتوفير مجموعة متنوعة من الخدمات البديلة والإضافية مثل الخدمات المسائية بعد الدوام اليومي والجلسات الإرشادية وخدمة التقييم والتشخيص لأطفال من خارج المركز أو من هم على قائمة الانتظار، كما نؤدي دورا تدريبيا يعتمد على نقل الخبرات المتوفرة بالمركز والمتراكمة عبر السنوات الماضية إلى الزملاء والمختصين بأقسام وفروع المدينة وامختصين في مراكز أخرى من خارج وداخل الدولة للمساهمة في توفير الخدمات عبر مختصين ومدربين، فنحن نواجه صعوبة ملحوظة في الحصول على المختصين المؤهلين والمدربين حسب معايير مرتفعة أقرتها المدينة لتقديم المستوى الذي نرضاه من فعالية الخدمة وجدواها.
وعن أفاق الدمج المستقبلية قالت الأستاذة منى باغ: يلاحظ بوضوح على المستويين المحلي والعالمي أنه يتم إعادة النظر بصورة منتظمة في المناهج والمقررات الخاصة بالتعليم العام ويتم إدخال تعديلات متتالية حتى تكون أكثر مواكبة للعصر، و هناك بعض السمات العريضة للمنهاج المساعد على الدمج مثل تقديره للفروقات الفردية في القدرات والإمكانيات والاهتمامات وتركيزه على الجوانب العملية وربطها بالحياة الواقعية والتركيز على جوانب المتعة في التعلم وعدم اعتماد التقييم على المقارنة بالأقران وتقييم الطالب بناء على تطوره الشخصي وان يعطى المنهاج اهتماما خاصا للتهيئة الاجتماعية والانفعالية والجداول اليومية ونحن حريصون على دعم ومساندة توجه الأسرة فيما يخص طفلها بأقصى ما نستطيع رغم تواجد بعض الصعوبات في التنسيق مع المدارس التي دمج فيها الأطفال وخاصة في المرحلة الانتقالية ذات الأهمية البالغة في تسهيل الدمج للمعلمة والطفل من خلال تعرف المدرسة على الطالب في المركز والظروف البيئية المناسبة له للتعلم، بالإضافة لصعوبة ضم مدرسي الطفل إلى فريق العمل بالمركز في الاجتماعات الدورية لمناقشة الجوانب التعليمية والسلوكية الخاصة بالطالب، ونحن ملتزمون بالاستمرار بذلك التوجه بدعم خيارات الأسرة في المستقبل ومحاولة توفير أفضل السبل والإمكانيات لذلك .
وفي السياق نفسه تحدث الأستاذ ماجد سامي أخصائي التخاطب بمركز الشارقة للتوحد عن الآليات الحديثة في تأهيل وتعليم الطلبة من ذوي التوحد بالمركز، وأوضح أن المركز يعتمد بصورة أساسية على برنامج تيتش TEACCH والذي يعتبر من أهم البرامج الفعالة في تدريب الطلاب من ذوي التوحد، ويتم تقييم الطلاب بناء على المرحلة العمرية من خلال تطبيق الاختبار التقييمي ( PEP-R) للفئة العمرية حتى 10 سنوات والاختبار التقييمي (AAPEP ) للفئة العمرية من 11 سنة وما فوق، كما يعتمد المركز في عملية التشخيص على بعض الاختبارات الحديثة مثل (ADOS وADI-R )، ويعمل ايضا على دمج الطلاب بالمجتمع الخارجي من خلال تخصيص أنشطة طلابية خارجية أسبوعية مع العمل على تدعيم التدريب بالأماكن العامة ( مراكز التسوق المراكز الترفيهية، المطاعم … الخ ) كما يقدم خدمات داعمة ومساندة مثل (الخيل، السباحة، كمبيوتر، تربية فنية … الخ )
ويعتمد مركز في تقديم خدمات العلاج التخاطبي على أسلوب متطور وهو أسلوب التواصل الكليTotal communication والذي يمنح كل طالب عدة أساليب للتواصل وليس أسلوبا واحدا فقط، كما يزود كل طالب بأنسب أساليب التواصل مع وضع إمكاناته وقدراته في الحسبان.
وأشار الأستاذ ماجد سامي أن المركز أضاف إلى أساليبه في التقييم أسلوب التقييم الموجه بواسطة الطفل والمبتكر بواسطة الدكتور البروفيسور الهولندي المعروف يان فان دايك كما يعتمد المركز على أسلوب تحليل الفيديو كأحد أساليب التقييم وتدريب الكادر والإرشاد الأسري، ويقدم المركز نوعين من الجلسات للأسر وهي جلسات إرشادية علاجية نفسية ( فردية، أسرية، جماعية ) وهذا النوع من الجلسات يلبي احتياجا ملحا ومتكررا من الأسر، لما له من دور تحفيزي في إيجاد مصادر الدعم الأسري والتخفيف من التحديات الناتجة عن طبيعة الإعاقة وخفض الضغوطات النفسية لدى أفراد الأسرة.
وأيضا يقدم مركز الشارقة للتوحد جلسات تدريبية حول أساليب تطبيق البرامج التدريبية للأطفال، وإدارة التحديات السلوكية إضافة إلى ذلك ينظم المركز سنويا العديد من الدورات والورش التدريبية والتي يقدمها خبراء من خارج الدولة مثل خبراء مركز هامبورج للتوحد بألمانيا، وهذه الورش والتدريبات تتطرق دائما إلى خبرات حديثة مضيفة آفاقا علمية مبتكرة ذات تطبيقات عملية.
وعن مستجدات قضايا التوحد في المجتمع المحلي قال الأستاذ وائل علام المدير الفني لمركز التدخل المبكر التابع للمدينة: فيما يخص الدمج فقد زاد الاهتمام به بالنسبة للأطفال من ذوي التوحد مع ازدياد تطور الوعي بالموضوعات المتعلقة بطيف التوحد لدى الأسر والمجتمع ويلاحظ ذلك من خلال: الاكتشاف المبكر في الأعمار الصغيرة بمعدل متزايد وتزايد المعرفة لدى الجمهور وزيادة معدلات النشر والكتابة حول التوحد بالإضافة إلى الاهتمام المتزايد في وسائل الإعلام والوعي المتزايد للأسر من خلال السعي لزيادة الحصول على خدمة ذات جودة عالية ومتكاملة، حديثة وفي وقت أسرع والأسئلة التي توجهها الأسر حول أساليب العلاج الحديثة وحرص الأسرة على إيجاد مكان للطفل في التعليم النظامي و العام، والزيادة الواضحة في اكتشاف وتشخيص الأطفال من ذوي التوحد بالعديد من الدول مع ملاحظة وجود إحصائيات مختلفة، وهو ما يؤكد حاجتنا لإحصاءات أكثر شمولية ودقة، وأضاف الأستاذ وائل علام أنه يوجد توسع واضح في الورش والتدريبات الخاصة بالجوانب المتعلقة بالتوحد كالتشخيص والبرامج التدريبية للأطفال ويلاحظ الاهتمام الكبير للعديد من المؤسسات في رفع كفاءة المختصين عن طريق هذه الورش والتدريبات مع الحرص على إضافة الجديد كلما كان ذلك متاحا.
من جهته تحدث الأستاذ محمود عبد المقصود أخصائي نفسي ومساعد فني بمركز الشارقة للتوحد عن تجربة المركز في دمج الطلاب من ذوي التوحد وقال: فيما يتعلق بدمج بعض الطلاب من مركز الشارقة للتوحد، فقد تم بالفعل ترتيب وعمل إجراءات لدمج مجموعة من الطلاب في سنوات دراسية مختلفة، وبالنسبة لنجاح هذه التجارب فهناك تفاوت ملحوظ، فبعض الطلاب كان يتم دمجهم بصورة جزئية ( لعدة أيام بالأسبوع ) أو ( كأجزاء معينة من اليوم ) وفي بعض الأحيان كانت العملية تواجه تعثرا واضحا فهناك بعض الطلاب ممن عادوا إلى الانتظام بالمركز مرة أخرى بعد أن واجهتهم صعوبات منعتهم من الاستمرار في التجربة، وهناك ترتيبات تلزم لنجاح العملية مثل: تواجد فريق عمل يجتمع بصورة منتظمة لمناقشة أمور الطالب على أن يشمل ( الأخصائي النفسي، أخصائي التربية الخاصة،أخصائي التخاطب )،وأوضح أن الاحتياج لبدء إعداد الطالب لعملية الدمج يحتاج إلى ستة أشهر قبل التنفيذ الفعلي، ويحتاج إلى التواصل المستمر مع الأسرة فيما يخص أدق التفاصيل، مع ضرورة تواجد مدرس الدعم الذي يكون صلة الوصل بين المركز والمدرسة وتكون مهمته مساندة الطالب ودعم استقلاليته خلال تواجده بمختلف المساقات التعليمية بالمدرسة، وعدم توافر هذه الشروط الميسرة في معظم المدارس بالإضافة إلى افتقاد العديد من العناصر الأخرى المؤثرة قد يلعب أحيانا دورا في عدم نجاح التجربة أو الانتقاص من فاعليتها، كما يفسر الصعوبة التي نواجهها في اختيار وترشيح المدارس المناسبة للدمج للأسرة التي تطلب من المركز مساعدة لإيجاد المدرسة الملائمة لدمج الطفل.
رأي أوليـــــاء الأمـــور
لم تختلف الآراء فقط بين المسؤولين في قضية دمج الأطفال من ذوي التوحد في المدارس العامة، وإنما اختلفت أيضا بين أولياء أمور الأطفال من ذوي التوحد وذلك بإعتبار أن درجات إضطراب التوحد متفاوته من شخص لآخر .
دعم الأشخاص من ذوي التوحد.. مسؤولية الجميع لتحسين أوضاعهم والإرتقاء بهم إلى أفضل المستويات
وحيد طفل من ذوي التوحد عمره 11 سنة وهو طالب بمركز الشارقة للتوحد، قبل قدوم عائلته إلى دولة الإمارات كان مقيما في انجلترا وتم دمجه في مدرسة عامة ضمن فصل خاص بذوي الإعاقة، تقول والدته السيدة أم وحيد: أفضل أن يكون إبني من ذوي التوحد مدمجا في مدرسة عامة ولكن بفصل خاص يتكون من 6 طلاب وليس أكثر، ولا أمانع في أن يشارك في كافة النشاطات الأخرى مع أقرانه غير المعاقين، حيت يمكنه تعلم المهارات الإجتماعية من خلال الأنشطة الترفيهية المصاحبة، ووجوده في فصل خاص يسهل عملية تعليمه ومتابعة تطور قدراته بشكل أفضل.
وأوضحت أم وحيد أن دمج طفل من ذوي التوحد في فصل عام يتكون من 26 طالبا ومافوق قد يؤثر على نفسيته خاصة أن الأطفال التوحديين لديهم حساسية من وجودهم ضمن مجموعات كبيرة وقد لا يتحمل الطفل التوحدي هذا العدد الكبير من الطلبة، وبالمقابل يصعب على معلم الفصل أن يتابعه أو يخصص له وقتا كافيا لمعرفة احتياجاته، كما لا يمكن للطالب من ذوي التوحد أن يكون في نفس مستوى الطلاب غير المعاقين في استيعاب المهارات التعليمية بنفس وتيرة السرعة التي يستخدمها معلم الفصل، بالرغم من قدراته الإدراكية التي قد تفوق أحيانا الطفل غير المعاق.
وأكدت أم وحيد على ضرورة تبسيط وتكييف المنهج التعليمي، ليتناسب مع قدرات الأطفال التوحديين مع وجود مرافق ملائم لتوضيح كافة الأمور للطالب من ذوي التوحد، بالإضافة إلى تهيئة البيئة التعليمية والمجتمع المدرسي بخطوات مدروسة على المدى البعيد واعتماد اسلوب المرونة في التعليم، وأشارت إلى أهمية توعية المجتمع بفئة الأشخاص من ذوي التوحد لدعم حقوقهم وهي مسؤولية الجميع لتحسين أوضاعهم والإرتقاء بهم إلى أفضل المستويات.
هيا وليد 12 سنة طالبة بمركز الشارقة للتوحد منذ 3 سنوات، تحدثت أم هيا وليد عن مصاعب الدمج التربوي للأطفال ذوي التوحد وقالت: إن عملية دمجهم تتطلب الكثير من الأساسيات التي يصعب توفرها، بداية بتهيئة البيئة التعليمية بما فيها المعلمين والطلاب غير المعاقين في التعامل الصحيح مع ذوي الإعاقة عامة وأصعب ما في ذلك هو المنهج التعليمي المطبق حاليا والمكثف حيث لا يتناسب مع الأطفال من ذوي الإعاقة وبالأخص مع أطفال التوحد، والمعروف أن الطلبة غير المعاقين يواجهون مصاعب في استيعاب المنهج التعليمي المقدم لهم فكيف سيتكيف الطلبة من ذوي التوحد وأشارت إلى أن عملية دمج الأطفال من ذوي التوحد تستلزم تقييم دقيق لمستويات الطلبة وأكدت على مسؤولية وزارة التربية والتعليم في ايجاد الحلول المناسبة لعملية الدمج ليكون مردوده إيجابي على الأطفال من ذوي التوحد وأولياء أمورهم، وأيضا باقي فئات المجتمعي المدرسي وأضافت أم هيا أن وجود ابنتها في مركز الشارقة للتوحد أفضل بكثير من دمجها في التعليم العام الحالي خاصة أنه لم يتم تهيأة البيئة بشكل كامل وقد يؤثر دمجها على مستوياتها وقدراتها المتطورة خاصة أن هيا تتلقى في المركز أفضل الخدمات التعليمية والتأهيلية من كوادر متخصصين في مجال التوحد وبخبرات واسعة وحديثة في التعامل الصحيح مع الأشخاص من ذوي التوحد، وظهرت بوضوح النتائج الإيجابية في تطور قدراتها بإستمرار وبشكل مميز جدا.
السيدة مريم الحمادي: يجب محاربة المخاوف السلبية لأولياء أمور الأطفال من ذوي التوحد في عملية دمج أبنائهم
الطالب حسن من ذوي التوحد 14 سنة وهو مدمج في التعليم العام ويتلقى منذ سنتين خدمات مسائية في مركز الشارقة للتوحد، تعلم الطالب حسن من الفصل الأول إلى الفصل السابع في فصل خاص بمدرسة عامة، وتم دمجه حاليا في الفصل الثامن مع أقرانه من الطلبة غير المعاقين في نفس المدرسة، وقالت السيدة مريم الحمادي أم حسن عن نجاح تجربة الدمج: يجب محاربة المخاوف السلبية لأولياء أمور الأطفال من ذوي التوحد في عملية دمج أبنائهم، وذلك بتجربتي الشخصية التي حققت نجاح هذا الدمج وأثبت وبجدارة إبني حسن من ذوي التوحد أنه طفل قادر على التكيف مع النظام التربوي والدمج العام.
وأوضحت أم حسن أن البيئة التعليمية غير مهيأة وتهيئتها تتطلب جهودا ووقتا للوصول إلى الوضع والنموذج المثالي للدمج، ومنه يجب التحلي بالواقعية بتقبل الدمج وفي نفس الوقت متابعة تطور كافة عوامله للوصول إلى الإحترافية، كما أكدت على وجود فردية في بعض الحالات التي يصعب دمجها وتحتاج إلى تأهيل أكبر في جهات ومراكز متخصصة ولايجب التعميم على كافة الحالات، وأضافت السيدة مريم الحمادي أن الدمج بوضع خطة فردية للطالب مع مساعدته يحقق نتائج إيجابية وجرأة أولياء الأمور في خوض تجربة دمج الأطفال من ذوي التوحد تفتح آفاقا لتطور وتحسين هذه العملية إلى الأفضل.
وأشارت إلى أهمية وعي العاملين في المجال التربوي بأساسيات التوحد خاصة والإعاقات الأخرى بشكل عام وهي مسؤولية تكاملية تقع في المقام الأول على صناع القرار وقالت: إن عملية الدمج لها متطلبات توعوية كبيرة يجب أن تشمل كافة أفراد المجتمع ومؤسساته خاصة مع تزايد عدد الأطفال من ذوي التوحد، وشخصيا أشجع الجميع للإقدام على هذه الخطوة المهمة في ضمان حق الأطفال من ذوي التوحد في التعليم العام ومتابعة كافة الإجراءات اللازمة لتطوير الدمج للوصل إلى الإحترافية المطلوبة، خاصة أن الطفل من ذوي التوحد يحتاج إلى إستيعاب إجتماعي
وفي ختام حديثها أكدت السيدة مريم الحمادي، أنه يجب مساعدة أولياء أمور الأطفال من ذوي التوحد ليتحرروا من مخاوفهم وتوعيتهم بأن الإهتمام الزائد والمفرط لأبنائهم من ذوي التوحد قد تكون نتائجه سلبية فالطفل التوحدي له الحق في الإستقلالية والإعتماد على الذات وذلك يتحقق بدمجه في الوسط الإجتماعي ليتعلم ويطور مهاراته مع أقرانه غير المعاقين.
تحديات دمج الأطفال من ذوي التوحد في التعليم العام
وتبقى قضية دمج الأطفال من ذوي التوحد في التعليم العام، قضية راهنة في المجتمع المحلي بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر بين المؤيديين والمعارضين، والأهم من الجدل الواقع حول ايجابيات وسلبيات هذه القضية، هو بحث ودراسة الحلول اللازمة لتطبيق هذه السياسة في دمج الأطفال من ذوي التوحد بالتعاون مع الخبرات العالمية السباقة في هذا المجال، بإعتبار أن التعليم في ديننا وأخلاقنا هو حق انساني واجتماعي ووطني للجميع وبدون تمييز، لذلك ينبغي تكاتف الجميع والتركيز على إيجابيات دمج الأطفال من ذوي التوحد والنظر إلى ما يحققه هذا الدمج في ضمان مستقبلهم.
ومسؤولية الجهات المعنية بالأمر هي الأهم في وضع الأسس العلمية والمنهجية الصحيحة بداية بتوعية المجتمع بأهمية دمج الأطفال من ذوي التوحد حسب الحالة الفردية لكل شخص، وتهيئة المجتمع المدرسي ولو نسبيا لبدء هذه الخطوة والعمل على تطويرها وفقا لأساليب التعليم الحديث ومواكبة التطورات العصرية في التعليم التربوي، مع تعديل المنهج وتطوير الخدمات الإدارية لتسهيل عملية الدمج على الأطفال من ذوي التوحد بنتائج قد تكون إنعكاساتها إيجابية ومفيدة للجميع.