في البداية وقبل أن أغوص في موضوعي لا بد أن أعرّف الجميع ما هو التوحُّد، فقد يلتبس العنوان على الكثيرين لأنني ـ وبصراحة ـ كل يوم أكتشف أناساً في مجتمعنا لا يعرفون ما هو التوحد أو ما هي إعاقة التوحد، لذلك لا بد أن أذكر تعريفاً بسيطاً لهذه الإعاقة الغامضة.
التوحد هو خلل وظيفي يصيب المخ، ولم يتوصل العلم بعد لمعرفة سبب الإصابة به وهو من أصعب الإعاقات التطورية التي تصيب الطفل والتي تظهر في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل.
ومن أعراض الإصابة بالتوحد: القصور والتأخر في التفاعل الاجتماعي والنمو الإدراكي والتواصل وضعف الاهتمامات والتخيل، ويعتبر ثالث إعاقة تطورية في نسبة الإصابة، ويعتبر من الاضطرابات السلوكية وخصوصاً الاضطرابات الانفعالية التي يصاحبها سوء التوافق بين الأفراد الذين يصابون به.
وحديثي هنا عن مرحلة مهمة وحرجة لأطفال التوحد وهي مرحلة البلوغ، وفي هذه المرحلة تظهر بوادر المشقة في كيفية التعامل مع المتغيرات التي تصاحب هذه المرحلة وهي ظاهرة تحتاج منا إلى نوع من التعامل المختلف عما كانوا يعاملون به في مرحلة الطفولة. ففي مرحلة البلوغ أو المراهقة تظهر عليهم مظاهر تحتاج منا إلى فهمها وكيفية التعامل معها بجدية وفهم عميقين.
ومن أهم ما يظهر على التوحديين في مرحلة البلوغ: الاستقلالية، وزيادة الإدراك، غريزة الجنس. وهذه المظاهر تصاحب أطفال التوحد عندما يصلون إلى سن المراهقة والبلوغ.
وخلال مرحلة البلوغ يبدأ الطفل في نمو سريع حيث تظهر تغيرات بدنية تتمثل في طول القامة وظهور السمات الجنسية الثانوية، ويتم البلوغ خلال المرحلة العمرية من 10 سنوات إلى 14 سنة، وهناك بعض الدراسات القليلة عن أفراد التوحد. ففي عام 1979 وجد “ديمبر” أن المراهقين من أفراد التوحد لم تكن لديهم دافعية لممارسة الجنس، وأنه كانت هناك مشكلات جنسية بين مجموعة من الأفراد البالغين المصابين بالتوحد. وأوضح “ديمبر” أن 63% من أفراد التوحد كانوا يمارسون الاستمناء، وأن 60% من هذه المجموعة كانوا يمارسون العادة السرية بصفة مستمرة وأحياناً كل الوقت.
وبصفة عامة تبين أن أفراد التوحد لديهم دافعية جنسية ويعبرون عن إشباعها (بالاستمناء الفردي) بوسيلة مشابهة أكبر من المراهقين.
وفيما يتعلق بالعلاقات الجنسية مع الجنس الآخر فإن أفراد التوحد يختلفون عن الأفراد العاديين، إذ إن هناك قلة نادرة منهم لديهم خبرات في هذا الشأن، حيث أن الكثير من أفراد التوحد خلال فترة المراهقة يبقون منهمكين في ذواتهم، ومن ثم فإنهم يعزفون عن إيجاد علاقات اجتماعية للنمو الاجتماعي عن الجنسين بين أفراد التوحد.
وأظهرت تجارب الآباء والأمهات مع أبنائهم التوحديين في هذه المرحلة أنهم ليس لديهم الاستطاعة في ضبط أبنائهم في هذه المرحلة، وهنا تبدأ المعاناة في كيفية ضبطه لأنه أصبح رجلاً ولديه رغبات وانفعالات جديدة لم تكن لديه في السابق.
وأيضاً في كيفية تقبل المجتمع لهذا الوضع الجديد الذي يمر به التوحدي والذي يحرج أهله خصوصاً عندما تظهر عليه علامات البلوغ والغريزة الجنسية وهل سيضبط نفسه أو يستطيع والداه ضبطه.
والأهالي لديهم معلومات محدودة عن هذه المرحلة الحرجة وهو ما يجعلهم تائهين، ولذلك فأنا أقول: إن تجارب الآخرين من الآباء الذين تعدى أبناؤهم هذه المرحلة الحرجة مع أبنائهم وبناتهم تفيدنا كاختصاصيين في عرضها على الآباء المقبل أبناؤهم على البلوغ، وقد نبدأ معهم من سن التاسعة وهذا يسهل علينا تفادي أشياء كثيرة. كذلك لا بد من توجيه المعلمين والمعلمات لهذه المرحلة الحرجة وكيفية شغل الطفل التوحدي فيما يجعله ينشغل عن أي شيء يصدر منه غير متوقع، وذلك بشغله بأنشطة متتابعة تجعله لا يفكر في أي رغبة أخرى أو تصرف غير جيد. ونحن ما زلنا نحتاج إلى مناهج تعليمية خاصة ومعلمين مؤهلين للتعامل مع هذه المرحلة الحرجة بطرق سليمة وعلمية.
وفي ختام حديثي هذا أوجه بعض التوصيات لي ولأسر التوحديين ولمعلمي التوحد بأن نتعامل مع الأطفال التوحديين في هذه المرحلة بأشياء مهمة منها: شغل الطفل في أشياء مفيدة لإخراج طاقته الداخلية في شيء مفيد يعود عليه بالفائدة وبخاصة في الأعمال المهنية.
أيضاً توجيه أفراد الأسرة (الأب والأم والإخوة) مهم جداً لكيفية التعامل مع الوضع الجديد لطفلهم التوحدي ومتابعته من سن العاشرة حتى الرابعة عشرة لحدوث تغيرات فسيولوجية داخلية في الجسم تؤثر تأثيراً عكسياً على تصرفاته الخارجية، وبمتابعته المستمرة نستطيع تفادي هذه التغيرات بما له فائدة عليه وعلى من حوله.
والأهم من ذلك ألا نقف حائرين في هذه المرحلة ونبرر وقوفنا بعدم وجود حل لمشكلة أبنائنا التوحديين!!
لا بد أن نبحث دائماً عن الحلول ومنها استشارة الاختصاصيين في هذا المجال وطرق جميع الأبواب والتعرف على الدراسات الجديدة لكيفية التعامل مع السلوكيات المصاحبة لمرحلة البلوغ التي تحتاج إلى تدخل مبكر يبدأ من سن العاشرة ويستمر حتى الرابعة عشرة على الأقل… أيضاً المعلمون يجب أن يبحثوا عن طرق جديدة للتعامل مع الطلاب التوحديين في هذه المرحلة.
رسالة حب…
نهديها لمن حمل رسالة ولاء وإخلاص لأطفال التوحد…
نهديها لمن تعامل معهم بروح الحب والوفاء…
رسالة حب لمن أعطاهم من وقته وجهده وبذل ما بوسعه لهم… فسيعطيه الله أكثر مما أعطاهم من وقته… فهم يستحقون منا كل الولاء والحب والعطاء… نحن معكم يا أطفال التوحد… وبكم دائماً نسعى لنسعدكم…
(*) مضاوي العتيبي
اختصاصية اجتماعية
مركز والدة الأمير فيصل بن فهد للتوحد