مواقع التواصل الاجتماعيّ، تلك السمة الأساسية لألفية هذا العصر؛ إنّها تمثّله وتبرز أقوى ملامحه، ذلك العصر الذي باتَ موشوماً بسرعة ايقاع الحياة العمليّة وبعُد كلٌ منا عن الآخر، وبالفراقْ والتجافي والتشتّت الأسري وكما يُقال شعرياً التنائي، دونَ التداني.
مواقع التواصل الاجتماعي على اختلاف وتنوّع مصادرها، يخشى الٍأكثرية زوالها ـ تلك النعمة التي وُجدَت في ظرْفٍ قاسٍ فرضته وتفرضهُ حياتنا والتزاماتنا وكل منا يعيش بمنأى عن الآخر ـ ناهيك عن توفيرها الصورة والصوت، ومدلولات الأمكنة ومواطن البقاعْ والرحلات لتُسجّل أخبارنا أولاً بأول؛ بصمة التواجد والتوقيع أينما ذهبنا، كنّا هنا.. وذهبنا هناك.. وليتكم كنتم معنا.
فبعد الهجرة والرحيل، تضيع بوصلةِ التواصل مع الأهل والأصدقاء، ونلجأ إلى مواقع التواصل الاجتماعي لتحديد وجهتها من جديد ونتداول الأخبار والروابط والفيديوات التي تنقل آخر الأحداث بلْ والسباق في سبيل نشرها أولا، أي بمعنى آخر ارشادنا إلى أهم الأحداث دون الحاجة للبحث والتفتيش، فرابط الخبر هناك، وما علينا سوى الضغط عليه. المواقع الاجتماعية، أصبحت هي صفحتنا اليوميّة التي نستدل من خلالها على أهم الأخبار والأحداث، سواء على الصعيد العائلي، الإجتماعي أو العملي، ووسيلة فعّالة لنشرِ وترويج أفكارنا وآرائنا وانتاجاتنا العلمية والأدبية، إسوةً بصفحات الترويج التجاريّة المختصة والإعلانات وشركات التسويق العالميّة.
ومن الجدير بالذكر انّ أكثر ما يجذب عامة النّاس إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي هو التعارف والدردشة وإضافة الأصدقاء والحصول على شعبيّة وشهرة بين المجتمع ومتابعة صفحاتِ المشاهير والمعروفين. أي بكلماتٍ اخرى، ممارسة دورٍ اجتماعيّ وبواقعٍ افتراضيّ ذاتيّ الصنع وبغياب الدور الحقيقي في التواصل العملي مع أفراد المجتمع. نضغطُ (لايك) حين تسرّنا المشاركة ونشركها مع أناس آخرين وتبدأ سلسلة التواصل التي تعكسُ رد فعل الأغلبيّة ونحن طرفُ فيها. وحتماً تكون أكثرية المسجلين هم من الشباب اللذين وجدوا في هذه المواقع ضالّتهم. الدردشة المرئيّة والصوتيّة هي هويّة الشاب والشابّة للتعارف والبحث عن أصدقاءْ قدامى، أو جُددْ. وفي الواقع، أغلبنا يحتفظُ بملفه وصورته الشخصية وأصدقاءه وأقرباءه ليتواصل معهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وليعرف أخبار الأصدقاء والأقرباءْ، وتفقدهِّم بعد الإنشغالِ أو التباعد مثلا، لتشكل واحةِ استراحة بعد رحلة مضنية. ولا يخفى عنّا كيف أن شجرة العائلة ترتسم بكافة تشعباتها بعد تسجيل الحساب، ويظهر في العائلة أفراد لمْ نكن حتى نعرف بوجودهم!
الكل ينشرْ ويعلق ويحمّل. كلٌّ حسب اختصاصه، هواياته، ما يحب أن يسمع، يرى ويتكلّم. وكلّ حسب مقيّدات مجتمعه، فبعض الفتيات يفضّلن عدم تحميل صورهنّ الشخصيّة كي لا تُستخدمْ ويشهّر بهنّ وبصورهنّ بين العائلة أو العشيرة. والبعض الآخر، يتمتعْن بحرية (مقيّدة) أو تامة، ويتفنّنَّ في تحميل ما لذّ وطاب من الصور والدعوات ويثرْن الانتباه بقصدِ توليد الغيرة لدى الأعداء، أو جذب الانتباه للإرتباط طالما أن العرض يُعد في مثل هذه الحالات، مشروعاً، ومواقع التواصل الإجتماعي أصبحت ظاهرة لإعلان خطوبة أو عقد قران أو زِفاف أو وفاة، لا سمح الله، حيث يكتفي الجميع بتعليق بدلَ الهاتف أو الحضور لبعد المسافة والهجرة.
ولكن ما يُدرج ضمن التدرج الشاذ في سُلّم الترابط الاجتماعي هذا هو ظاهرة الملفات الشخصيّة أو البروفايلات المزيّفة، حيث تعد نشاطاً اجتماعياً غامضاً، ومجهول الأهداف، وخاصة حين يتنكّر الفتى باسم وصورة فتاة، والفتاة بصورة واسم فتى لإضافة الأصدقاء من الجنسيْن كليهما أو للإيقاع بالآخر أو الإبتزاز، والتسجيل باسم مستعار وصورة رمزيّة، لنشر كل ما يجول بالخاطر دون قيْد أو شرط وخاصة فيما يتعلق بالقضايا الإباحيّة، أو التعبير عن الرأي السياسي بشكل متطرّف ودون إعطاء اي مدلول عن صاحب الرأي الحقيقي.
قضايا الإبتزاز والتهديد كثيرة ومتنوّعة. وللأسف هناك الكثير من العوائل عانوا وما زالوا يعانون من هذه الأمور، ويضطرّ رب العائلة أو الأم إلى تحريم التواصل الإجتماعي أو حذف الحساب لتلافي المشاكل المستقبليّة، وبعض الأحيان يلجأ الأهل إلى إلغاء الأنترنت، كلياً. وعلى الرغم من توفير مواقع التواصل الاجتماعي الخصوصيّة اللازمة لأصحاب الحسابات، بالإضافة إلى خدمات التبليغ عن الإساءة والحجب، إلا أن الوقوع في مصيدة الإبتزاز تبقى قائمة خاصة حين يشترك الهاتف النقال في تسجيل مكالمة أو الاحتفاظ برسائل خاصة أو تصوير ما هو مُخجل أو مضحك بحق الآخر.
إنّ النصيحةَ الأكثر رواجاً هي: (لاتقبل طلبْ صداقة من شخصٍ لا تعرفه، حتى تتحقّق من هوّيته)، وهو أمرٌ منطقي. ولكن، ما الذي يُثبتْ صحّة هوّية طالب الصداقة؟ فقد يكون الاسم واللقب والصورة مقنعين تماماً، ولكن الحقيقة غير ذلك، وتبقى مسألة التحقّق قيد التجربة والخطأ، وهنا تجدرُ الإشارة إلى ضرورة التبليغ عن الإساءة، أو حذف الأشخاص المشكوك بهم. وبالتالي، يكون الحدْ من هذه الظاهرة وتلافي مشاكلها، هو التوعية والتحذير وعدم قبول طلبات الصداقة المجهولة الهوية، رغم أن بعض المسجّلين يضطرّون لتغيير أسمائهم أو الاستعانة بصورة رمزيّة لأسباب خاصة، وبالتالي يكون التحقّق والسؤال عن صاحب الهوية أمر واجبْ، بل وضروري جدا لتجنّب اللجوء إلى أساليب قسريّة وحرمان المشتركين من التواصل مع أقرانهم وبالتالي، الشعور بالغبن وربّما، حصول مشاكل نفسية أخرى، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار التطوّر في وسائل الإتصالات والتواصل. ويُفترض أن لا يخفى عن أصحاب الأسر ضرورة المتابعة المستمرّة لحسابات أبنائهم ومعرفة أصدقائهم وبصورة غير مباشرة، لمنع أي مشكلة مستقبليّة قد تحدث، أو لتلافي مشكلة حقيقية، في طور التكوين!
بكالوريوس ترجمة – الجامعة المستنصرية – بغداد، العراق 1991
لها كتابات في العديد من المواقع الثقافية منها: مجلة عود الند الالكترونية، مركز النور الثقافي، كتابات، البابلية، وغيرها.