قال تعالى:
(والوالدات يرضعن أولادهن حولينِ كاملين لمن أراد أن يُتمَّ الرضاعة…) (البقرة 233)، وقبلها أدرك (البابليون) قوة وذكاء من ترضعه أمه، فخصصوا من يقوم بخدمة الأم حتى تتفرغ لهذه المهمة الكبيرة، وعند الحاجة، يعهدون بالرضاعة إلى امرأة قوية تتمتع بالذكاء والجمال لاعتقادهم أن هذه الصفات تنتقل إلى رضيعهم عبر الحليب. كذلك اهتم (الفراعنة) بالإرضاع الوالدي وجعلوه يمتد إلى ثلاث سنوات، وحظيت بعض المرضعات بالتكريم حتى بعد وفاتهن، كما حفلت المعابد الفرعونية برسوم الأمهات وهن يرضعن، وأشهر هذه الرسوم للألهة (إيزيس) وهي ترضع (حورس)، وغيرها.
أما اليوم، ورغم إجماع المؤسسات الحكومية والأهلية والأكاديمية والاجتماعية والدينية على ضرورة وأهمية الإرضاع الطبيعي، ورغم جهود القطاع الصحي والإعلامي لسنوات طويلة، تشهد معظم الدول العربية، وللأسف الشديد، انخفاضاً ملحوظاً في التزام الأمهات بالإرضاع الطبيعي، بل تهبط نسبة الإرضاع هذه في بعض البلدان إلى نحو 10 ـ 15%، الأمر الذي يؤدي إلى مضاعفات وخسائر كبيرة صحية واقتصادية تلحق بالطفل والأم والمجتمع في الحاضر والمستقبل.
وفي هذا الإطار نشرت مجلة (لانسيت Lancet) الصحية العالمية في نهاية شهر يناير / كانون الثاني 2016، سلسلة دراسات عن الإرضاع الطبيعي في العالم، ودعت هذه المجلة العريقة التي يعود عددها الأول إلى عام 1823، إلى تبني السياسات والممارسات التي من شأنها تعزيز الإرضاع الطبيعي في جميع أنحاء العالم، وقد أكدت هذه الدراسات أن الفوائد الكبيرة لذلك لا تقتصر على صحة الأم ورضيعها، بل إنه يحافظ سنوياً على حياة أكثر من 800 ألف طفل، ويضيف إلى الاقتصاد العالمي أكثر من 300 مليار دولار.
من أبرز معوقات الإرضاع الطبيعي المعلومات المضللة عن تأثير الإرضاع على جمال المرأة وقوامها، لا سيما في الكثير من مجتمعاتنا التي تجتاحها ثقافة الترف والاستهلاك والتبرج، والتي أصابت العديد من النساء فيها، كذلك وقوع الأمهات ضحية بعض إعلانات شركات الحليب الصناعي، بالإضافة إلى معوقات صحية محدودة لدى الأم تؤثر على صحتها وسلامتها، كما تحتاج بعض النساء العاملات للعودة إلى عملهن بعد الولادة الأمر الذي يتعذر معه الشروع في الإرضاع الطبيعي الحصري في الأشهر الست الأولى، والاستمرار بعد ذلك لمدة سنتين أو أكثر كما توصي منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة.
لا يختلف الباحثون على دور الإرضاع الطبيعي أو الوالدي، في بقاء الطفل ونموه، فقد بينت الأبحاث أن عناصر المناعة تنتقل إلى الرضيع، فتقيه عدداً من الأمراض ومضاعفاتها، وهو كذلك ضروري لنمو الطفل المبكر وتطوره الروحي الحركي، كما أنه يمكن الرضيع من مستقبل مشرق، لأنه وكما أفادت الأبحاث يزيد معدل الذكاء، الذي يتجلى بأداء أفضل في مجال التحصيل الدراسي والإنتاجية بشكل عام. أما بالنسبة للأم، فقد أثبتت الدراسات أن الإرضاع الوالدي يقلل من مخاطر سرطان الثدي، والمبيض، بالإضافة إلى أنه يزيد من استمتاعها بعاطفة الأمومة التي تقوي صحتها النفسية والجسدية.
حقاً، (إن أقوى مشاعر العاطفة تسري وتنمو في جسد ونفس الأم عندما ترضع طفلها)، فهل يمكن أن تدير الأم ظهرها إلى وليدها وتمتنع عن إرضاعه؟، وهل يمكن أن تدير ظهرها إلى أصوات علماء الصحة والنفس والتربية؟، وإلى ما أجمعت عليه الأديان والعادات والتقاليد؟، وما دأبت عليه أمهاتنا وجداتنا؟… أسئلة لا نقبل إلا إجابة واحدة عليها!!..
طبيب بشري حائز على شهادة الماجستير في طب الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها، والبورد السوري، بالإضافة إلى الدراسات العليا من جامعة برمنجهام في المملكة المتحدةBirmingham, UK، وهو من الناشطين في المجتمع المدني العربي والدولي، له إسهامات طبية وثقافية وإنسانية عديدة، إلى جانب الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية.
له عدة إصدارات في مجال الإعاقة السمعية، والبصرية، كما نشر المئات من المقالات والأبحاث في الصحة، والإعاقة، والعمل الإنساني والحقوقي وجوانب ثقافية متعددة.
شارك في تأسيس وإدارة وعضوية (الهيئة الفلسطينية للمعوقين)، (الرابطة السورية للمعلوماتية الطبية)، (الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم)، اللجنة العلمية لنقابة أطباء دمشق، وهيئة تحرير (المجلة الطبية العربي)، ولجنة الإعاقة بولاية كارولينا الشمالية للسلامة العامة، قسم إدارة الطوارئ، وعضو جمعية نقص السمع في منطقة ويك، ولاية كارولينا الشمالية، وعضو لجنة العضوية في تحالف الأطباء الأمريكي، ومستشار مؤقت لمنظمة الصحة العالمية إقليم المتوسط في القاهرة للمؤتمر الإقليمي (أفضل الممارسات في خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص المعوقين)، القاهرة، مصر (نوفمبر 2007)، كما شارك في كتاب (مواضيع الشيخوخة والإعاقة)، منظور عالمي، إصدار لجنة الأمم المتحدة غير الحكومية للشيخوخة، نيويورك 2009.
(http://www.ngocoa-ny.org/issues-of-ageing-and-disabi.html)
وقد حاز الدكتور غسان شحرور خلال مسيرته على:
- درع الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم، 2000.
- جائزة الإمارات العالمية التي يرعاها الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعمل الطبي الإنساني عام 2002.
- درع الأولمبياد الخاص، بمناسبة تشكيل الأولمبياد الخاص الإقليمي، 1993.
- براءات التقدير والشكر من منظمات الإعاقة والتأهيل في مصر، الإمارات، قطر، تونس، والكويت وغيرها.
- منظم ومدرب (مهارات التقديم المتطورة للعاملين الصحيين والأطباء)، رابطة المعلوماتية 2006.
- جائزة نجم الأمل العالمية، للإنجازات في مجال الإعاقة، مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة اتفاقية أوتاوا، كارتاجنا، كولومبيا 32 ديسمبر / كانون الأول 2009.
- أختير ضمن رواد المعلوماتية الطبية في العالم وفق موسوعة (ليكسيكون) الدولية 2015،
Biographical Lexicon of Medical Informatics ،
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4584086/