إعداد : المشرف التربوي / محمد عبد المنعم قشطة
متلازمة المحتال (Impostor syndrome)؛ استخدم هذا المصطلح لأول مرة من قبل “بولين كلاوس” و “سوزان إيمس” في مقال لهما تم نشره عام 1978 م. كان الاعتقاد فيما مضى أن هذه المتلازمة تتعرض لها النساء فقط، ولكن أكد الباحثون فيما بعد أن متلازمة المحتال ممكن أن يتعرض لها أي شخص مهما كان جنسه وعمله.
وفي أواخر سبعينيات القرن الماضي، وضع عالما نفس أميركيان “متلازمة المحتال” في إطارها النظري، لكن هذه الظاهرة لم تُعتبر مرضاً. وتقول المعالجة النفسية والمستشارة في الوقاية من الأمراض النفسية والاجتماعية آن- فرانسواز شابيرون إن “هذه المتلازمة لا تندرج في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية”.
وتشير شابيرون إلى أن “هذه المتلازمة تعني أشخاصاً كثيرين على الرغم من عدم إدراجها في الدليل، وتمثل أرضاً خصبة للاحتراق النفسي المهني”، لافتة إلى أنها “مدرجة بشكل غير مباشر كجزء من اضطرابات القلق تحت مصطلح ’قلق على الأداء‘”.
وتوضح أن هذه الظاهرة تعني خصوصاً أشخاصاً يتمتعون بـ”قيمة مهنية كبيرة”، ولدى غالبيتهم مؤهلات علمية تفوق المطلوب في وظيفتهم، مضيفة “يقومون بما يُسمى في علم النفس بـ’إسنادات خارجية‘، أي لا يُرجعون نجاحهم إلى مؤهلاتهم بل إلى الحظ أو مصادفات التوقيت، ما يعني أنهم غير قادرين على استثمار الثقة بأنفسهم”.
ويشير استطلاع أجرته شركة “يوغوف” في ديسمبر (كانون الأول) لصالح مجلة “مانجمنت” الفرنسية إلى أن “الظاهرة منتشرة على نطاق واسع، إذ تعاني منها 54 في المئة من النساء مقابل 45 في المئة من الرجال، فيما يصل المعدل إلى 62 في المئة لدى المديرين”.
ووفقاً لما أوردته دورية “إنترناشيونال جورنال أوف بيهافيورال ساينس” العلمية المعنية بالسلوك، فإن أكثر من 70 في المئة من العاملين في مرحلة ما من حياتهم فكروا في أنهم غير جديرين بما يحققونه ضمن مجالاتهم المهنية.
ما هي متلازمة المحتال؟
متلازمة المحتال هي سلسلة من الأفكار والمشاعر السلبية التي تعكس عدم تقدير الشخص لقدراته وجهوده مما يجعله يعتقد أن نجاحه كان عن طريق الصدفة والحظ وسيفضح أمره لا محالة. إذا كنت ذلك الشخص الذي يشك في نجاحه وإنجازاته ويشعر بأنه لا يستحق ما وصل إليه وكأنه شخص مخادع احتال على الجميع حتى استطاع الوصول وتحقيق النجاح. وذلك بالرغم من أن الحقيقة والواقع تثبت أنك شخص كفؤ وناجح فأنت تعاني من هذه المتلازمة بالتأكيد.
متلازمة المحتال تجعلك عالقاً في دوامة من الشك والقلق والخوف فلا تفرح بنجاحك وما حققته. بل تعيق طريقك نحو تحقيق المزيد من النجاح والإنجازات.
بعد أبحاث كثيرة، تم تحديد 5 أنواع من الشخصيات تكون أكثر عرضة لهذه الظاهرة :
الكمالي
الشخص الذي لا يقدر أي عمل يقوم به إلا إذا كان في منتهى الكمال والمثالية، فيصبح عقله شديد الحساسية تجاه العيوب والأخطاء مهما كانت صغيرة فيهمل نقاط القوة الكثيرة لديه وينكر العمل الجاد والمتميز الذي قام به. الأمر الذي يشعره بالفشل وعدم الكفاءة المطلوبة لهذا العمل.
الرجل الخارق – المرأة الخارقة
يعتقد بأنه يجب أن يكون ناجحًا ومتميزًا في كل ما يقوم به في حياته، شعوره بعدم الكفاءة والاستحقاق يدفعه للقيام بجهود مضاعفة لتحقيق الأفضل في كل مجالات حياته ولكن ذلك قد يكون على حساب صحته النفسية والجسدية.
العبقري
لديه اعتقاد بأن أي عمل يضطر فيه لبذل جهد إضافي يعني أنه غير جدير بهذه المهمة مما يجعله يشعر بأنه دون المستوى المطلوب فاعتقاده أن المهام يجب أن تنجز بسهولة دائمًا يجعله يشعر بأنه شخص غير كفؤ. كما أن لديه سقف توقعات عالٍ جدًا مما يصيبه بخيبة الأمل عند عدم تحقيقه للتوقعات العالية والأهداف الكبيرة التي يضعها لنفسه.
المنفرد
يشعر بأن طلب المساعدة دليل ضعف وعدم كفاءة وربما فشل كبير أيضًا لذلك يرفض المساعدة ويسعى لإنجاز المهام بمفرده وتحقيق الإنجازات بشكل مستقل وإلا فإنه سيكون محتالًا مخادعًا في حال قبوله العون وبعض الدعم والمساندة.
الخبير
يعتقد الشخص الخبير أنه يجب أن يكون ملمًا بشكل كامل بكل جوانب مهمته دون أن يعترض طريقه أي شيء غير مفهوم ولو كان صغيرًا وإلا فبالتأكيد هو يحتال ويخدع الناس لذلك يلازمه شعور بأنه لا يزال بحاجة لمزيد من الخبرة والتعلم رغم امتلاكه مهارة جيدة جدًا وخبرة كافية ولكنه يقضي وقتًا إضافياً في حضور المزيد من الدورات التدريبية والدراسة مما قد يؤخر تقدمه.
أسباب متلازمة المحتال
هناك مجموعة أسباب مختلفة بعضها يعتبر جذر مشكلة متلازمة المحتال وبعضها يعد عاملًا يزيد من احتمالية تعرض الشخص لهذه المتلازمة ونذكر منها:
الطفولة والأسرة والتربية
إن نشأت في أسرة حيث كان أهلك لا يقدرون إنجازاتك مهما كانت كبيرة، وربما كانت تتم مقارنتك مع أحد إخوتك أو أقاربك. هذا الإهمال الكبير من قبل الأهل والعائلة، يجعل الشخص يشعر بالحاجة الشديدة للحصول على رضا الأهل وتقديرهم، فيسعى إلى تحقيق المزيد حتى يستحق تقديرهم له
سمات الشخصية
من أهم سمات الشخصية التي تزيد من احتمال تعرض الشخص لمتلازمة المحتال هي النزعة للكمال، وتعني أن الشخص يريد أن يكون كل شي صحيح تمامًا ومثالي. ودائمًا ما يكون لديه شعور بأنه يجب أن يعمل أكثر ويتقن المزيد من المهارات حتى يصبح عمله كاملاً وصحيحًا وذلك بالرغم من أن عمله في حقيقة الأمر يكون ممتازاً جدًا ولكنه لا يدرك ذلك.
العرق والجنس
اعتقاد الشخص بأن هناك تحيز تجاه جنس المرأة أو العرق الأسود مثلاً أو لنقل تجاه الفئة التي تعتبر أقل تواجدًا ونجاحًا في مجال ما، يدفع به للشعور بالاحتيال وأنه ليس في المكان المناسب وكأنه أخذ مكان شخص آخر يستحقه أكثر. وكما ذكرنا هذه المتلازمة ليست خاصة بالنساء فقط لكن النساء هن أكثر من الرجال معاناة من هذه المتلازمة.
انتقال إلى مرحلة جديدة أو وضع جديد في حياتك
عند الحصول على منصب جديد في الوظيفة أو بدء الدراسة الجامعية بعد انتهاء المرحلة الثانوية هذا يحفز متلازمة المحتال للظهور بسبب شعور الشخص بعدم قدرته على التعامل مع الوضع الجديد
أعراض متلازمة المحتال
هناك مجموعة من الأعراض التي يمكن اعتبارها كوسيلة لتشخيص هذه المتلازمة وهي:
- الشعور بأن الآخرين مخدوعون بك ولا يرونك كما ترى نفسك في الحقيقة
- الإحساس بالشك والخوف من أنه سيتم اكتشاف حقيقة عدم كفاءتك يومًا ما
- القلق والتوتر خوفًا من أن تخيب ظن الآخرين بك وكذلك لديك حساسية زائدة للنقد
- المبالغة في اللوم والتأنيب لنفسك في حال ارتكبت أي خطأ مهما كان صغيرًا، فوقوعك في الخطأ يؤكد لك عدم جدارتك
- عدم تقدير جهودك المبذولة في عملك الناجح وتظن أن ما حققته كان بالصدفة أو ضربة حظ ليس إلا
- نظرتك للمديح المقدم لك على أنه مجاملة أو حتى تعاطف مزيف وشفقة
أضرار متلازمة المحتال
- إعاقة التقدم في تحقيق المزيد من النجاحات وهذا بسبب اعتقاد الشخص أن الآخرين ينتظرون منه أكثر مما هو قادر عليه مما يجعله يتراجع فلا يقدم على خطوات أو أهداف جديدة
- القلق المزمن والضغط والتوتر الكبير وربما الوصول إلى الاكتئاب فالسعي لتعويض الشعور بنقص الذكاء يعرض الشخص لضغط كبير يؤذي صحته النفسية
- المزيد من تراجع الثقة بالنفس والخوف الشديد من الفشل أو ارتكاب الأخطاء
علاج متلازمة المحتال
الشعور وكأنك محتال لن يختفي بين ليلة وضحاها ولكن التعامل معه ليس بالأمر المستحيل إذ يمكنك تطبيق الحلول التالية كعلاج لمتلازمة المحتال:
أحبط هذا “الفخ العقلي “وضع قائمة بنجاحاتك وتحديد المهارات التي أفضت إلى هذه النجاحات.
الوعي ومراقبة الأفكار والمشاعر
الخطوة الأولى نحو الحل هي الوعي والإدراك لهذه المتلازمة ثم الاعتراف بها وعدم إنكارها.
إن الكثير من المشاكل النفسية يمكن حلها بمجرد الوعي بها وإدراكها في كل مرة تشعر بأنك تخدع الآخرين توقف واسأل نفسك ما الفائدة من هذه الأفكار؟ هل تنفعني أم تعيق تقدمي؟ فلتكن فخورًا بنجاحك وممتنًا لما تحققه بدلاً من الخوف والشك بقدراتك.
راجع معتقداتك
- اجلس مع نفسك واكتشف ماهي معتقداتك وأفكارك عن نفسك وعن مفهوم الكفاءة بالنسبة إليك ثم أعد تبني معتقدات إيجابية تخدمك.
- من حقك طلب العون والمساعدة.
- ليس من الضروري أن تعرف إجابات وحلول كل شيء.
- الخطأ أمر عادي، من حقك أن تخطأ وتتعلم من أخطائك.
- الفشل رفيق النجاح، اجعل من فشلك دافعًا أقوى للاستمرار وليس للإحباط.
- الكمال والمثالية المطلقة أمران مستحيلان
لا تكبت مشاعرك وشاركها
تحدث مع صديق أو قريب ولا تستهن بهذا الحل، أحيانًا مجرد الحديث مع شخص آخر موثوق يعطيك تقييمًا أكثر واقعية لجهدك وإنجازك مما يساعدك على التحرر من متلازمة المحتال.
كافئ نفسك وقدرها
كن لطيفًا مع نفسك وقيم نفسك بشكل عادل فمن غير العادل أن يقارن الشخص سلبياته مع إيجابيات الآخرين، اقرأ أكثر عن احترام الذات وتقديرها واجعل مكافأة نفسك عادة من عاداتك تقوم بها بعد أي إنجاز مهما كنت تراه لا يستحق
هل من الممكن أن يكون هناك فوائد لمتلازمة المحتال؟
رغم أن إصابتك بالمتلازمة النفسية المعروفة باسم “متلازمة المحتال” قد تهز ثقتك بنفسك، فإن شعورك نتيجة لذلك، بأنك غير جدير بشكل كافٍ بالوظيفة التي تشغلها، ربما يمنحك ميزة تتفوق بها على زملائك وأقرانك، ممن يشعرون بثقة أكبر في قدراتهم.
لكنك قد تستطيع أن تحول متلازمة المحتال لصالحك بدل أن تسمح لها أن توقفك وتثني عزيمتك اجعلها دافعًا للتعلم أكثر والإنجاز. ربما يمكننا اعتبار الاتقان في العمل وتحري الدقة من تأثيرات متلازمة المحتال التي يمكن اعتبارها إيجابية بالإضافة لعدم الوقوع في شرك الغرور والتكبر وقد يكون هذا مفيدًا جداً وخصوصًا في علاقاتك الاجتماعية
يمكن إجراء هذا الاختبار البسيط المكون من 20 سؤال كمؤشر أولي حول الإصابة بمتلازمة المحتال وهو مقياس كلانس لظاهرة المحتال Clance Impostor Phenomenon Test –
http://impostortest.nickol.as/ رابط المقياس
الجدير بالذكر أن هذه الظاهرة هي العكس تماماً لتأثير دانينغ -كروجر dunning kruger effect . وفيها يكون الشخص قليل الخبرة واثقاً جداً من نفسه ولديه قناعة أنه خبير و لديه قدرات مميزة، الأمر الذي لا تؤكده الحقيقة.
المراجع
- Journal of Multicultural Counselling and Development
- https://health.clevelandclinic.org/a-psychologist-explains-how-to-deal-with-imposter-syndrome/
- https://tamersalah.com/imposter-syndrome
- American psychological association
محمد عبد المنعم قشطة
الجنسية: مصري
الإقامة: الشارقة – الإمارات العربية المتحدة
هاتف: 056 – 2855575
- بكالوريوس خدمة اجتماعية بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية كفر الشيخ بمصر 2006.
- الدبلوم المهني في رعاية الفئات الخاصة جامعة كفر الشيخ بمصر 2008.
- دبلوم صعوبات التعلم بجامعة عين شمس طنطا مصر 2016.
- أخصائي اجتماعي سابقاً بوزارة التربية والتعليم بمصر لمدة سنتين.
- معلم تربية خاصة بمركز الشارقة للتوحد بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية (من 2010 إلى 2018).
- مشرف تربوي بفرع مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية بالذيد (من 2018 حتى الآن).
- المشاركة في لجنة تقييم مسابقة التقنيات المساندة ATEDOCOM وحضور تدريب عملي في كوريا الجنوبية حول التقنيات المساندة.