مدارس «التعليم» تسلب الطلاب ذوي الإعاقة حقوقهم القانونية
«قولتلك كتبت» انطلق بها صوت «رودينا» التي ولدت قبل سبع سنوات، رداً على سؤال مدرستها، التي لم تنتبه لردها السابق، على السؤال نفسه، بعد أن أعادته عليها مرة أخرى ناهرة، داخل جدران الفصل الدراسي، المكتظ بتلاميذ يخطفون انتباه المعلمة، فتنشغل عن الصغيرة المنكفئة على ماكينة «برايل» الزرقاء المتطورة، لتواكب مهارات زملائها المبصرين في الكتابة، والتي اشتراها والداها على نفقتهم الخاصة، بآلاف الدولارات.
نتيجة غير معتادة، لرحلة لم تكن بسهلة، على والدي رودينا، كي ينجحا في ضم ابنتهم في مدرسة تعليم نظامي، وليس مكفوفين، اقتناصاً لحقها الذي يقره القرار الوزاري رقم 42 لسنة 2015، في مستهل شهر فبراير من العام نفسه، بضم ذوي الإعاقة إلى كل أنواع مدارس التعليم العام، وفقاً لمعايير محددة، أبرزها توفير فصول في الدور الأرضي لذوي الإعاقة الحركية والبصرية، وغرف مصادر أو مناهل، وهي غرف بها وسائل مبتكرة وبسيطة لتسهيل عملية التعلم على ذوي الإعاقة السمعية، والبصرية، والذهنية.
معايير من المفترض توافرها بالمدارس التي تطبق الدمج
- توفير فصل في الدور الأرضي.
- توفير غرفة مصادر وغرفة مناهل معرفة.
- الإعلان عن وجود حالات دمج داخل المدرسة.
الدمج على أرض الواقع
إلا أن شعاع النور الذي انتظره حوالي 12 مليون مصري من ذوي الإعاقة، وفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية، لسنوات، قطعته مدارس مصرية تخالف معايير دمج الطلبة ذوي الإعاقة وفقاً للقانون، ما يخل بحقوقهم التعليمية، ويصعب دمجهم، وسط غياب رقابة وزارة التربية والتعليم.
جولة على عشرات المدارس خاضها «سامح كارم وشيماء علي»، بهدف البحث عن مدرسة عادية، تقبل بضم ابنتهما الكفيفة، التي قوبل اقتراح ضمها إلى مدرسة المكفوفين من قبلهم، بالرفض القاطع، لما تقدمه من مناهج دراسية مختصرة وهشة، وفقاً لمعتقدهم، إلا أن ذلك الاقتراح لم يكن يزعجهم فقط، فكانت ردود ونصائح مسؤولي المدارس هي الأكثر إزعاجاً.
رحلة البحث عن مدرسة دامجة
«منقدرش نتحمل مسؤوليتها»، «وديها مدارس المكفوفين ده اللي احنا نعرفه»، «حرام عليكم أنتم مش عايزين تتحملوا مسؤولية»، «خليها تقعد في البيت وتحفظ قرآن»، ثمة ردود كهذه، أخذت تمد أوصال القهر إلي قلوب الوالدين، وتجعل من اليأس خصماً عنيداً في صراعه معهما، على الرغم من أن المادة الأولى من قرار الدمج، وكتابه الدوري المفسر، سالفا الذكر، تنص على أن كل المدارس دامجة، بما في ذلك المدارس الحكومية والخاصة، ومدارس التعليم المجتمعي، من مراحل التعليم ما قبل الابتدائي ـ أي رياض الأطفال ـ حتى التعليم ما قبل الجامعي، كما تعطي المادة نفسها لولي الأمر، الحق في اختيار أقرب مدرسة من محل سكنه لإلحاق نجله، ما دامت تنطبق عليه الشروط، المبينة أدناه:
شروط القبول بمدارس الدمج
- يقبل بمدارس الدمج الطالب الكفيف وهو كل من تقل حدة إبصاره عن 6/600 وكذلك يقبل ضعيف البصر.
- الشلل الدماغي هو إحدى أنواع الإعاقة الحركية التي يتم قبولها بمدارس الدمج ويتم استثناء الحالات الشديدة والحادة منها من القبول بمدارس الدمج.
- تتضمن الإعاقة الذهنية كلاً من: سمات التوحد – متلازمة داون – الإعاقة الذهنية البسيطة – بطيء التعلم.
- ضعاف السمع هم فقط المسموح لهم بالقبول بمدارس الدمج، ويشترط لذلك ألا تزيد درجة الفقدان السمعي عن 70 ديسبل.
- يشترط بالنسبة للإعاقة الذهنية ألا تقل درجة الذكاء عن 655 درجة باستخدام مقياس ستانفورد بينيه الصورة الرابعة أو الخامسة بالنسبة للطلاب المتقدمين للالتحاق بمدارس الدمج للعام الدراسي 2015/2016.
مدارس ترفض الدمج
وعلى الرغم من عدم التزامها بالمعايير، كانت مدرسة زهور الياسمين هي الأفضل حالاً، فعلى مدار ثلاثة أشهر هي مدة إنجاز هذا التحقيق، قامت معدة التحقيق بجولة عشوائية، في ثلاثين مدرسة، بثلاث محافظات مصرية، للتحقق مما إذا كانت تطبق قرار الدمج. لنكتشف أن 4 مدارس فقط تحتوي على غرف مصادر ومناهل وفصول أرضية
ومن خلال عينة شملت 11 مدرسة في محافظة أسيوط تصل نسبة المدارس المجهزة للدمج أقل من 20%، وهي نفس النسبة تقريباً التي حصلنا عليها بمحافظة القاهرة بعد زيارة 10 مدارس، بينما في البحيرة لم نجد أي مدرسة مجهزة لتنفيذ قرار الدمج، بعد زيارة 9 مدارس.
القاهرة 20%
أسيوط 20%
البحيرة 00%
أخيرا.. رودينا في المدرسة
«عارفة لما تبقى الدنيا سودة وفجأة ربنا سبحانه وتعالى يفتحلك باب نور».. هكذا انقشع الليل عن «كارم»، حينما باغتته مكالمة هاتفية من زوجته، لتنقل إليه خبر العثور على المدرسة المنشودة بمساعدة جمعية أهالي المكفوفين، وتحديد موعد لإجراء الاختبارات المعتادة.
كان ضم رودينا لمدرسة عادية، هدفاً صعب المنال، جعل والديها يتجاهلان أية مخالفات للمعايير التي ينص عليها قرار الدمج بالنسبة للكفيف، خاصة وجوب إلحاق رودينا بفصل في الدور الأرضي، وتيسير عمليتها التعليمية بغرفة مصادر، معللين ذلك بأنه لا توجد مدارس تتوفر بها تلك الاشتراطات، إلا أنهم اصطدموا فيما بعد بعوائق تعليمية أكبر، فتقول شيماء، والدة رودينا: «احنا دمج بناخد كل المناهج، الوزارة متعرفش عننا حاجة، مبتحولناش الامتحانات برايل». على الرغم من أن المادة الخامسة من الكتاب الدوري رقم 19 لسنة 2015، تلزم بتوفير المواد المساندة لتيسير الامتحانات على الطالب الكفيف، وفقاً لنماذج تقوم بإرسالها المديريات التعليمية، عبر فريق توجيه المواد، وإدارات التربية الخاصة.
وهو ما جعل معدة التحقيق تقوم بمعايشة يوم دراسي كامل مع «رودينا»، لرصد مدى تطبيق مدرسة زهور الياسمين الخاصة – التي ضمت إليها ثلاثة طلاب من ذوي الإعاقة ـ للمعايير التي نص عليها، القرار الوزاري للدمج.
معايشة مع طالبة كفيفة
وصلت الصغيرة «رودينا» في تمام السابعة والنصف صباحاً إلى المدرسة التي تبعد عن منزلها قرابة نصف ساعة ـ في غير ساعات الذروة – لتمكث في مستقرها المعتاد على مقعد خراساني، بجوار أحد حوائط الفناء حتى بداية الطابور الصباحي، خوفاً من أن يرتطم بها أحد رفاقها، رغما عنه وهو يركض.
تأتي إحدى زميلاتها وتسألها: «انتي عارفاني؟»، والذي بدى ثقيلاً على نفسها من ردها المقتضب بانفعال: «أيوه»، قبل أن تغوص وسط وابل من الطلاب، المهرولين بعشوائية، متشبثة بيد مُعلمتها، حتى مقر صفها الدراسي في الطابق الثاني، خوفاً من أن تُدهس تحت الأقدام، بالرغم من أن المادة السادسة من الكتاب الدوري رقم 19 لسنة 2015، الصادر عن وزارة التربية والتعليم المصرية، والمفسر لقرار الدمج سالف الذكر، تنص على وجوب تحديد فصل بالدور الأرضي بالمدارس الدامجة لحالات الشلل الدماغي والإعاقة الحركية والبصرية.
خطوات متلعثمة حاولت أن تخطوها «رودينا» بمفردها داخل المدرسة، تستدل طريقها عبر يديها المتصلبة على الحوائط، حتى يصطدم جبينها بأحدها، فتصيح مستنجدة بمدرستها بعد فشلها في النزول على الدرج بمفردها.
ناهيك عن عدم وجود غرفة مصادر، أو مناهل معرفة، بالمدرسة التي من المفارقة، أنشئت خصيصاً منذ عشرات السنين، لدمج أبناء صاحبها من ضعاف في البصر، بهدف تلقي التعليم العام، وسهولة الدمج في المجتمع، لهذا واجهنا مدير المدرسة، سلامة محمد علي سلامة، بما تم رصده من عدم الالتزام بأي من معايير الدمج، ليرد متسائلاً: «ليه أصلاً أنا أعتبر نفسي تبع القانون وتبع النظام، وإذا كان أصلاً ما فيش أي تواصل بيني وبين الوزارة»! فوزارة التربية والتعليم، وفقاً لسلامة، لا تمد يد العون للمدرسة، عبر أي وسائل تعليمية، أو تدريبات للمدرسين أو حتى توعية، على الرغم من أن وزارة التربية والتعليم رصدت من ميزانيتها في العام الجاري 20 مليون جنيه، للدمج ومدارس التربية الخاصة، كما ساهمت منظمة اليونيسيف بإعداد 150 غرفة مصادر بمدارس القاهرة وسوهاج وأسيوط، لتسهيل العملية التعليمية لذوي الإعاقة.
ويفسر مدير المدرسة الكفيف، عدم توفير فصول في الدور الأرضي، لرودينا ونظائرها من المكفوفين، بأنه على الرغم من أن المدرسة لا تعد آمنة ولا تتوافر فيها شروط الإتاحة للطلاب المكفوفين، إلا أنها تؤهلهم للتعامل مع الواقع الذي يخرجون إليه، خارج ساعات اليوم الدراسي.
تجارب الدمج في دول العالم
تأخرت تجربة الدمج في المدارس المصرية عقوداً عن دول أخرى، إلى أن جاءت المادة 80 من الدستور المصري التي تكفل حق دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع وتكافؤ الفرص، الأمر الذي يشرحه الخبير التربوي الدكتور كمال مغيث، بأن دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المدارس حق وليس منحة، فبالرغم من حاجة هؤلاء الطلاب لاهتمام خاص، إلا أن الدمج يرفع من مستوى طموحهم، ويجعلهم لا يختلفون عن غيرهم في الحقوق أو الواجبات.
- أمريكا 1970
- ايرلندا 1976
- الامارات 1980
- جنوب افريقيا 1980
- إنجلترا 1981
- السويد 1996
رحلة أولياء الأمور
لم يكن عدم الالتزام بتطبيق معايير الدمج هو المخزي فحسب، بل تطبيق الدمج نفسه وقبول طالب من ذوي الإعاقة في مدرسة عادية، كان غير مرحب به من قبل معظم مديري المدارس، فقامت معدة التحقيق بشق طريقها الذي استغرق أكثر من 6 ساعات بعد منتصف الليل، من القاهرة إلي محافظة أسيوط في جنوب مصر، لتصل مع دق أجراس طابور الصباح، وتبدأ جولتها كولية أمر تريد إلحاق نجلها من ذوي الإعاقة بإحدى المدارس العادية، فتقابل رغبتها من الوهلة الأولى بالرفض، وتلاحقها الاتهامات بالظلم الذي قد يتسبب في أضرار نفسية إذا تعلم الطفل وسط أقرانه من غير ذوي الإعاقة.
وحينما واجهت معدة التحقيق أحد مديري المدارس، بدراية ولية الأمر بإلزام جميع المدارس بقرار الدمج، كان رده: «إحنا دمج، لكن ما فيش مدرس إدّرب على الدمج، عندي 3 حالات، التلاتة آسف في اللفظ العيال عاملينهم لعبة».
مراحل قرار الدمج
لم يكن قرار الدمج بجديد على المدارس المصرية، فمر صدوره بعدة مراحل بدأت منذ عام 2009، حيث صدر قرار بدمج الطلبة ذوي الإعاقة في المدارس إلا أنه لم يطبق فعلياً، وفي عام 2011 بدأ تطبيق الفكرة جزئياً في المدارس الابتدائية، ثم صدر في عام 2015 قرار وزاري جديد يلزم جميع المدارس بتطبيق الدمج.
كان ضغط الجمعيات المعنية بشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة، سبباً في صدور هذا القرار، فقالت عضو مجلس إدارة المجلس القومي للإعاقة، دعاء مبروك، والتي شاركت في وضع هذا القرار باعتبارها، رئيس جمعية بصيرة لخدمة أهالي الأشخاص المكفوفين، إنها ورؤساء الجمعيات المعنية بالإعاقات المختلفة، أسسوا شبكة تحت اسم الدمج، لعقد مناقشات من شأنها الضغط على وزارة التربية والتعليم، حتى صدر هذا القرار الوزاري، بشكل مرض إلى حد كبير، إلا أنه لازال يحتاج إلى تعديلات بعد.
دمج على كرسي متحرك
تتشابه معاناة أسرة رودينا، مع معاناة أسر 27 ألف طالب، هم عدد الطلاب في مدارس الدمج في 2017، وفقاً لمستشار التربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم، أحمد آدم، من ضمنهم أسرة «كريم»، الذي حاول والده تهيئة كافة السبل منذ مولده كي يمارس حقوقه كافة، لا يعيقه عدم قدرته على الحركة، حتى بلغ سن الدراسة، فوجدت أمه، أن الصبي الذي لم يتم عامه السابع، قد يتأثر نفسياً إذا لم يلتحق بالمدرسة ذاتها التي يدرس فيها شقيقه الأكبر، وهو ما دفع الأبوين للمحاولة.
لم يكن القبول حليف الوالد «عمرو صالح» منذ البداية، فخاضت مديرة مدرسة «دار السعادة الرسمية» بحلمية الزيتون، محاولات عديدة، كي تقنع الوالدين بأن الصبي قد لا يستطيع مواكبة ركب التعليم في مدرسة رسمية، على الرغم من أنه يتمتع بقدرات عقلية لا تقل عن أقرانه من غير ذوي الإعاقة، وهو ما أثبتته الاختبارات التي خضع لها في الإدارة التعليمية، وأكدت أنه مؤهل للانضمام لتلك المدرسة.
بعد انقضاء أعوام رياض الأطفال، اندلعت الحرب بين إدارة المدرسة التي خصصت له صفاً دراسياً في الطابق الثاني، في مخالفة للمادة السادسة من معايير قرار الدمج، ووالد كريم، الذي استند إليها، وخاض جولة من الشكاوى مع أعضاء مجلس النواب والإدارة التعليمية، أدت إلى تخصيص فصل لـ «كريم» في الطابق الأول وليس الأرضي، في استمرار لمخالفة المعايير.
على كرسيه المتحرك يعبر «كريم» بوابة المدرسة، وسط أقرانه من التلاميذ، إلا أن المشهد يخرج عن المألوف حينما يصل إلى نهاية فناء المدرسة الشاسع، فيُحمل على أكتاف عدد من زملائه طلاب المرحلة الثانوية، في طريقه للصعود نحو فصله في الطابق الأول، تلاحقه نظرات الجميع.
كان المشهد الذي استطاعت معدة التحقيق توثيقه عبر كاميرا سرية، هو صميم شكوى الأب، معللاً ذلك: «كريم هيكبر.. النهارده في طالب ثانوي زميله بيحبه ويشيله، كريم عنده احتياجات صحية محدش هيقدر يشيله بكره».
الإعاقة الذهنية… على هامش الدمج
تطابق ما ذهبنا إليها مع مشهد آخر، استطاعت توثيقه معدة التحقيق بالصوت والصورة، في إحدى مدارس الدمج بأسيوط في شهر مارس الماضي، مع حال عبد الرحمن، القاطن في منزل بسيط في أحد الأزقة بحي محرم بك بالإسكندرية، فالأول – الذي رفض والداه ذكر اسمه – طفل في الصف الأول الابتدائي ممن لديهم صعوبات في التعلم، وهي من الحالات التي يكفل لها القرار الوزاري الحق في الدمج، في مادته الثانية، والثاني طفل في الصف الرابع الابتدائي، ممن لديهم متلازمة داون، المدرجة ضمن المادة نفسها.
طفلان مختلفان إلا أن الحال واحد، الطالبان ينزويان بأحد جوانب الفصل وحدهما، لا يعيرهما أحد أي اهتمام، يواجهان مضايقات صبيانية من قبل زملائهما، فيهما بالخروج من الفصل أثناء شرح المدرسة التي لم تمنعهما، ويقف الاثنان فريسة للشكوى وانعدام الأمل، كلما همّ أولياء أمورهما بالسؤال عن مستواهما الدراسي.
تكفل المادة السادسة للطفلين، حق الحصول على حصص دراسية داخل غرفة المصادر، عبر وسائل تعليمية بسيطة، تعمل على تيسير العملية التعليمية، إلا أن المدرستين لا تحتويان على تلك الغرفة، ما جعل والدة عبد الرحمن تقول بصوت مرتعش على حافة البكاء: «أنا عارفة إننا نفسنا ولادنا يبقوا كويسين علشان بنحبهم، وكمان علشان المجتمع، علشان ميبقوش متسولين».
تعلقت آمال الكثير من الآباء والأمهات بالمجلس القومي لشؤون الإعاقة، باحثين عن حلول لمشكلاتهم، لكن العين بصيرة واليد قصيرة، فالمجلس جهة ضاغطة وداعمة وليست منفذة في قضية الدمج، وفقا لدعاء مبروك، عضو مجلس إدارة المجلس التي تعترف ـ من جهة أخرى ـ تعترف بالقصور تجاه قضية دمج الطلبة ذوي الإعاقة بالمدارس المصرية، والذي تأخر عن بلدان العالم لأكثر من نصف قرن، ولكن الإصلاح من وجهة نظر «مبروك» يستحق بعض الوقت.
دمج تشوبه الإهانة
ظنت سيدة ثلاثينية بسيطة، أن مشكلاتها قد انتهت، بعد أن اقتطعت من قوت أبنائها الأربعة، لتجري عملية زرع قوقعة لنجلها الأكبر بآلاف من الجنيهات، للوهلة الأولى لن تصدق أن أناساً يقطنون بذلك المنزل يستطيعون جمع هذا المبلغ الكبير.
غرفة بسيطة في الطابق الثاني، بإحدى البنايات التي نالت منها الشقوق بمدينة السلام، ملحق بها مطبخ اجتزأت الأسرة مقدار قطعة منه لتصير حماماً، لم تشكو «رضا»، المتشحة بعباءة سوداء من ضيق الحال، لازالت صاحبة البشرة الشاحبة تكافح هي وزوجها لتوفر أموالاً إضافية تكفي تكلفة دروس مركز التخاطب، بعد أن نجحت أخيراً في شراء سماعة لأدهم، تعينه على ضعف سمعه.
وبالرغم من بساطتها، لم تغفل الأم حقوق نجلها الذي بلغ سن الدراسة في الالتحاق بالتعليم النظامي، واستهلت رحلة البحث المعتادة، التي انتهت عند مدرسة السلام المجاورة للمنزل، بعد أن رفضت أن تستقبله في البداية، بحجة أن على الأم أن تلحقه بإحدى مدارس التربية الفكرية.
ظنت الأم في حينها أنها بلغت بر الأمان، لكن الأمر لم يوافق توقعاتها، فإلحاح مديرة المدرسة بدأ يتصاعد إلى حد الإهانة وسوء المعاملة ـ بحسب وصف الأم ـ وهو ما استطاعت معدة التحقيق توثيقه بالصوت والصورة، حينما حاولت الأم لقاء مديرة المدرسة، التي كشفت عن عدم اقتناعها بإمكانية دمج الطلاب ذوي الإعاقة بالمدارس، إلا أنها مجبرة على تنفيذ ذلك لمجرد أن هذا ما أقر به الوزير. ولكنها عادة ما توجه أولياء الأمور دائماً بإلحاق أبنائهم بمدارس التربية الفكرية، لتلقي الكرة داخل ملعبهم بوجوب اختيار ما يخدم مصلحة أبنائهم على حد قولها، وبالرغم من أن أدهم لديه ضعف في السمع وليس في قدراته العقلية، فهي ترى أن بقية الطلاب دائماً ما يشعرون بما لديه من قصور.
الهروب من المواجهة
بينما حاولت معدة التحقيق على مدار شهر كامل التواصل مع وزير التربية والتعليم طارق شوقي، عبر كافة السبل المتاحة، لم يستجب، حتى بعد تقديم طلب رسمي بالمقابلة، وبعد محاولات مضنية، وافقت إدارة العلاقات العامة على طلب معدة التحقيق، لمقابلة رئيس الإدارة المركزية للتربية الخاصة، الدكتورة هالة عبد السلام، والمعنية بملف الدمج، إلا أنها في الموعد المحدد، رفضت الرد أمام الكاميرا بعد أن شاهدت ما لدينا من وقائع مصورة. وبعد مرور أكثر من شهر على هذه المقابلة، قام وزير التربية والتعليم طارق شوقي بإصدار قرار وزاري جديد يحمل رقم 252 لسنة 2017، بنفس مضمون القرار السابق، ويكفل للمدرسين تدريبات حافز إثابة 25% في المدارس التي تضم إليها طلاباً مدمجين.
إلا أن أدهم وغيره، ظلت كتبهم ودفاترهم المدرسية فارغة، بينما امتلأت دفاتر الدروس الخصوصية، ومراكز المجتمع المدني المختصة بإعاقتهم، وظلت دماؤهم تتفرق بين الجهات الحكومية، وظل الدمج في أرض الواقع مجرد بضعة قرارات وزارية فقط على ورق…!!
مها صلاح الدين: صحافية تحقيقات بموقع مصراوى، رشحت كأفضل تحقيق استقصائي مكتوب بمؤتمر «أريج» 2016
أُنجِزَ هذا التحقيق بدَعم من شبكة إعلاميّون من أجل صحافة استقصائية عربية «أريج»
www.ARIJ.net