قال بعض أهل العلم: إن القُنوع قد يكون بمعنى الرضا، والقانع بمعنى الراضي،. وسمِّيت قناعةً؛ لأنه يقبل على الشيء الذي له راضيًا ولديه قناعة به، (الصحاح تاج اللغة، للجوهري ـ 3/ 1273(، (مقاييس اللغة، لابن فارس ـ 5 /32)، (لسان العرب؛ لابن منظور ـ 8/298).
وقناعاتنا تنبع من أخلاق وشيمنا، فمعظم قناعاتنا أكتسبناها في مرحلة الطفولة ومن خلال التربية الاجتماعية والثقافة البيئية والخبرات الحياتية، وتكمن أهمية القناعات في حياتنا بتأثيرها على نظرتنا لأنفسنا وللآخرين؛ فإما أن تكون أفكاراً وقناعات داعمة ميسِّرة لحياتنا فهي أفكار إيجابية، أو تكون مقيِّدة ومحبِطة فهي أفكار سلبية، ولا يقتصر تأثير القناعات على عواطفنا وأفعالنا, بل تؤثر على أجسامنا أيضاً؛ فإن قناعات المريض هي التي تُحدث أكبر الأثر في حالته الصحية.
وعليه؛ فإنّ كل القناعات مكتسَبة في حياتنا اكتساباً، ولذلك يمكن إعادة تقييمها وتطويرها وتغييرها، بدليل قوله تعالى: (إن الله لا يُغيرُ ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسِهم) سورة الرعد (11)، فالتغيير يبدأ من الداخل؛ ذلك أنّ القناعات تنشأ في الوعي وتتخزن في اللاوعي.
لذا أعتقد ليس المحيط ولا الأحداث التي تكتنف حياتنا هي السبب لما يحصل للإنسان من قناعات.. بل المعنى الذي نعطيه لهذه الأحداث ـ كيف نفسرها ونفهمها ـ هو الذي يشكل من نحن الآن وماذ سنصبح عليه غداً؟. فالقناعات هي التي تقرر ما إن كنا سنعيش حياة تتسم بالبهجة أم البوسء والدمار، والقناعات هي التي تفصل بين عالم شهير وموظف بسيط … القناعات هي التي تدفع البعض لأن يصبح ابطالاً ونابغين ومتميزين بينما ينتهج آخرون حياة تتسم باليأس والقنوط..
وقناعاتنا هي بمثابتة القوة الدافعة التي تحدد لنا ما الذي يؤدي بنا إلى الألم وما الذي يؤدي بنا إلى السعادة. وما أن يحدث لنا شيء في حياتنا حتى يتبادر إلى أذهاننا سؤالين:
1) هل يعني هذا ألماً أم سعادة ؟
2) ماذا يتوجب علينا أن نفعل الآن لتجنب الألم أو لتحصيل السعادة؟
الجواب على هذين السؤالين مبنى على قناعاتنا، قناعاتنا تقودها التعميمات عما تعلمنا أنه قد يؤدي بنا إلى الألم والسعادة. وهذه التعميمات هي التي توجه جميع أفعالنا، وبالتالي اتجاه ونوعية حياتنا. ويمكن للتعميمات أن تكون مفيدة وهادفة، فهي في الحقيقة تحديد لهوية وطبيعة أنماط حياتنا .
وهذا يدل على أن قناعاتنا نابعة من إحساسنا باليقين، ومثال ذلك لن نكون قادرين على مغادرة البيت وقيادة السيارة واستخدام الهاتف أو القيام بعشرات الأشياء والمهام التي نقوم بها كل يوم بدون التعميمات التي تنبع من القناعات وتتسم باليقين وهي التي تسهل مسار حياتنا وتسمح لنا بالقيام بالوظائف والمهام المطلوبة منا.
وأحيانا قد تحد القناعات من إمكانياتنا، ومثال ذلك عند يخفق أحدنا في متابعة مشاريع متعددة في حياته، فتنشأ لديه قناعة أنه لا يمتلك الكفاءة المطلوبة لقيادة هذه المشاريع، وما أن يتوصل إلى هذه القناعة حتى تصبح متأصلة في فكره، فقد تقول لنفسك: لماذا أحاول مجرد محاولة ما دمت لن أتابع ذلك؟ أو ربما تكون قد أتخذت قرارات سيئة فيما يتعلق بعملك أو علاقاتك وفسرت ذلك على انك: ستخرب ” على نفسك بنفسك دائما. أو ربما لم تتفوق وترتقي في وظيفتك بالسرعة التي تظن ان بقية زملائك قد ترقوا بيها، وبدلا من أن تفكر في استراتيجيتك في التطوير من كفاءتك تختلف عن استراتيجيتهم فقد تتوصل إلى قناعة بانك تعاني ” إعاقة وظيفية أو تعليمية أو تطويرية أو فكرية ” وعلى مستوى آخر آليس التمييز الذي تعتقده إنما هو بسبب تعميمات لقناعاتك!!!..
وعليه نرى ان القناعات قوة تؤدي إلى الإبداع أو التميز. فلدى بني البشر القدرة المريعة على أخذ أي تجربة تمر في حياتهم ليجعلوا لها معنى يمكن ان يشلهم أو معنى آخر يستطيع أن ينقذ حياتهم. قد يحمل بعضهم الألم الذي عانوا منه في الماضي ويقولون لأنفسهم ” نظراً لما عانيته من الألم سأساعد الآخرين ” وبما أنني عانيت فلن أدع الآخرين يعانون ” ليست هذه القناعة شيئا أرادوا الإيمان به، بل إن تبني هذا النمط من القناعات هو ضرورة بالنسبة لهم لكي يحافظوا على تماسكهم ويتجردوا لكي يعشوا حياة تمنحهم قوة، ولكل منا قدرة على ابتداع معان تمنحنا قوة. غير أن معظمنا لا يستخدم هذه القدرة وقد لا يدرك حتى مجرد وجودها. فإن لم نتبن الإيمان بأن هنالك سببا لمآسي الحياة التي يمكن تفسيرها فإننا نبدأ بتدمير قدرتنا على الحياة الحقيقة، ولكن إن استطعت ان تنمي لديك الإحساس باليقين التام الذي توفره القناعات القوية فسيصبح بإمكانك ان تحمل نفسك على تحقيق أي إنجاز تقريباً، حتى تلك الإنجازات التي يعتقد الآخرون اعتقاداً جازما بانها غير قابلة للتحقيق على الإطلاق. وقال بشر بن الحارث في ذلك:
أفادتنا القناعة أي عز…… ولا عز أعز من القناعه
فخذ منها لنفسك رأس مالٍ… وصير بعدها التقوى بضاعه
ولقد نجح الكثيرون ممن حققوا مكانة مرموقة على الرغم من أنهم كانوا قد واجهوا مشاكل وحواجز وتحديات عديدة، والفرق بينهم وبين أولئك الذين استسلموا إنما يكمن في قناعاتهم ما هو دائم، وما هو غير دائم من مشاكلهم. فمن يتمكنون من إنجاز نجاحات نادراً ما يفكرون أن مشكلة ما يجابهونها هي مشكلة دائمة، بينما أولئك الذي يخفقون إلى أي مشكلة مهما كانت صغيرة على أنها أمر دائما. إذ أنك حين تتوصل إلى القناعة بأنك مهما فعلت لتغيير مجرى أمر ما فلن تنجح، حيث أن كل ما فعلته حتى الآن لم ينجح تغييره..
لذا فإن الفارق بين الفائزين والخاسرين،و بين المتفائلين والمتشائمين، والناجحين والفاشلين هو قناعاتهم حول شمولية المشاكل. فالشخص الذي يحقق إنجازات موموقة لا ينظر إلى أي مشكلة على أنها شاملة، أي أن المشكلة بالذات تتحكم في حياته برمتها، بل ينظر إليها على أنها عابرة، وإنها مجرد تحدٍ بسيطٍ يتعلق بالنمط الذي اتبع في عمل هذا الأمر، ولا يقول إطلاقاً مشكلة، ويعمل على تحديها وتجاوزها،اما المتشائمون فإنهم يعتقدون أنهم ما داموا قد اخفقوا في موضع ما فهم فاشلون، فإن واجهوا تحديات فإنهم يعتقدون بأن حياتهم كلها قد دمرت.
وفي مثل هذا الأمر أفضل ما يمكن لك أن تفعله لكي تتتقن ما تفعله في أي منحى من مناحي حياتك هو أن ترفع من مستوى قناعاتك بحيث تصل إلى درجة العقيدة، تذكر أن للعقيدة قوة تدفعك للقيام بعمل لتجاوز كل أنواع العقبات، وقد تفلح القناعات في تحقيق ذلك، غير ان بعض مناحي حياتك قد تتطلب الشدة العاطفية للعقائد، ووصولك إلى درجة العقيدة مثلا بألا تسمح لنفسك بان تظل دائما على درجتك الوظيفية وتسعى بان ترتقي سيجبرك ذلك على السعي في التطوير من كفاءتك وىدائك وبذلك تتبوء المكانة المرموقة في عملك، وأيضا مثلا آخر وهو بألا تسمح لوزنك بأن يتجاوز الحدود سيجبرك على إتباع نمط حياة صحي باستمرار، وبذلك توفر لنفسك متعة أكبر في حياتك بل وقد تنقذ نفسك من الإصابة بإمراض وخيمة، كما أن اعتقادك الراسخ بانك شخص ذكي تستطيع دائما ان تتوصل إلى السبيل المناسب لتحويل الأمور لصالحك، وقد يساعدك على تجاوز أقسى الفترات التي تمر بها حياتك، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وجدت القناعة ثوب الغنى… فصرت بأذيالها أتمسك
القراء الكرام لنتذكر أن مفتاح النجاح هو تنمية الشعور بالثقة وتأكيد القناعات التي تسمح لك بأن تتوسع كشخص وأن تقوم بالعمل اللازم لكي تجعل حياتك وحياة من يحيطون بك أكثر سعادة، قد تعتقد ان كل شيئا صحيح الآن، غير أن عليك وعلي أن نتذكر أننا ننمو بمرور السنين ونتعرض لتجارب جديدة، وقد تكسب قناعات تمنحنا قوة أكبر نتخلى عن أمور كنا نشعر أنها مؤكدة من قبل. المهم في الأمر هو فيما إذا كانت قناعاتك التي تحملها الآن تمنحك القوة أم تسلبك القوة، ابدأ من هذا اليوم باكتساب عادة التركيز على النتائج الناجمة عن قناعاتك، فهل هي تعزز من قواعدك بحثك على التحرك في إتجاه لتحقيق ما ترغب فيه، أم هي تكبح جماحك وتجرك إلى الخلف؟ وقيل في ذلك:
هي القناعة لا ترضى بها بدلا… فيها النعيم وفيها راحة البدن
قرر في نفسك بأن لا تقبل أقل من أفضل ما أنت قادر على إنجازه، هل تريد حقا أن تتحكم بحيث تحقق الحلم الذي تطمح في تحقيقه لا أن تحطم أحلامك؟؟ تعلم أن تختار القناعات التي تعزز قوتك، ابتدع عقائدجازمة تقودك بإتجاه المصير الذي يستدعي في داخلك. إن عائلتك وعملك ومجتمعك وبلدك لا يستحق أقل من ذلك
وقيل في الأثر (ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه إلا أن يتزود منهما معاً فإن الأولى مطية للثانية ).
وختاماً قناعاتنا شفاء وبلسم لنجاحاتنا ؛ شفاء من داء الهموم والأحزان، شفاء من الفشل والعجز، شفاء من الكراهية والحسد. وبلسم للنجاح في الحياة، وحب الخير والإحسان، و الطريق للسعادة والفلاح في الحياة.
فيا من تريد الحياة الطيبة الهادئة المطمئنة؛ عليك بالقناعات الإيجابية والهادفة. قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97]،
- مسؤول التخطيط والمتابعة، والمشرف العام لبرنامج العلاج بالموسيقى ، والمشرف للفريق البحثي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ، ورئيس رابطة التوعية البيئية في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حتى الآن
- حاصلة على بكالوريوس من جامعة بيروت العربية ، وعلى العديد من الدبلومات المهنية والتخصصية العربية الدولية في مجالات التخطيط والجودة والتميز والتقييم والتدريب
- اختصاصي في التخطيط الاستراتيجي والاستشراف في المستقبل – LMG – جنيف ، سويسرا
- مدرب دولي معتمد من الأكاديمية البريطانية للموارد البشرية والمركز العالمي الكندي للتدريب وجامعة مانشستر وبوستن
- خبير الحوكمة والتطوير المؤسسي المتعمد من كلية الإدارة الدولية المتقدمة IMNC بهولندا
- مقيم ومحكم دولي معتمد من المؤسسة الأوربية للجودة EFQM، عضوة مقيمة ومحكم في العديد من الجوائز المحلية والعربية والدولية خبيرة في إعداد تقارير الاستدامة وفق المبادرة العالمية للتقارير – GRI
- مدقق رئيسي في الجودة الإدارية أيزو 9100 IRCA السجل الدولي للمدققين المعتمدين من معهد الجودة المعتمد بلندن – CQI
- أعددت مجموعة من البحوث و الدراسات منها ما حاز على جوائز وقدم في مؤتمرات
- كاتبة و لديها العديد من المقالات المنشورة في الصحف و المجلات وبعض الإصدارات
- قدمت ونفذت العديد من البرامج والمشاريع والمبادرات الهادفة والتطوعية والمستدامة لحينه
- حاصلة على العديد من الجوائز على المستوى المحلي والعربي منها : جائزة الشارقة للعمل التطوعي ، جائزة خليفة التربوية ، الموظف المتميز ، جائزة أفضل مقال في معرض الشارقة الدولي للكتاب
- حاصلة على العديد من شهادات الشكر والتقدير على التميز في الأداء والكفاءة.
- شاركت في تقديم العديد من البرامج التدريبية في مختلف المجالات الإدارية والجودة والتميز
- عضوة في العديد من الهيئات و المنظمات التربوية والتدريبية والجودة والتميز والتطوعية داخل وخارج الدولة