إعداد منى عبد الكريم اليافعي ، مدير عام مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
تسعى المجتمعات المتقدمة إلى تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة عبر تهيئة بيئة شاملة تُسهم في اكتشاف وتنمية طاقاتهم. ويشكّل تكامل الأدوار بين الأسرة والمجتمع والإعلام حجر الأساس في هذا المسار.
خيرُ ما نستدِلُّ بهِ على هذهِ الفكرةِ العميقة، ما قامَ بهِ صاحبُ السّمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة حفظه الله ورعاه، حينَ افتتحَ المباني الجديدة لمدينةِ الشارقةِ للخدماتِ الإنسانية في منطقةِ البراشي، حيثُ التقى سموّه خلالَ جولتهِ على الفصولِ الدراسية الطالب ” يوسف الملا” من منتسبي مركز الشارقة للتوحد، ومبدعٌ في مجالِ رسم الكاريكاتير، فما الذي حدثَ أثناءَ اللقاء؟
الطالب يوسف، أخبرَ صاحبَ السمو حاكم الشارقة أنَّهُ يسعى لتأسيسِ مشروع فنِّي من خلالِ ” استديو للرسومِ المتحركة”، وعلى الفور، تبنَّى صاحبُ السمو حاكم الشارقة مشروعَ يوسف، وأكّدَ دعمهُ ومساندته كي يُحقِّقَ حلمه.
هنا لا بُدَّ من وقفةٍ نتأمَّلُ بها أهميةَ تبنِّي الإبداع والأفكار الإبداعية للفنانين ذوي الإعاقة، وقد كانَ افتتاحُ صاحبِ السمو حاكم الشارقة عام 2017 لمركزِ الفنِّ للجميع ( فلج) التّابع للمدينة تأكيداً من سموّه على دعمِ الفنانين ذوي الإعاقة وتكريمهم والإيمانِ بمواهبهم وقدراتهم، ودعوةً لأفرادِ المجتمعِ ومؤسساته، كي يسيروا على هذا النهج، ويقتدوا به.
كما باتَ معروفاً، الأشخاصُ ذوو الإعاقةِ لا يفتقرونَ إلى القدرةِ أو الطموح، وإنما يحتاجونَ إلى بيئةٍ مُلهمةٍ ومُحفِّزةٍ تُمكِّنهم من استثمارِ طاقاتهم ومواهبهم، وتساعدهم على تجاوزِ التَّحديات، وتُعدُّ البيئةُ الإبداعيةُ الدّاعمة، عاملاً أساسيّاً في تنميةِ إمكاناتهم، حيثُ تتجلّى هذهِ البيئةُ في الأسرةِ والمجتمع.. ووسائلِ الإعلام.
إنَّ تمكينَ الأشخاصِ ذوي الإعاقة ليسَ مسؤولية جهةٍ واحدة، بل هو شراكةٌ مُجتمعية تبدأ من البيتِ وتصلُ إلى كلِّ منبرٍ إعلامي، وهذا ما أكّدت عليهِ مدينة الشارقة للخدماتِ الإنسانية، فالأشخاصُ ذوو الإعاقة، شأنُهُم شأنُ الأشخاصِ من غيرِ ذوي الإعاقة، قادرونَ على النّجاحِ والتميُّزِ والإبداع متى توفَّرت لهم الظروفُ المُؤاتيّة، والبيئةُ الإبداعيَّةُ الدَّامِجَة، ومن واجبنا أن نؤمنَ بقدراتهم ونوفّرَ لهم جميعَ العناصرِ المُحفزة على الإبداع.
فما هو دور الأسرة في تعزيز مواهب وإمكانات الأشخاص ذوي الإعاقة ؟
- تعتبر الأسرة المؤسسة الأولى التي تتولى مسؤولية حماية ورعاية الطفل ولا سيما الأطفال من ذوي الإعاقة الذين هم في حاجة دائماًً إلى تربية خاصة توفر لهم الخدمات الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية كي يندمجوا داخل مجتمعهم .
- تلعب الأسرة دوراً فعالاً في رعاية هؤلاء الأطفال وتأهيلهم وتنمية مهاراتهم الخاصة وتساعد في اكتشاف مواهبهم .
- الأسرة هي البيئة التي يمارس فيها الفرد حياته ، ولها دور هام في اكتشاف الموهوبين من أبنائها والأخذ بأيديهم وتقديم الرعاية اللازمة لتنمية قدراتهم وإمكانياتهم.
- الاهتمام بفئة المبدعين من ذوي الإعاقة مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمؤسسات التربوية والمجتمع.
كيف يمكن للأسرة المساهمة في تخفيض حدة القلق لدى الطفل الموهوب ؟
يتطلب دور الأسرة مايلي :
- العمل على ملاحظة الطفل بشكل منتظم ، والقيام بتقويمه بطريقة موضوعية وغير متحيزة حتى يمكن اكتشاف مواهبه الحقيقية والتعرف عليها في سن مبكرة .
- التعرف على الموهوب في سن مبكرة، وتساعدها في ذلك إتاحة الفرصة لملاحظة أبنائها عن قرب وبشكل مستمر ولفترات طويلة خلال مراحل النمو ، مع الأخذ بعين الاعتبار السمات العقلية والشخصية.
- التواصل بين الأسرة والمدرسة والمؤسسات ذات الصلة في إبراز المواهب واختيار المجال المناسب للطفل
- توفير عوامل الأمن والاطمئنان التي تعينه على تحقيق النمو المتكامل لجميع جوانب شخصيته.
ما هي العوامل البيئية الاجتماعية المحيطة ؟
بيئة الفرد تشمل :
- المناخ الأسري
- المستوى الاقتصادي والثقافي
- البيئة المدرسية
- المناهج الدراسية
- شخصية المعلم
كيف أنمّي موهبة الطفل ذي الإعاقة ؟
- الأسرة هي الداعم الأول للطفل .
- إعطاء مساحة للطفل ليكون قائداً ويقرر بعض الأمور المتعلقة به في عمر مبكر.
- كن صبوراً ولا تتسرع في النتائج ، قد يتطلب الأمر مجهوداً إضافياً.
- تسجيل الطفل في المؤسسات التي تنمّي مهاراته ومواهبه .
وممّا سبق ذكره ، يتضح لدينا أن أساليب التنشئة الأسرية ومعاملة المدرسين والعاملين كل في مجاله ومناخ الدراسة والحالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأسرة ونوع المناخ الاجتماعي، جميع هذه الأمور تزيد من موهبة الإبداع والابتكار وتساعد الأشخاص ذوي الإعاقة على الاندماج في المجتمع وتطوير وإظهار مواهبهم أسوة بأقرانهم من غير ذوي الإعاقة.
ما هو دور المجتمع في تعزيز مواهب وإمكانات الأشخاص ذوي الإعاقة ؟
- دمجهم في الأنشطة العامة: تشجِّع مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في الفعاليات الثقافية والفنية على تطوير مهاراتهم وزيادة وعي المجتمع بمواهبهم.
- توفير فرص متساوية: المجتمعات التي توفّر فرصاً تعليمية وتدريبية شاملة تُمكّن الأشخاص ذوي الإعاقة من تطوير قدراتهم في بيئة عادلة.
- الدعم المؤسسي: المؤسسات والمنظمات غير الحكومية تلعب دوراً كبيراً من خلال المبادرات التي تكتشف وتدعم المواهب، وتوفر مساحات آمنة ومحفّزة.
ريادة.. احتواء.. مناصرة.. تمكين
تُعدُّ مدينةُ الشارقةِ للخدماتِ الإنسانية إحدى أبرزِ المؤسساتِ الرائدةِ في دولةِ الإماراتِ العربيةِ المتحدة والمنطقة، في مجالِ رعايةِ وتمكينِ الأشخاصِ ذوي الإعاقة. فمنذ تأسيسها، حرصت على تبنّي نهجٍ شاملٍ يُركِّزُ على استثمارِ الطاقاتِ الكامنة لدى الأشخاص ذوي الإعاقة، وتعزيزِ مواهبهم وقدراتهم من خلالِ برامج تعليميّةٍ وتأهيليةٍ مُتخصصة، وفرص تدريبٍ مهني وفنّي وإبداعي، بهدفِ دمجهم الفاعلِ في المجتمع وتحقيقِ استقلاليتهم.
ولعبت المدينةُ دوراً محورياً في الكشفِ عن مواهبِ الطلبةِ ذوي الإعاقة في مختلفِ المجالات عبرَ منظومةٍ مُتكاملةٍ منَ المُبادراتِ التي تواكبُ أفضلَ الممارساتِ العالمية، بالتّعاونِ والتنسيقِ مع شركائها، وتستندُ في ذلكَ إلى رؤيةٍ إنسانيةٍ راسخة تؤمنُ أنَّ الإعاقة لا تُلغي القدرةَ والإبداعَ والتميز، وأنَّ تشجيعَ الأشخاص ذوي الإعاقة على الإبداعِ ومواجهةِ الجمهور، يُعزِّزُ ثقتَهم بأنفسهم، ويتيحُ لهم تمكيناً اقتصاديّاً من شأنهِ أن يزيدَ شعورهم بأهميةِ ما يُقدِّمونهُ مِن فنٍّ وإبداع.
التزامُ المدينةِ بالتميّزِ في تقديمِ الخدمات، وبتعزيزِ مفهومِ الشراكةِ المجتمعية، ساهمَ في بناءِ بيئةٍ مُحفزّةٍ وآمنةٍ تُمكّنُ الأشخاصَ ذوي الإعاقة من تحقيقِ ذواتهم، والانخراطِ في مساراتِ التنميةِ المستدامة.
أين دور الإعلام في تعزيز مواهب وإمكانات الأشخاص ذوي الإعاقة ؟
- تسليط الضوء على النماذج الإيجابية: عرض قصص نجاح لأشخاص من ذوي الإعاقة يعزز من الوعي المجتمعي ويكسر الصور النمطية.
- الدعوة إلى التغيير: يستطيع الإعلام تسليط الضوء على التحديات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة، والمطالبة بسياسات أكثر دعماً وشمولية.
- تقديم برامج متخصصة: من خلال برامج ترفيهية وتعليمية تهتم بالمواهب الخاصة، يمكن للإعلام أن يكون منصة لاكتشاف المواهب وتطويرها.
أخيراً وليسَ آخراً
نؤكّدُ على الدورِ المجتمعي في تعزيزِ مكانةِ الأشخاصِ ذوي الإعاقة، وصونِ حقوقهم، وتهيئةِ البيئةِ الدَّامجةِ والشَّاملةِ التي تتيحُ لهم إظهارَ إبداعاتهم ، كما نحثُّ الفنانين من غير ذوي الإعاقةِ على المبادرةِ والتعاونِ مع الفنانين من ذوي الإعاقة، نظراً لما في ذلكَ من فائدةٍ مرجوّة للجميع.
وخلاصة القول فإن البيئة الإبداعية الداعمة ليست رفاهية، بل ضرورة حتمية لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من التعبير عن إمكاناتهم والمشاركة بفعالية في بناء مجتمعاتهم. حين تتكامل أدوار الأسرة والمجتمع والإعلام، فإننا نبتكر عالماً أكثر عدالة، وإبداعاً، وشمولية.

الكاتبة في سطور :
منى عبد الكريم اليافعي
مدير مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
بكالوريوس تربية خاصة ـ جامعة الإمارات العربية المتحدة في العين
دبلوم الخدمة الاجتماعية ـ جامعة الشارقة 2015
مشرفة برامج تعليمية وعلاجية في مركز التدخل المبكر من عام 1994 إلى عام 1997
مديرة مدرسة الوفاء لتنمية القدرات من عام 1997 وحتى 17 فبراير 2013
المشرف العام على الإعلام من يناير 2010 وحتى عام 2012
نائب المدير العام من تاريخ 18 فبراير 2013 وحتى 14 مايو 2016
مدير مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية اعتباراً من 15 مايو 2016 وحتى الآن
معدة ومنسق برنامج مشاعل الأمل التلفزيوني والذي كانت تبثه قناة الشارقة الفضائية من عام 1994 وحتى عام 2009.
مشاركة في عدة ندوات تلفزيونية في تلفزيون وإذاعة الشارقة
معدة برنامج دعوة للمعرفة بتلفزيون الشارقة في نوفمبر 2007 ولمدة شهر
عضو مجلس إدارة جمعية أولياء أمور المعاقين (حالياً: جمعية أهالي الأشخاص ذوي الإعاقة) ورئيسة لجنة البحوث والدراسات في الجمعية سابقاً
عضوة في الجمعية الخليجية للإعاقة ومقرها في البحرين سابقاً
نائب رئيس منظمة الاحتواء الشامل لإقليم الشرق الأوسط
نائب رئيس اللجنة التنفيذية المحلية لبرنامج المدن المستضيفة للأولمبياد الخاص في إمارة الشارقة
حاصلة على عدة جوائز منها :
جائزة الموظف المتميز في حكومة الشارقة عام 2005
جائزة الأداء المتميز من سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة المجلس الأعلى للأسرة عام 2005
جائزة الموظف المتميز في حكومة الشارقة عام 2007
جائزة المدير العام المتميز من قبل سعادة الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي رئيس مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية لعام 2009
مقدمة للعديد من الورش التدريبية