إن الإنجاز الملحوظ الذي حققه المجتمع الدولي في مجال حقوق الإنسان على الصعيدين التشريعي والمؤسساتي، لم يرافقه تحول حقيقي وشامل في واقع الشعوب، حيث بقيت الأوضاع الفعلية للأفراد والجماعات بعيدة عن مبادئ وقيم هذه الحقوق، في كثير من البلدان ومن الحالات.
وحتى يتسنى لأفراد المجتمع التمتع بحقوقهم وحرياتهم والقيام بواجباتهم تجاه الآخرين وتجاه المجتمع بصفة عامة، يتوجب العمل على نشر الوعي بتلك الحقوق، حتى يتسنى لهم التمتع بها من جهة، ويعلمون من جهة أخرى أنه لهم واجبات والتزامات مقابل لذلك. فالوعي بالحقوق والحريات يمنح الأفراد القدرة على حمايتها لفائدتهم ولفائدة الآخرين، ويكسب المجتمع حصانة ضد كل أشكال الانتهاكات والاعتداءات عليها، لأن المواطن عندما يكون متمتعاً بحقوقه تكون لديه قابلية للقيام بواجباته.
وتعد التربية على حقوق الإنسان أو المواطنة الوسيلة المثلى لنشر هذا الوعي في اتجاه تغيير عقول الأفراد وتصرفاتهم منذ التنشئة، لأن هذا النوع من التربية يسير في اتجاهين: التمتع بالحقوق والقيام بالواجبات، وأن أي اختلال في هذه العلاقة، يؤدي إلى انحرافات في المجتمع، سواء من قبل السلطات، أو من قبل الأفراد أنفسهم.
وقد حددت توصيات مؤتمر اليونسكو المنعقد عام 1974 مفهوم التربية على أساس أنها (مجموع عمليات الحياة الاجتماعية التي عن طريقها يتعلم الأفراد والجماعات داخل مجتمعاتهم الوطنية والدولية ولصالحها أن ينمو وبوعي منهم كافة قدراتهم الشخصية واتجاهاتهم واستعداداتهم ومعارفهم. وهذه العملية لا تقتصر على أي أنشطة بعينها).
وتشكل المدرسة النواة الرئيسية لتربية الإنسان وتعلمه كما أنها تساهم في تحديث الواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمع وإشاعة مفاهيم وقيم الحداثة. كما أن وعي المدرس وسلوكياته الثقافية والمعرفية، تمثل عاملاً رئيسياً في عملية التربية على حقوق الإنسان، لأن المعلم الناجح في مجال التربية هو ذاك الذي يمتلك القدرات والمعارف النظرية منها والتطبيقية وله القدرة على استعمالها لبلوغ الأهداف المرجوة.
فالمدرسة يجب أن تكون فضاء للتنشئة السليمة، والمشاركة الفاعلة، والممارسة الديمقراطية للمتعلمين من الناشئة، حيث يعرف الأطفال في المدرسة حقوقهم إزاء أنفسهم وإزاء الآخرين وينمو لديهم الشعور بالمسؤولية والميل إلى التسامح والاعتدال في المواقف وتسود بينهم روح الاحترام المتبادل ومشاعر المودة والسلام ومناهضة الميول الأنانية والعدوانية.
ومن هذا المنطلق، فإنه من بين الاعتبارات الكبرى للمدرسة داخل المجتمع تنشئة الأجيال على مفاهيم الاعتدال في نفوسهم وعقولهم، ونقض الفكر المتطرف والمتعصب والمنغلق، وإشاعة أدب قبول الاختلاف والحوار، التي ينبغي التركيز عليها في مناهج التعليم، وتصحيح كل المفاهيم والأفكار السلبية عبر غرس وترسيخ ثقافة قيم المواطنة في المقررات الدراسية.
وعلى هذا الأساس، ينبغي إعطاء أهمية بالغة وقصوى للمدرسة في سبيل إعطاء مفهوم المواطنة صورتها الحقيقية، المتجلية في تنمية قدرات الفرد / المتعلم المرتبطة بالمشاركة في الحياة العامة، وتنشئته تنشئة صحيحة، حتى يكون واعياً بحقوقه ومدركاً لواجباته، لتأهيله للمشاركة الفعلية والإيجابية في المجتمع. هذا مع العلم، أن للمدرسة دور بالغ الأهمية في تنشئة شخصية التلميذ من خلال استكمال دور الأسرة ومؤسسات المجتمع الأخرى في توجيهه وإكسابه القيم والمفاهيم الصحيحة.
ولا ننسى أن الحق في التعلم أقرته بعض المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ودساتير الدول وقوانينها وأنظمتها. فقد جاء في المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مايلي:
(لكل شخص الحق في التعلم، ويجب أن يكون التعليم في مراحله الأولى والأساسية على الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزامياً وينبغي أن يعمم التعليم الفني والمهني، وأن ييسر القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة.
يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملاً، وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية، وإلى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام.
للآباء الحق الأول في اختيار نوع تربية أولادهم).
ونصت المادة 26 من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، على التالي:
تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في التعليم، وتحقيقاً للإعمال الكامل لهذا الحق تدريجياً وعلى أساس تكافؤ الفرص، تقوم بوجه خاص بما يلي:
- جعل التعليم الابتدائي إلزامياً ومتاحاً مجاناً للجميع،
- تشجيع تطوير شتى أشكال التعليم الثانوي، سواء العام أو المهني، وتوفيرها وإتاحتها لجميع الأطفال، واتخاذ التدابير المناسبة مثل إدخال مجانية التعليم وتقديم المساعدة المالية عند الحاجة إليها،
- جعل التعليم العالي، بشتى الوسائل المناسبة، متاحاً للجميع على أساس القدرات.
ويعتبر الحق في التعلم حقاً أساسياً ومفتاحاً يمكن الأفراد من تنمية حقوقهم والقدرة على حمايتها بعد معرفتها والإيمان بها وبلوغ أعلى مستوى من الكرامة في علاقاتهم مع الآخرين، كما تؤسس عليه مبادئ وثقافة حقوق الانسان، لأن مجتمع غير متعلم تسوده الأمية قد يستوعب أفراده مفهوم الحق والحرية بشكل مخالف، مما يؤدي بهم إلى تجاهل الواجبات والمسؤوليات.
وعلى هذا الأساس، فإن دور المدرسة في ترسيخ ثقافة المواطنة ومحاربة فكر التطرف، يساهم أيضاً في التربية على القيم والمبادئ الأساسية التي تنظم العلاقات الإنسانية بين الأفراد. وهذا الهدف الأسمى لن يتحقق إلا من خلال مدرسين متشبعين بهذه القيم وبالأدوات والإمكانات والقدرات التي تتسق مع المتغيرات التي يشهدها العالم، وأيضاً لهم القدرة على إشاعة تلك القيم والمبادئ بشكل صحيح يساهم في بناء مجتمع تسوده قيم المساواة والكرامة والحرية والحوار والاحترام المتبادل، الأمر الذي يساعد على مناهضة كل أشكال العنف والعنصرية والتمييز والتطرف الفكري والديني في المجتمع، كما سيساعد ذلك أيضا على ترسيخ الولاء والانتماء والاعتزاز والافتخار بالوطن.
(*) خالد الشرقاوي السموني
أستاذ مشارك بجامعة محمد الخامس بالرباط
مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية
>الجنسية: المغرب
الشواهد الجامعية والدبلومات المحصل عليها
- دكتوراه في القانون العام
- ماجستر في العلوم الادارية
- إجازة في العلاقات الدولية
المؤهلات العلمية
- أستاذ مشارك بجامعة محمد الخامس بالرباط وفي عدة معاهد بالمغرب و مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية
- خبير لدى المعهد العربي للتخطيط
- خبير لدى المنظمة العالمية ISESCO
- خبير دولي معتمد لدى عدة شركات للتدريب والاستشارات
- عضوالجمعية الدولية للقانون الدستوري
- عضوشبكة المدربين العرب
- خبير في مجال صياغة مشاريع القوانين والعقود
- خبير في التدريب في مجال القانون والإدارة والمالية والتدبير
القدرات الفنية والإدارية
- خبرة وممارسة لأكثر من 14 سنة في مجال التدريب والتخطيط والإشراف والتنفيذ للعديد من برامج التطوير والتدريب الإداري
- خبرة في تصميم البرامج التدريبية وإعداد الحقائب
- التدريب والقيادة والإشراف على كثير من فرق العمل متنوعة الاختصاصات
- خبرة في تصميم وتقييم برامج قياس الاحتياجات التدريبية في بيئة العمل، ووضع البرامج التدريبية بناءً على تلك الاحتياجات وقياس الأثر التدريبي
- خبرة في تنشيط الاجتماعات والندوات وتنظيم المؤتمرات
أهم المداخلات التي ساهم بها في الندوات الوطنية والمؤتمرات الدولية والتي لها ارتباط بالتنمية الإدارية:
- التخطيط الاستراتيجي وأثره على التنمية الإدارية (المملكة العربية السعودية),
- الديمقراطية والإصلاح السياسي في الوطن العربي (قطر),
- مكافحة الفساد الإداري بالمغرب (المغرب ),
- معوقات الإصلاح الإداري في الوطن العربي (المغرب),
- الأساليب الحديثة في إدارة الموارد البشرية (مصر),
- التحكيم التجاري الدولي (فرنسا ـ باريس),
- المؤتمر العربي الأول حول الشراكة بين مؤسسات التعليم والتدريب المهني ومؤسسات سوق العمل (تونس),
- طرق النجاح لطلاب التعليم الجامعي (المغرب),