هناك منا من له ذاكرة بصرية وهي ذاكرة قوية لما يراه ويعشق الأشكال والمرئيات وغالبا ما يكون هذا الشخص متميزاً في مادة العلوم وبخاصة مادة الأحياء (البيولوجى).. وهناك من له ذاكرة سماعية ويميلون غالبا إلى المواد الأدبية باعتبار أن أساسها اللغة العربية التى هي في ذاتها لغة سماعية.. وهكذا..
ونحن نعلم اللغة العربية للصم من جانبها السماعي ونسعى لأن يستقبلوها هكذا (أؤكد على أننا نتحدث عن الصم الذين تمثل لغة الإشارة هي لغتهم الأولى والأساسية) بالرغم من أن ذاكرتهم القوية بالضرورة هي ذاكرتهم البصرية بطبيعة الحاسة التى يعتمدون عليها في تواصلهم وهي حاسة البصر للغتهم (لغة الإشارة) المرئية.
ومن ثم فإنه يجب في اختيار استراتيجية التدريس التى تتناسب مع الصم التى تعتمد على الذاكرة البصرية وليس الذاكرة السماعية.. وأؤكد بأنه لا يجب أن ندعي أننا نكتب لهم اللغة العربية على الكراسة أو السبورة ومن ثم نعرض لهم اللغة العربية مكتوبة والتي تعتمد على الذاكرة البصرية.. لأننا ننقل هذه اللغة – اللغة العربية – للصم في صورتها المقروءة (السماعية) ونضع الاختلافات بين المفردات والمترادفات في صورتها السماعية من خلال التشكيل وما شابه.. ومن ثم فإن هذا الأسلوب في التدريس هو الذى نطغى فيه بأن نستحضر الذاكرة السماعية لدى الأصم.. وأين هي في ظل إعاقته السمعية!!
وأعود لطرق واستراتيجيات التدريس.. إن طريقة التعلم المرئي باللغة المرئية VL2 هي الطريقة التى أعتمدت تماما على حاسة البصر ومن ثم فهي تركز تماما على الذاكرة البصرية دون الذاكرة السماعية على الإطلاق.. بل إنها تدعم النطق وحركة الشفاه لدى الصم أحيانا في نطق مفردات اللغة العربية دون أن تتجه إلى حاسة السمع لدى الصم.. سواء في عرض اللغة العربية من خلال لغة الإشارة.. أو في تفسير الصورة المكتوبة (المرئية) للغة العربية أمام أعين الصم.. وما ذاكرة الأصم البصرية بضعيفة بل هي الأقوى لديه بطبيعته.. وهو ما يجعلنا نخرج من فكرة أن ذاكرة الأصم ضعيفة.. إنها فقط الذاكرة السماعية التى تعتبر ضعيفة بل منعدمة لدى الأصم وليست البصرية.. لذا كان لا بد أن نركز على طريقة التدريس التى تتناسب وطبيعة تلك الذاكرة البصرية.
مما سبق أجد أن العيب فينا ـ نحن مدرسي الصم ـ في ضعف مستوى تعليمهم وليس مستوى الأصم التعليمي.. ذلك أننا لم نصل بعد إلى كامل خبايا هذه المجتمع بلغته الإشارية وطرق تدريسه المتعددة ومدى تناسب إحداها عن الأخرى وفق طبيعة التواصل لدى الأصم..
التعليم الأمثل للصم
من أجل الإرتقاء بتعليم الصم لابد أن تكون المنظومة التعليمية متكاملة لتحسين جودة هذا التعليم والوصول به إلى المستوى الأمثل الذى ننشده لهم..
وللأسف إذا إنتظرنا النظم والسياسات التعليمية لترتقي بتعليم الصم سننتظر قروناً وقروناً مثلما انتظرنا سابقاً.. إن المنظومة التعليمية تحتاج إلى تكامل كافة عناصر العملية التعليمية.. وللأسف أين نحن من هذا التكامل؟!.. إن تعليم الصم يستلزم فريق عمل متجانس.. وأين نحن من العمل كفريق جماعي؟!
الهدف من طرح هذه الأسئلة الطموحة ضروري كمدخل إلى تحقيق الاستمرارية وإيجاد نظام تعليمي يبرز قدرات الأصم ويحقق له التعليم الجيد بل والمتميز..
ولكن، إلى متى سنظل ننتظر الحكومات والهيئات والمنظمات والإدارات التعليمية..؟؟
أبناؤنا الصم يولدون ويتزايدون.. ومشكلة أمية الصم تزداد وتتفاقم… ومن ثم كانت هناك مبادراتنا الفردية أو حتى الجماعية ولكن في إطار مؤسسة أو جمعية فقط..
إن نجاحات الصم المتميزين في وطننا العربي هي نجاحات أمهات للصم.. ممن اتبعن طريق التخاطب والنطق ودمجن أبناءهن بالتعليم العام وصولا إلى الجامعة.. والنماذج عديدة..
أليس هذا هو أسلوب للتدخل المبكر والمتابعة اتبعته أم ملهوفة للوصول بابنها أو ابنتها إلى هذا المستوى المتميز من التعليم.. لقد حققت تلك الأمهات التكامل بين جزئين فقط من المنظومة التعليمية.. جانب أسر الصم وأؤكد (الأم) وجانب المعلم فقط وأثق دوماً في أن هذا الجهد هو جهد متكامل للأم ذاتها في نقل المعلومة والوصول بها لإبنتها أو ابنها.
إن كامل النظم والسياسات التعليمية لن تحقق التعليم المنشود للصم دون معلم متكامل في ذاته.. ولكن إن تكاملت كافة عناصر العملية التعليمية سيكون للمعلم دورا مدعوما من السياسة والإدارة التعليمية…
فلنبدأ بالمعلم فهو الأسهل وصولا إليه في هذه المرحلة من تدني مستوى تعليم الصم في وطننا العربي.. ومنه يمكن أن تجد الحكومات ذاتها نجاحات من مدرسيها فتتبنى تلك النظم وتغير في السياسات بما يحقق هذا التكامل..
من الصعب أن ننتظر وأن نترك أبناءنا الصم يتزايدون ويكبرون وتضيع أعمارهم سدى دون أن يكون لهم وجودا حقيقيا في مجتمعنا هذا.. وبدون العلم وبدون التعلم لا يجد الإنسان له مكانا في هذا المجتمع..
وجمعية أصداء هي جمعية أهلية تأسست بالإسكندرية عام 2000 لرعاية المعاقين سمعيا والارتقاء بمجتمع الصم في كافة جوانب الحياة بهدف إعلاء قيمتهم الإنسانية وليتواصلوا مع مجتمعهم ويندمجوا فيه.
وتهدف الجمعية إلى:
- إنشاء أكاديمية تعليمية لخدمة مجتمع الصم داخل الإسكندرية بصفة خاصة ومصر بصفة عامة.
- المساهمة في تعليم وإيجاد فرص عمل مناسبة لمجتمع الصم عن طريق الارتقاء بهم تعليميا
- .إنشاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مجال تكنولوجيا المعلومات ICT بهدف زيادة فرص العمل لمجتمع الصم.
- تنفيذ مشروعات تكنولوجية تساهم في النهوض بمجتمع الصم مثل: استخدام المكالمات المرئية كوسيلة اتصال بدلا من الصوت.
- إنشاء موقع الكتروني لتعليم لغة الإشارة باستخدام تكنولوجيا التعلم الالكتروني.
لم يستطع مؤسس الجمعية أن يدرك خلال سنوات طفولته الأولى الحكمة وراء أنه ولد بأذن صماء، ذلك الجزء الذي ورثه عن أمه الصماء والذي كان سببا في إنشاء جمعية أصداء لارتقاء بالصم وضعاف السمع .
“أنا تعبان نفسيا، مش قادر أعيش من غيرها” قالها سامى جميل (53 سنة), وقد اغرورقت عيناه بالدموع، خاصة أنها توفيت منذ سنوات قليلة، وكان أكثر أبنائها تعلقا بها لدرجة أنه لم يحتمل أن يعيش بعيدا عنها بعد زواجه، ربما يكون السبب وراء ذلك يكمن في شعوره الدائم بأنه يحمل جزءا منها.
“ابن الخرسة” تلك الجملة التى ألقتها إحدى السيدات في وجهه أثناء إحدى المشاجرات وكأنها سبة، فكر فيها كثيرا وتأمل معناها وقرر أن يحولها إلى مصدر للفخر ليعلنها على الملأ “أنا ابن الخرسة”.
شكل صمم والدته كل خطوة في طريق حياته حيث التحق بكلية الزراعة ودرس في قسم الوراثة ليتعرف بدقة على إمكانية أن يرث أبناؤه الصمم عنه أو عن جدتهم ودفعه خوفه من إنجاب أطفال صم إلى الابتعاد عن زواج الأقارب فتزوج من امرأة من خارج العائلة.
وبعد تخرجه، قرر الانضمام إلى إحدى الجمعيات الأهلية التي تهتم بشؤون الصم ليتمكن من مساعدتهم بكافة الطرق، وكانت المساعدات تقتصر على استخراج بطاقة شخصية أو تقديم إعانات أو مساعدات مالية بينما كان طموحه يتعدى ذلك بمراحل حيث كان يتمنى أن يخترق مجال تعليم الصم ليطوره (الأصم يقضى 14 سنة في مدارس الصم ويتخرج “بصمجي”),.
قرر سامي إنشاء جمعية أصداء للارتقاء بالصم وضعاف السمع ، والتى نجح في تأسيسها بأموال الصم أنفسهم وبدأ التفكير في تطوير تعليم الصم ومحو أميتهم من خلال مشروع لتأهيل مدرسين لمحو أمية الصم في اللغة العربية، مهمة شاقة ما بين تدريب المدرسين على لغة الإشارة وتدريبهم على المنهج الجديد الذى يتم تدريسه بالتعاون مع الهيئة العامة لتعليم الكبار. ولم يكتف بذلك حيث قرر أن يعلم الصم الحاسب الآلي من خلال إعداد منهج خاص لتعليم الكمبيوتر للصم باستخدام لغة الإشارة.
ونجح في إلحاق مجموعة من الشباب الصم بمنحة وزارة الاتصالات للحصول على الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي ICDL بمنهج مبتكر بلغة الإشارة واجتياز الاختبارات باللغة الإنجليزية.
كان سامي يتمنى أن يشارك في العديد من المسابقات على المستوى الدولي، إلا أنه كان يسأل على استحياء إذا كانت هناك إمكانية في اشتراك الصم في مثل هذه المسابقات، إلا أنه قرر أن يخوض المغامرة ويشارك في عدد من المسابقات الدولية للروبوت، والتى قرر أن يعد أطفال الجمعية قبلها بفترة كافية ليندهش من النتيجة، حيث حصل شباب الجمعية على المركز الثالث في مسابقة الروبوت التى نظمت على مستوى مصر ليشاركوا بعدها في المسابقة العربية للروبوت في الأردن والمسابقة الآسيوية للروبوت في اليابان.. بل وحصلوا على المركز الأول بمصر بين السامعين ليمثل فريق الصم مصرًا بالمسابقة الدولية للروبوت بالولايات المتحدة الأمريكية محققين المركز الأول لكأس أحس مشروع إبداعى للروبوت وكأس أحسن تدريب وإشراف على بين كافة دول العالم وبعدها توالت المشاركات الناجحة بأستراليا وأندونيسيا .. وغيرها.
وصل سامي جميل بأبناء الجمعية من الصم إلى أكثر مما كان يحلم إلا أن جعبة أحلامه لم تفرغ بعد حتى بعد أن حصل ثمانية من أبناء الجمعية على منحة فولبرايت الأمريكية والتي تمنح الصم فرصة لدراسة التسويق وتصميم المواقع وإدارة الشركات السياحية والتبريد والتفصيل في إحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية حيث إلتحقوا بدورة في اللغة الانجليزية لمدة 8 شهور وساتفروا بعدها وقضوا عامين بجامعة أوهلونى بالولايات المتحدة وحصلوا على المنحة الدراسية.
الجدير بالذكر أن نجاحات الصم بمسابقات الروبوت دفعت بالاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بإلحاق أربعة من الصم وضعا فالسمع المتميزين للدراسة بها بمنحة دراسية كاملة تقديرًا لتميزهم في مجال تصميم وبرمجة الروبوت .
كما أن أكاديمية سيسكو للشبكات والنظم بادرت بتأسيس أكاديمية أصداء – سيسكو للشبكات والنظم لإتاحة الفرصة للصم للحصول على شهادات سيسكو الدولية بهدف تخريج مهندسين شبكات من الصم وضعاف السمع أنفسهم ليسيروا على طريق النجاح.
ويخطط سامى لإنشاء المعهد العالي للصم في مجال الحاسب الآلي والفنون التطبيقية والمحاسبة المالية والسياحة والفنادق بعد عودة أبناء الجمعية من الخارج ليكونوا النواة الأولى التيتبنى عليها أساسات المعهد.
حصل سامي على عضوية مؤسسة أشوكا العالمية باعتباره مبدعا اجتماعيا لارتقائه بالصم وإكسابهم مهارات التعايش والتواصل والاستقلال الاقتصادي والثقة بالنفس، إلا أن سعادته بأبنائه من الصم تفوق أي شعور آخر حيث أصبح فخورًا بهم وأن الجمعية تحولت إلى بيت العائلة لكل الصم.
سيرة ذاتية دونتها: يمنى مختار