كنت يوماً خارجاً من العمل وعندما دخلت سيارتي إذ بفتى يركض نحوي وعندما أقترب مني بدا وسيماً وكانت ملامحه شرق أفريقية يتراوح عمره بين العاشرة والثانية عشرة، وكان صحيح الجسم لا تبدو عليه أية إعاقة أو إصابة، وعندما استقر جواري مد إلي يده اليمنى قائلاً: اعطني مبلغاً من المال، فعرفت أنه متسول صغير رغم أنه لا يحمل مواصفات المتسول لا شكلاً ولا هيئة ولا ملبساً. فبدأت معه حواراً هادئاً لعلي أفلح في آخر المطاف بإقناعه لترك هذه العادة السيئة..
قلت له: لماذا تتسول؟
قال: أترزق.. (أطلب الرزق)!
قلت له: أين والداك؟
قال: أبي في البلاد وأمي موجودة هنا..
قلت له: من المسؤول عنك؟
قال: أختي متزوجة وهي تساعدنا،،
قلت له: كم عمرك؟
قال: 11 عاماً.
قلت له: ألا تخجل من التسول وأنت صحيح الجسد؟
(لم يرد علي)!
قلت له: لماذا لا تبحث عن عمل ولو كان قليل الدخل فذلك أحسن لك من هذا فأنت شاب سليم، لست مشوهاً أو عاجزاً عن العمل،…
قاطعني قائلاً: ماذا أعمل وأنا لست متعلماً؟
قلت له يا أخي، ليس التعلم شرطاً للحصول على عمل صحيح هناك أعمال تطلب التعلم ولكن ليس كل من تراهم يعملون متعلمون إنه يتوقف على نوع العمل..
قال والضيق باد على وجهه وكأنه يريد التخلص من أسئلتي المتلاحقة: قل لي بالله ما العمل الذي تراني مناسباً له؟
قلت: يمكنك التقدم إلى أحد القيمين في أحد المساجد كي تقوم بأعمال التنظيف، أو يمكنك التفاهم مع أي ميكانيكي لتساعده ولو بأجر رمزي وقد تتعلم منه ميكانيكيا السيارات مع الأيام، أو يمكنك العمل مع نجار… مع بلاط.. كل هذا ممكن.. وأفضل من التسول، وبذلك تصيد عصفورين بحجر واحد، تحصل على مبلغ من المال تسد به حاجاتك وفي الوقت نفسه تتعلم مهنة تنفعك في المستقبل.
بعد هذا الحوار لاحظت عليه أنه قد تأثر نوعاً ما بالنصح والآراء التي أبديتها له إلا أنه ما زال مصراً على الحصول على شيء مني!..
قلت له: سأعطيك مبلغاً ولكن شريطة أن تعدني بترك هذه العادة المعيبة..
وعدني بذلك، فأعطيته ما قدرني الله عليه وأكملت طريقي الى البيت.
بعد حوالي شهر من الواقعة قابلت هذا الشاب الصغير على باب أحد المساجد فبادرني بالسلام عليه فرددت عليه السلام وسألته مباشرة: ماذا تعمل الان؟
قال إنه يعمل في تنظيف ذلك المسجد يومياً مع أشخاص آخرين وذلك بعد صلاة العصر وأنه في الصباح يعمل مع أحد ميكانيكي السيارات وبأجر رمزي وبقصد تعلم المهنة.
سألته ضاحكاً: هل هذا أحسن أم التسول؟ فضحك، وكانت هذه الضحكة بمثابة إجابه كافية.. وكم كانت سعادتي عندما علمت بهذا الامر.
لقد شاهدت أشخاصاً كثيرين من ذوي الإعاقة يعملون في أعمال وأنشطة تتناسب مع حالتهم الجسدية والصحية فالأولى بالأشخاص من غير المعاقين أن يعملوا كل حسب مقدرته ومستواه العلمي، وعلينا جميعاً أن نحارب التسول بالنصح، والوعظ، والكلمة الحسنة ولقد أمرنا الله بالعمل وحثنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على العمل واتقانه.
يقول سبحانه وتعالى:
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) (سورة التوبة ـ آية 105).