في يوم من الأيام صعدت ابنتي ذات الاثني عشر عاماً معي في السيارة بعد انتهاء يومها الدراسي والغضب يملأ وجهها، فقلت: (عسى ما شر) لم الغضب؟
قالت اليوم كانت لدينا حصة (احتياط) أي لم تحضر معلمة المادة، وكانت هناك معلمة بديلة قالت لنا: (هل تودون الذهاب إلى غرفة الحاسوب أم إلى ساحة المدرسة حيث الألعاب البدنية والحركية!). فوافقت ثماني عشرة طالبة من أصل عشرين للذهاب إلى ساحة الألعاب، وأنا وزميلتي (تتابع ابنتي) قلنا نريد الذهاب إلى غرفة الحاسوب، فأخذت المعلمة برأي الأغلبية فذهبنا جميعاً إلى منطقة الألعاب.
ما إن انتهت ابنتي من الحديث حتى سألتها: هل زميلاتك لديهن أجهزة ذكية في المنزل كالهواتف الذكية والأجهزة اللوحية (الآيبادات)؟ قالت: نعم تقريباً جميعهن.
ثم سألتها: هل أنت وزميلتكِ لديكما أجهزة ذكية في المنزل؟ فأجابت بالنفي.
قلت لها الجواب سهل لماذا اخترن زميلاتك الألعاب أنت تمارسين اللعب والجري بجميع أشكاله وركوب الدراجة الهوائية والرسم واللعب بالكرة والدمية (الباربي) مع إخوتك في المنزل، ولكن زميلاتك غالباً قد لا يمارسن ذلك كله، بل أصبحت رفاهيتهن ومتعتهن تكمن في الأجهزة الذكية فقط، لذا عندما خيّرتهن المعلمة، اختارت الغالبية الذهاب إلى الألعاب وأنت وزميلتك اخترتما الحاسوب، فكل منكن تبحث عما ينقصها لتكتشفه وتتعلمه وتستمتع به وتشبع رغبتها.
قبل خمسة عشر عاماً تقريبا وعند ظهور التكنولوجيا الرقمية الحديثة كالهواتف الذكية والأجهزة اللوحية (الآيبادات) فرحنا وتسابقنا لاقتناء أحدث الأجهزة لنا ولأبنائنا، ولاحظنا بالأخص أن من هم أقل من عشر سنوات يستخدمون الأجهزة بطريقة احترافية تفوق استخدام الكبار لها، وهنا لن أتحدث عن استخدام الكبار لها فنحن عشنا طفولتنا بكل ما فيها ولكن سوف نركز ونسلط الضوء على أبنائنا، فهم محور حديثنا.
أصبحت هذه الأجهزة والألعاب هي الشغل الشاغل لأبنائنا، أصبح الأهل والأصدقاء وخصوصاً الأطفال كل منهم لديه جهازه يجلس منفرداً معه ويمارس لعبته، ومن لا يملك جهازاً يجلس ويشاهد غيره وهو يلعب بالجهاز، ووصل الحال بالبعض عندما يريد من ابنه الهدوء وعدم الإزعاج يقدم له الجهاز.
أصبحنا نفتقد مشاهدة فطرة الطفل في الحركة واللعب بالكرة مع الأولاد وتسابقهم فيما بينهم، واللعب بالدمى والقصص الحركية للبنات فيما بينهن، بل أبعد من هذا أصبحنا نسهم في قتل هذه الفطرة فيهم من خلال اقتنائهم لهذه الأجهزة وأحدثها.
تشير الدراسات الحديثة إلى أن سلبيات الأجهزة والألعاب ـ وإن كانت مقننة ـ في استخدامها فليس لها فائدة تذكر وخاصة في اللعب، لا ننكر بعض فوائدها في التعليم وهي محدودة في بعض المجالات فقط، ولكن أضرارها وسلبياتها تفوق إيجابياتها بكثير، وسوف أتناول بعض أضرارها وسلبياتها:
من الناحية النفسية تؤثر هذه الأجهزة على الطفل حيث يقل معدل تركيز الانتباه لديه شيئاً فشيئاً وهو الأهم في عملية التعليم وتثير القلق والتوتر لديه وبالتالي تؤثر سلباً على الحالة الذهنية العامة للطفل، ناهيك عما يدور داخل هذه الألعاب من سموم وعنف، بعيداً عن القيم والعادات والتقاليد وأيضاً عن الدين.
أما من الناحية البدنية فتشير أكثر الدراسات إلى أن استخدام الأطفال للأجهزة الذكية دون سن العاشرة وفي مراحل المراهقة سوف تجعلهم عرضة للعمليات الجراحية مستقبلاً عند سن العشرين إذا ما تم استخدامهم لها بطريقة مستمرة، حيث تسبب الانحرافات القوامية والتشوهات التي تصيب الرقبة والعمود الفقري نتيجة الجلوس الطويل والمتكرر والاستخدام الخاطئ لها والذي قد يمتد لعدة ساعات. كما تساهم في زيادة معدل السمنة والسكر والضغط نتيجة لعدم وجود الحركة الطبيعية للطفل التي من خلالها يكتسب المهارات الأساسية والحركية.
ومن الناحية الاجتماعية تسهم بشكل كبير في انسحاب الطفل من أسرته ثم أصدقائه والابتعاد عن العالم الواقعي والاتجاه إلى العالم الافتراضي سواء في الألعاب المستخدمة أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
هناك الكثير من سلبيات استخدام تلك الأجهزة ولكن سوف نقتصر على ما ذكرناه أعلاه.
قديماً لم نكن نستخدم تلك الأجهزة في التعليم والتعلم ولم نتأثر بعدم وجودها، فقد تخرجت أجيال من المهندسين، الأطباء، المعلمين، المحامين والعلماء في جميع المجالات والتخصصات دون التأثر بعدم وجودها.
بعض أولياء الأمور لا يستطيع أن يمنع ابنه عن تلك الأجهزة خاصة أن جميع أصدقائه وأقربائه لديهم تلك الأجهزة ولا يريد أن يحرمه من شيء، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل تتمنى إصابة ابنك بالأمراض؟ بالتأكيد لا.
إبدأ مع طفلك بالحديث والمحاورة وإقناعه بمدى خطورة تلك الأجهزة، وما قد يصيبه من أمراض ومشاكل نفسية وصحية وبدنية، فالحوار والإقناع أفضل وسيلة لتصحيح أخطاء الطفل، أشركه في الأندية الصحية والرياضية أشغل وقته دائماً بشيء يعود عليه بالنفع والفائدة وتذكر أن طفلك يكبر وإن وقع عليه الضرر من تلك الأجهزة في المستقبل لن يلوم نفسه، بل سيلومك أنت بسبب سماحك له باستخدامها عند طفولته.
ذكرت في البداية قصة واحدة فقط وهناك العديد من القصص الواقعية ومشاكل صحية لأبناء أصدقائي، فلنراجع أنفسنا مع أبنائنا ونحافظ ونعمل على سلامتهم من أمراض الجيل الجديد في تلك الأجهزة.
أبناؤنا هم ثروة المجتمع ومستقبل الوطن، فإن كانت الأجهزة ذكية فنحن الأذكى بطرق استخدامنا لها.
د. عبد العزيز الفيلكاوي
- دكتوراه الفلسفة في التربية الرياضية، قسم تدريب التمرينات
- معلم التربية الرياضية – وزارة التربية بالكويت
- عضو هيئة تدريس منتدب بكلية التربية الأساسية بنين – الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب
- مدرب خاص بالأولمبياد الخاص 2019