بعيدًا عن مستوى خبرات مدرسي الصم والنظم التعليمية التى تتبعها مؤسساتهم التعليمية في وطننا العربي..
فإن مشكلة تعليم الصم تكمن في عنصرين رئيسيين..
العنصر الأول وهو أن اللغة العربية في أصلها لغة سماعية..
ومن ثم فإن تعليم من بدأوا تدخلهم المبكر بأسلوب التخاطب والنطق وقراءة الشفاه ككل متكامل واستكملوا ذلك بالدمج في فصول التعليم العام بين السامعين وبجهود لا ننكرها من أمهاتهم غالبًا هم من يصلوا إلى مرحلة التعليم المتميز ويجيدون قراءة وكتابة اللغة العربية بل والتحدث بها مثلنا تماما.. وبالطبع فإن من فقدوا السمع في سن متقدمة نسبيا وبخاصة بعد الالتحاق بالتعليم العام لسنوات ما.. هم الأقدر نسبيا على استكمال تعلم اللغة العربية بطلاقة بل والوصول إلى مؤهلات عالية لأنهم بدأوا التعامل مع اللغة في أصلها المتمثل في كونها لغة سماعية..
أما العنصر الثانى فيتمثل في لغة الإشارة التي يتعامل بها الصم..
فلغة الإشارة لغة وصفية مرئية لا تقرأ ولا تكتب وهي تختلف تماما عن طبيعة اللغة العربية كما أن لغة الإشارة لا تبدأ بفعل على الإطلاق إلا في فعل الأمر، بينما اللغة العربية ما بين جملة إسمية وفعلية كذلك لا توجد في لغة الإشارة الروابط بين الكلمات والحروف الزائدة مثل حروف العطف وال التعريف بل إن الضمائر في لغة الإشارة غالبا ما يعبر عنها الصم من خلال إتجاهات المفردة الإشارية فتغيير إتجاه حركة الإشارة لكلمة ما يدمج بها الضمير تلقائيا.. وغيرها الكثير من الاختلافات بين اللغتين..
ومن ثم نصل هنا إلى حقيقة أن تعليم الصم الذين تعتبر لغة الإشارة هي لغتهم الأولى تماما فإن الصعوبة فيها تتمثل في طريقة واستراتيجية التدريس المتبعة: هل تحقق السيطرة على هذا التناقض بين اللغتين: اللغة العربية ولغة الإشارة؟؟
بالنظر إلى الاستراتيجيات المتبعة في تدريس الصم ممن تمثل لغة الإشارة بالنسبة لهم لغتهم الأولى والأساسية والوحيدة فإننا نجدها تتنوع بين العديد من الاستراتيجيات التى يعلمها غالبية العاملين في المجال متمثلة في:
- التخاطب وقراءة الشفاه
-
لغة الإشارة وما تتضمنه من الهجاء الأصبعي
والأسلوبان كليهما هما أساليب تواصل وليست منهجية أو استراتيجية أو طريقة للتدريس.. وبالطبع لا تحل أبدا مشكلة التناقض بين اللغتين العربية والإشارية ومن ثم يخرج الأصم من هذا الأسلوب في التدريس لا يعى حقيقة مفردات اللغة العربية ويكون ضعيفا تماما فيها.. وتجاربنا على المستوى العربى تؤكد ذلك..
-
التواصل الكلي
وهو بحق دمج ما بين الطريقتين ودعونا نتحدث صراحة.. أعتبرها التربويون الحل الأمثل لتدريس اللغة العربية للصم.. ولكنها بالفعل ليست سوى دمج لأسلوبي تواصل معا وليست طريقة أو استراتيجية مقننة للوصول باللغة العربية وخباياها إلى الصم..
-
طريقة ثنائي اللغة ثنائي الثقافة
وبالرغم من كونها أحدث الوسائل التى تغنى بها الغرب في تدريس الصم بل وسار على نهجهم الباحثون في استراتيجيات تدريس الصم.. إلا إنها بالفعل لم تصل أيضا بتعليم الصم إلى النموذج الأمثل الذى نحلم به.. بل لا زالت هناك أوجه قصور في الوصول بخبايا اللغة العربية إلى الصم من خلال هذه الطريقة..
نعاني للأسف من الاختلاف بين العاملين في المجال ممن يمارسون مهنة التدريس داخل فصول الصم والذين يقابلون تلك الصعوبات الجمة في تعليم اللغة العربية للصم، وبين الأكاديميين من الباحثين وأساتذة الجامعة ممن يتعاملون مع الجانب النظري في طرق تدريس الصم من خلال رسائل الماجستير والدكتوراه.. ولم يحقق فيهم باحث أو أستاذ نتيجة فعالة وحقيقية في تعليم الصم الذين تمثل لغة الإشارة بالنسبة لهم لغة أولى وأساسية بأن يتم الوصول بهم إلى تعلم اللغة العربية والتواصل بها تماما مثلنا..
-
طريقة التعلم المرئي باللغة المرئية VL2
هذه الطريقة تسمى Visual Learning – Visual Language ولذا سميت (VL2) وهذه الطريقة تعتمد على تدريس الصورة المرئية من اللغة العربية متمثلة في اللغة المكتوبة على الورقة وليست اللغة المنطوقة على الشفاه، هى طريقة تهدف إلى تعليم اللغة العربية للصم بصورتيها المكتوبة والمنطوقة ولكنها تعتمد في الأساس على الصورة المكتوبة لأنها هى الصورة المرئية والواضحة تماما أمام أعين الصم.. هذه الطريقة تعتمد على جانب الصرف والاشتقاق في اللغة العربية ومن ثم فهي تحقق مع الأصم إدراك البنية الحقيقية للغة العربية المكتوبة وتمنع التداخل واللبس في المعنى بين الكلمات القريبة في الشكل عند كتابتها والقريبة في المعنى من ناحية المرادفات وتحقق وضوحاً حقيقىاً للصم في تعلم اللغة العربية.. ولي تجربة شخصية في إعداد منهج بهذا الأسلوب لتعليم الصم سيجد طريقه بإذن الله قريبا..
يجب أن نؤكد أن اختلاف الصم فيما بينهم من حيث الفروق الفردية في كافة سمات الشخصية وأسلوب التواصل تجعلنا دوما نصل بهم إلى التعليم المنشود من خلال الخلط والمزج بين أساليب التواصل المختلفة..
ولكن…
ما يضعنا دوما في تخبط في تدريس الصم أننا نريد التركيز على أسلوب التواصل دون التركيز على استراتيجية وطريقة التدريس والتى تعني أسلوب الوصول بالمعلومة الحقة والدقيقة والكاملة إلى الصم سواء في تدريس اللغة العربية بمفرداتها وقواعدها واشتقاقاتها أو في تدريس العلوم المختلفة مع الوضع في الاعتبار أنه يتم تدريس أية مادة دراسية.. أيضاً.. بمفردات اللغة العربية…
استشعر أن هناك إنطلاقة ما سوف تتحقق من خلال شراكة بين الصم أنفسهم أصحاب لغة الإشارة التى تمثل لغتهم الأولى والأساسية وبين مدرسيهم الذين يبحثون ويكدون من أجل الوصول معهم وبهم إلى رؤية واضحة وحقيقية للتدريس لهم…
وأكرر كلمة نهائية لأساتذة التربية.. إن منهجا فقيرًا في المحتوى وغنيًا في طريقة تدريسه أفضل بكثير من منهج غني في المحتوى وفقير في طريقة تدريسه… فالمسؤولية الأكبر تقع على مدرس الفصل لا على النظم ولا السياسات التعليمية ولا حتى على المناهج التربوية…
وجمعية أصداء هي جمعية أهلية تأسست بالإسكندرية عام 2000 لرعاية المعاقين سمعيا والارتقاء بمجتمع الصم في كافة جوانب الحياة بهدف إعلاء قيمتهم الإنسانية وليتواصلوا مع مجتمعهم ويندمجوا فيه.
وتهدف الجمعية إلى:
- إنشاء أكاديمية تعليمية لخدمة مجتمع الصم داخل الإسكندرية بصفة خاصة ومصر بصفة عامة.
- المساهمة في تعليم وإيجاد فرص عمل مناسبة لمجتمع الصم عن طريق الارتقاء بهم تعليميا
- .إنشاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مجال تكنولوجيا المعلومات ICT بهدف زيادة فرص العمل لمجتمع الصم.
- تنفيذ مشروعات تكنولوجية تساهم في النهوض بمجتمع الصم مثل: استخدام المكالمات المرئية كوسيلة اتصال بدلا من الصوت.
- إنشاء موقع الكتروني لتعليم لغة الإشارة باستخدام تكنولوجيا التعلم الالكتروني.
لم يستطع مؤسس الجمعية أن يدرك خلال سنوات طفولته الأولى الحكمة وراء أنه ولد بأذن صماء، ذلك الجزء الذي ورثه عن أمه الصماء والذي كان سببا في إنشاء جمعية أصداء لارتقاء بالصم وضعاف السمع .
“أنا تعبان نفسيا، مش قادر أعيش من غيرها” قالها سامى جميل (53 سنة), وقد اغرورقت عيناه بالدموع، خاصة أنها توفيت منذ سنوات قليلة، وكان أكثر أبنائها تعلقا بها لدرجة أنه لم يحتمل أن يعيش بعيدا عنها بعد زواجه، ربما يكون السبب وراء ذلك يكمن في شعوره الدائم بأنه يحمل جزءا منها.
“ابن الخرسة” تلك الجملة التى ألقتها إحدى السيدات في وجهه أثناء إحدى المشاجرات وكأنها سبة، فكر فيها كثيرا وتأمل معناها وقرر أن يحولها إلى مصدر للفخر ليعلنها على الملأ “أنا ابن الخرسة”.
شكل صمم والدته كل خطوة في طريق حياته حيث التحق بكلية الزراعة ودرس في قسم الوراثة ليتعرف بدقة على إمكانية أن يرث أبناؤه الصمم عنه أو عن جدتهم ودفعه خوفه من إنجاب أطفال صم إلى الابتعاد عن زواج الأقارب فتزوج من امرأة من خارج العائلة.
وبعد تخرجه، قرر الانضمام إلى إحدى الجمعيات الأهلية التي تهتم بشؤون الصم ليتمكن من مساعدتهم بكافة الطرق، وكانت المساعدات تقتصر على استخراج بطاقة شخصية أو تقديم إعانات أو مساعدات مالية بينما كان طموحه يتعدى ذلك بمراحل حيث كان يتمنى أن يخترق مجال تعليم الصم ليطوره (الأصم يقضى 14 سنة في مدارس الصم ويتخرج “بصمجي”),.
قرر سامي إنشاء جمعية أصداء للارتقاء بالصم وضعاف السمع ، والتى نجح في تأسيسها بأموال الصم أنفسهم وبدأ التفكير في تطوير تعليم الصم ومحو أميتهم من خلال مشروع لتأهيل مدرسين لمحو أمية الصم في اللغة العربية، مهمة شاقة ما بين تدريب المدرسين على لغة الإشارة وتدريبهم على المنهج الجديد الذى يتم تدريسه بالتعاون مع الهيئة العامة لتعليم الكبار. ولم يكتف بذلك حيث قرر أن يعلم الصم الحاسب الآلي من خلال إعداد منهج خاص لتعليم الكمبيوتر للصم باستخدام لغة الإشارة.
ونجح في إلحاق مجموعة من الشباب الصم بمنحة وزارة الاتصالات للحصول على الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي ICDL بمنهج مبتكر بلغة الإشارة واجتياز الاختبارات باللغة الإنجليزية.
كان سامي يتمنى أن يشارك في العديد من المسابقات على المستوى الدولي، إلا أنه كان يسأل على استحياء إذا كانت هناك إمكانية في اشتراك الصم في مثل هذه المسابقات، إلا أنه قرر أن يخوض المغامرة ويشارك في عدد من المسابقات الدولية للروبوت، والتى قرر أن يعد أطفال الجمعية قبلها بفترة كافية ليندهش من النتيجة، حيث حصل شباب الجمعية على المركز الثالث في مسابقة الروبوت التى نظمت على مستوى مصر ليشاركوا بعدها في المسابقة العربية للروبوت في الأردن والمسابقة الآسيوية للروبوت في اليابان.. بل وحصلوا على المركز الأول بمصر بين السامعين ليمثل فريق الصم مصرًا بالمسابقة الدولية للروبوت بالولايات المتحدة الأمريكية محققين المركز الأول لكأس أحس مشروع إبداعى للروبوت وكأس أحسن تدريب وإشراف على بين كافة دول العالم وبعدها توالت المشاركات الناجحة بأستراليا وأندونيسيا .. وغيرها.
وصل سامي جميل بأبناء الجمعية من الصم إلى أكثر مما كان يحلم إلا أن جعبة أحلامه لم تفرغ بعد حتى بعد أن حصل ثمانية من أبناء الجمعية على منحة فولبرايت الأمريكية والتي تمنح الصم فرصة لدراسة التسويق وتصميم المواقع وإدارة الشركات السياحية والتبريد والتفصيل في إحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية حيث إلتحقوا بدورة في اللغة الانجليزية لمدة 8 شهور وساتفروا بعدها وقضوا عامين بجامعة أوهلونى بالولايات المتحدة وحصلوا على المنحة الدراسية.
الجدير بالذكر أن نجاحات الصم بمسابقات الروبوت دفعت بالاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بإلحاق أربعة من الصم وضعا فالسمع المتميزين للدراسة بها بمنحة دراسية كاملة تقديرًا لتميزهم في مجال تصميم وبرمجة الروبوت .
كما أن أكاديمية سيسكو للشبكات والنظم بادرت بتأسيس أكاديمية أصداء – سيسكو للشبكات والنظم لإتاحة الفرصة للصم للحصول على شهادات سيسكو الدولية بهدف تخريج مهندسين شبكات من الصم وضعاف السمع أنفسهم ليسيروا على طريق النجاح.
ويخطط سامى لإنشاء المعهد العالي للصم في مجال الحاسب الآلي والفنون التطبيقية والمحاسبة المالية والسياحة والفنادق بعد عودة أبناء الجمعية من الخارج ليكونوا النواة الأولى التيتبنى عليها أساسات المعهد.
حصل سامي على عضوية مؤسسة أشوكا العالمية باعتباره مبدعا اجتماعيا لارتقائه بالصم وإكسابهم مهارات التعايش والتواصل والاستقلال الاقتصادي والثقة بالنفس، إلا أن سعادته بأبنائه من الصم تفوق أي شعور آخر حيث أصبح فخورًا بهم وأن الجمعية تحولت إلى بيت العائلة لكل الصم.
سيرة ذاتية دونتها: يمنى مختار