لا يخفى على أحد أن تجربة أول حمل هي بمثابة رحلة إلى المجهول بالنسبة للأم التي تغزوها كثير من المشاعر والتوقعات والتساؤلات بخصوص هذا الكائن الصغير وتلك المسؤولية الجليلة والمهمة الصعبة التي تنتطرها عندما تضع وليدها.
تلجأ معظم الأمهات إلى سبر الكتب العديدة التي تتناول موضوعات عن التربية وعن أنجع الطرق في تنشئة الطفل، وتتحرى كل معلومة في هذا المجال بسبب إدراكها لحساسية مهمتها كأم وكمربية وكمسؤولة عن مخلوق آخر أوكل إليها، فترى معظم الحوامل يمضين فترة الحمل في الاستعداد النفسي والجسدي والعاطفي لاستقبال المولود الجديد والتعامل معه منذ لحظات عمره الأولى.
ومع موجات الفرح العارمة التي تنتاب الأم عندما تلقي النظرة الأولى على هذا المخلوق الصغير بعد ولادته، فإن عظمة المهمة تلقي بظلالها عليها فهذا الطفل قد وضع مستقبله بين يديها وألقى بمهمة تربيته على عاتقها وحمّلها واحدة من أكثر المهام صعوبة على الإطلاق، فترى الأسئلة تتدافع تترى في ذهن كل أم، متى أعلمه هذا؟ متى أنهاه عن هذا؟ متى أزجره ومتى أشجعه؟ ومتى ومتى…؟
يشارك الأب الأم هذه التساؤلات، فتكاد لا تخلو أسرة من هذا القلق الحميد إزاء التربية الجسدية والعقلية والروحية لأطفالها، وعلى أهمية المحاور الثلاثة فإن التربية الروحية تحتل المكانة الأولى، والآباء في سعي مستمر لتقوية الروابط بين أبنائهم وبين خالقهم ويتبعون في سبيل ذلك طرائق شتى، وقد تكون بعض الطرق عشوائية غير مدروسة وتقليدية بمعنى أن ما نقله الأجداد للآباء ينقله الآباء للأبناء وأحيانا تعتمد الأسرة على عوامل خارجية لتقوية الناحية الروحية لدى الأطفال بإيداعهم مدارس تتمتع بتلك الصبغة الدينية ليلقي الأهل الحمل بثقله على كاهل المدرسة.
إلا أن ما لا يدركه معظم الآباء هو أن نقل التعاليم الروحية والعلوم الدينية هو أمر يختلف تماماً عن بناء الروح، بمعنى آخر فإن الأولاد لابد أن تبنى لديهم رؤية واضحة طويلة الأمد تصب فيها كل هذه العلوم والتعاليم كي تقع في مواقعها الصحيحة ضمن تلك الرؤية.
هذا البناء يبدأ بطرح أهم سؤال عندما ينضج الأبناء: من أنت؟ كيف ستوظف طاقاتك في الاتجاه الصحيح؟ ما هو السبيل لجعلك قادراً على حب الآخرين وخدمتهم دون النظر إلى خلفيتهم المعرفية والروحية؟
مما يدعو للخيبة أن بناء هذه الرؤية طويلة الأمد قد غابت عن الكثيرين فقد انصب الاهتمام في معظم الحالات على الرؤى قصيرة الأمد والتي تخدم طموح الأسر في أبنائها دون الأخذ بالاعتبار ترتيب ما هو المهم وما هو الأهم.
ومما يعطل بناء هذه الرؤية هو القيام بنقل العلوم الروحية والتعاليم الدينية بمعزل عن التفاعل المباشر مع المحيط فتغدو التعاليم مثاليات بعيدة عن التطبيق المنطقي وتغيب عن الطفل عندما يصبح بالغاً أولويات وبديهيات التواصل مع الآخرين فقد يصبح عالم زمانه إلا أنه لا يشعر بأقرب الناس إليه، فصغائر الأمور هي التي تجعل من شخص ما عظيماً في بعض الأحيان، وهذه التفاعلات مع المحيط تقدمها الرؤية الشاملة التي نتحدث عنها ونعود مرة أخرى للسؤال الأول كيف نبني تلك الرؤية وبالتالي كيف نبني الروح بناء صحيحاً؟
- التقليد: وهي لعبة الصغار المفضلة وبالتالي فإن الأمثلة الحية اليومية التي يقدمها الآباء هي خير معلم قولاً وفعلاً. فالتزام الأب بقوانين السير أمام أولاده حتى في غياب الرقيب هو تعليم عملي على الانضباط، والتزام الأم الصدق أمام أبنائها قولاً وفعلاً هو تعليم عملي على الصدق، وأداء الدين في وقته والخوف من تأخيرة يزرع لدى الأطفال مسؤولية حقوق الآخرين واحترامها. إن تحري القيام بهذه الأمور علناً وبصدق أمام الأولاد لهو خير معلم لهم فالأب والأم هما النموذج والمثل الأعلى للطفل في أولى مراحل حياته فما يقولانه ويفعلانه هو قدس الأقداس في عيني وضمير الطفل.
- تعليم الأطفال كيف ينشئوا علاقات صحية مع الآخرين: لا بد أن يتجنب الآباء غرس أي نوع من أنواع مشاعر الكراهية مهما كانت المبررات في نفس الطفل سواء بالكلام المباشر أو عن طريق مراقبة الطفل لتصرفات وكلام أبويه تجاه أي إنسان أو مجموعة أو عقيدة لأننا بذلك نعطي الطفل رأياً مسبقاً ومسبوكاً ومقولباً يعتمد على فورة عاطفية ولا يعتمد على أسس منطقية نقدية وبالتالي نولد لديه كرهاً غير مبرر لأشخاص بعينهم بدل أن نعلمه أن يربط النقد بالفعل ذاته وليس بالأشخاص.
- المقاصد: يمكن اعتبار المقاصد هي اللبنات التي تبنى عليها الروح وتصنع منها الرؤية طويلة الأمد فالمقصد من كل علم وفعل سيعطي للفعل أو للعلم القيمة المطلوبة. وبالتالي من مهمة الآباء الربط الصحيح بين كل ما يتلقاه الطفل وبين الهدف والغاية منه فعندها بدل من أن تصبح العلوم علوماً مجردة تصبح أدوات لتحقيق أهداف كبيرة وبدل من أن تصبح الأفعال أو العبادات عادات يومية جوفاء تدب فيها الروح وتصبح ذات مغزى واضح.
- تعميم الرؤية: لا بد لتكوين رؤية واضحة لدى الطفل محققة لهدفها الإنساني الشامل لكل الناس أن تخرج من إطار خصوصية الدين إلى عمومية الإنسانية بمعنى أنه لا بد أن نعلم الطفل كيف أن هدفه في كل فعل وقول وعمل هو الإنسان المجرد لأن الإنسان بعمومه يستحق أن يكون موضوع مساعدة دون النظر إلى انتمائه.
- تحديد اتجاه الرؤية: كما نبني الطرق السريعة ببداية ونهاية معروفة ومسار واضح كذلك نبني الروح ونحدد رؤية الطفل عندما نطلعه على الطريق.. أين هو وما هو السبيل للوصول إليه.
- تفعيل طاقات الطفل: لا بد أن نحث الطفل على تفعيل طاقاته ونضع بين يديه الأدوات التي تساعد على ذلك ولا بد من توجيهه ليكون عنصراً مؤثراً إيجابياً في هذه الحياة وألا يكون عابر سبيل لا ناقة له ولا جمل فيما يدور حوله.
مع أهمية كل ما ذكر فإننا نقف وجهاً لوجه أمام حقيقة مهمة وهي أن فاقد الشيء لا يعطيه، فلكي ننشئ جيلاً جلي الرؤية، واضح الهدف، يعرف تماماً ماذا يريد، سليم الروح، قوي الجسد، غزير الفكرة، سهل العبرة، رقيق المشاعر، مؤثر في المجتمع وفي الإنسانية لابد للآباء أن يكون لديهم هذا الزخم المطلوب وبالتالي بناء الذات لدى الآباء ووضوح الرؤية لديهم وسلامة الروح والجسد والعقل يجعلهم مؤهلين لإنشاء جيل بتلك الصفات ولهذا فإن اللحظات الأولى لارتباط شخصين، واللحظات الأولى لحمل الأم، هي إنذار للآباء باستدراك ما فاتهم والعمل على البناء الذاتي والاستعداد لتولي مهام هذه المسؤولية العظيمة.
إجازة في الصيدلة.
كاتبة ومؤلفة .
الكتب المنشورة:
- سلسلة الكلمات المتقاطعة – دار الفكر للطباعة والنشر – دمشق ، سوريا –1997
- دليل الأم في الإرضاع من الثدي – دار الفكر للطباعة والنشر – دمشق ، سوريا –2002
- التعابير العامية الدارجة في اللغة الإنكليزية (الأميركية)-دار الفكر للطباعة والنشر-دمشق-سوريا-2005
- هكذا نقيد الأجيال-دار الفكر للطباعة والنشر-دمشق-سوريا-2010
- أوراق خريفية – دار الفكر للطباعة والنشر- دمشق- سوريا- 2013
- المشاركة في كتابة نص مسرحية بعنوان “وين ندق المسمار” ، عرضت في ثلاث ولايات أميركية أوهايو – تكساس – ولوس أنجلوس –
من المقالات التي نشرت لها:
- مقالة “الرحم.. أول مدرسة في التاريخ” مجلة الراشد العدد الثاني والعشرون، تاريخ نيسان 2003.–دبي ، الإمارات العربية المتحدة .
- مقالة “غريبان تحت سقف واحد” – مجلة مودة ، العدد 26 كانون أول 2003– أبو ظبي ، الإمارات العربية المتحدة
- مقالة “الطفل في المطبخ عود ثقاب متحرك”- مجلة راشد، العدد 24 ديسمبر 2003
- مداخلة تحليلية لتحقيق بعنوان ” نساء يصرخن: لا للوظيفة نعم للبيت- مجلة زهرة الخليج، العدد1334 تشرين أول 2004
- مقالة ” دور الفرد في خلق التوازن النفسي الأسري- مجلة المجتمع العدد الرابع، أغسطس 2004
- ملف التسالي في مجلة أنت – قطر
- ملف التسالي في مجلة ولدي – الكويت
- للروح نصيب – مجلة المنال الإلكترونية – العدد مايو 2019 – الشارقة – الإمارات
- من هي المرأة الجميلة حقا؟ – مجلة المنال الإلكترونية – العدد ابريل 2019 – الشارقة -الإمارات العربية المتحدة.
- ملف التسالي في مجلة مرامي
- مسؤولة سابقة عن ملف التسالي لعدة مجلات إماراتية: الجزيرة الرياضية – همسات- مودة- راشد
- البوصلة الإنسانية ما بعد كورونا – مجلة المنال الإلكترونية – العدد ديسمبر 2020
- مهن السراء والضراء – مجلة المنال الإلكترونية – العدد مارس 2021
- الأشخاص ذوو الإعاقة وسوق العمل- مجلة المنال الإلكترونية- العدد مايو , 2022
شهادات تقدير وانجازات:
- مصنفة ضمن أدباء وأديبات القرن العشرين في سوريا ” أدب الأطفال وأدبائهم في سورية بالقرن العشرين ” – دار شهرزاد للنشر – دكتور مهيار الملوحي – دمشق – سوريا – 2004
- مؤسسة ورئيسة سابقة لرابطة الفنانات المسلمات والتي أدرجت في بحث أكاديمي بعنوان:
Muslim Women Visual Artists’ Online Organizations: A Study of IMAN and MWIA
رابط البحث
- شهادة تقدير من مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
المقابلات الإعلامية :
- مقابلة صحفية مع صحيفة أوكلاند برس الأميركية في ولاية ميتشيغان بقلم هوزيه هواريز – كانون أول – 1997
- مقابلة صحفية مع صحيفة أوكلاند برس الأميركية في ولاية ميتشيغان بعنوان “للزوجين ، الإسلام هو الحياة” بقلم دوج بومان -كانون أول – 1997
- مقابلة في جريدة خليج تايمز (Khaliij times) – “Authoring Success Stories”- By Anu Prabhakar, Published: Fri 8 May 2009 https://www.khaleejtimes.com/article/authoring-success-stories
أعمال إضافية :
- إعداد 240 ساعة إذاعية لبرنامج “راديو إي أو إف” . على محطة WNZK 680 AM في ولاية ميتشيغان الأميركية 1998-1999.