(لا تنظروا إليها بعيونكم وانظروا إليها بعيني) هذا كان شعار المحبين والعاشقين عندما كان الحب أعمق من شكل الوجه أو الجسم أو أية اعتبارات ظاهرية سطحية أخرى.
فهل ولى هذا الزمان وبتنا في زمان آخر؟
حرص الإعلام في هذا العصر على إظهار المرأة المثالية الجميلة بالشكل الذي يريده صناع الجمال في العالم. ونقول هنا صناع الجمال لأن الجمال أصبح يصنع صناعة ولم تعد كلمة (قبح) موجودة في قاموس الحرف المتنوعة المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بجمال المرأة، بداية من شركات تصنيع المكياجات وأدوات الزينة إلى أطباء الأسنان والتجميل والجراحات البلاستيكية للوجه والجسم وشركات صناعة الملابس والحلي.
هذه المعايير التي وضعت رغماً عنا من قبل أقطاب الصناعة والتسويق تغيرت عبر الزمن فربما في وقت من الأوقات كانت المرأة في الغرب تعاني الأمرين لتظهر جميلة وذات قوام يشبه الساعة الرملية فتشد جسمها بمشدات تكاد لا تسمح لها بالتنفس.
والمرأة في الصين كانت تعاني ما تعاني عندما يكسر مشط قدمها وتوضع في قالب من الحديد لإبقائها صغيرة لأن جمال المرأة يزداد كلما كانت قدمها أصغر.
والمرأة في أفريقيا تثقب آذانها بثقوب كبيرة جداً.. والمرأة في تايلاند تضع حلقات حول عنقها منذ نعومة أظفارها ويزداد عدد الحلقات مع تقدم عمر المرأة إلى أن تصبح رقبتها طويلة جداً وهذا من المعايير الجمالية في تلك الثقافات.
ناهيك عن أن المرأة العربية كانت تتفلج ببرد أسنانها الأمامية ليزداد جمالها.
إلى أن وصلنا إلى عصرنا الحالي حيث دخلت صناعة الجمال في كل تفصيلة من تفصيلات المرأة لتشكلها حسب معايير معلبة وجاهزة مما أفقد الأمر عفويته ومارس نوعاً من غسيل العقول فيما يتعلق بمقاييس الجمال فأصبح العالم ينظر بأعينهم ويرى الجمال بمقاييسهم.
ونساءنا لسن ببدع من النساء، فهن يسعين دائماً للظهور بأجمل حلة وأفضل طلة، فما كان من أكثرهن إلا أن تبعن هذه الصرعات دون تأن ومحاكمة لما يناسبنا أو لا يناسبنا من هذه المقاييس.
فالشكل المثالي الحالي هو المرأة النحيفة والتي لا يمثلها إلا نسبة قليلة جداً من المجتمع مما جعل الأكثرية تتبع طرقاً غير صحية وربما مدمرة في محاولة الوصول إلى الوزن والشكل المطلوبين.
إلا أن الجانب المظلم من الموضوع أن المرأة عندما تفشل في الوصول إلى الشكل والوزن المطلوبين تصاب بالكآبة وعدم الرضا عن مظهرها وهنا بيت القصيد، فهذه المعايير العالمية تأخذ بعين الاعتبار الظاهر فقط وتغفل تماماً الأشكال الأخرى للجمال كجمال الروح والصبغة والأخلاق.
أدى التأثير المباشر للإعلام بمقاييسه المعجزة للجمال إلى نسب عالية من اضطرابات الطعام لدى الشابات وبالأخص المراهقات بسبب محاولة الوصول للشكل المطلوب.
هناك بعض الدراسات التي تشير إلى أن بنات بأعمار 12 سنة يحاولن الالتزام بحميات غذائية بسبب قناعتهن أن قيمتهن مستقاة من أشكالهن، وعندما يكون التشجيع من المجتمع والإعلام قوياً بهذا الاتجاه تتوه الفتيات والفتيان في معرفة ما هو حقيقي وما هو وهمي فيما يتعلق بالقيم الجمالية والأخلاقية.
لو توقف الأمر عند الظاهر والحجم والوزن لهان ولكنه تجاوز ذلك إلى تغييرات جذرية في بناء الوجه والجسم وتعريضهما إلى عمليات خطيرة للحصول على الشكل المثالي المقدم من قبل الإعلام للمرأة الجميلة.
لقد بتنا في عصر تتشابه فيه النساء بنسب عالية جداً فترى عدة نسخ من هذه النجمة أو تلك وهذا لا يرفعنا إلى مستويات عالية للجمال بقدر ما يهبط بنا إلى عصور الانحطاط في التركيز على الظاهر وإغفال الجوهر.
والسؤال المطروح ما الذي يجعل المرأة جميلة بحق؟
تستقي المرأة مكانتها واحترامها في المجتمع من أمور أخرى غير الشكل الخارجي، فالجمال الفيزيائي يتأثر بالزمن وستفقد المرأة جمالها وبريقها مع تقدمها بالعمر، فإذن، لابد من أن تكون هناك تجليات أخرى جمالية تجعلها تستمر في تألقها حتى في أعمار متقدمة.
بعيدا عن الجرعات المركزة والعالية للإعلام عن مقاييس الجمال، فإن المرأة المتزنة الخلوقة الطيبة والمؤثرة تحتل مكانة عالية لدى من حولها، فهي ليست تحفة فنية معزولة يجب أن تكون جميلة للناظر إليها فقط دون اعتبارات أخرى، وإنما هي ابنة وأخت وزوجة ومديرة ووزيرة وأستاذة وكاتبة وجدة، وهي جميلة بعيون أحبابها والمقربين لها في كل مراحل حياتها وبكل أعمارها.
إن الفتاة حديقة وحياؤها
كالماء موقوفاً عليه بقاؤها
لا خير في حسن الفتاة وعلمها
إن كان في غير الصلاح رضاؤها
فجمالها وقف عليها إنما
للناس منها دينها ووفاؤها
قبل أن تكوني جميلة (فقط) فأنت امرأة لو صلحت لصلح العالم، أنت أم فإن أحسنت تربية أبناءك لصلح المجتمع، أنت زوجة فيكفيك أن تكوني جميلة بعيني زوجك، أنت عالمة لو أبدعت لأفدت العالم بعلمك، أنت أمة الله فإن أديت لله حقوقه لارتفعت إلى أعلى عليين، أنت أخت فإن أفضت بحنانك على إخوتك لصلح نسيج المجتمع، أنت وردة الحياة فإن نشرت عبقك الفياض لكان العالم أجمل، أنت بساط ممتد من العشب الأخضر فيه الخير والزرع والحياة، أنت فراشة جميلة يكفي وجودها لتتلون الحياة بألوان زاهية، أنت لست نصف المجتمع بل أنت المجتمع كله فمنك تولد الرجال وعلى يديك تربى الرجال.
أربأ بكل امرأة من نسائنا أن تكون إمعة لنساء الغرب ولصرعات الجمال. لنعد إلى اكتشاف جمالنا الداخلي الذي ما إن تتفجر ينابيعه حتى يتحول العالم من حولنا إلى مكان أجمل وأرقى، إلى مكان تنتشر فيه أزاهير الأدب والفضائل ومكارم الأخلاق.
إجازة في الصيدلة.
كاتبة ومؤلفة .
الكتب المنشورة:
- سلسلة الكلمات المتقاطعة – دار الفكر للطباعة والنشر – دمشق ، سوريا –1997
- دليل الأم في الإرضاع من الثدي – دار الفكر للطباعة والنشر – دمشق ، سوريا –2002
- التعابير العامية الدارجة في اللغة الإنكليزية (الأميركية)-دار الفكر للطباعة والنشر-دمشق-سوريا-2005
- هكذا نقيد الأجيال-دار الفكر للطباعة والنشر-دمشق-سوريا-2010
- أوراق خريفية – دار الفكر للطباعة والنشر- دمشق- سوريا- 2013
- المشاركة في كتابة نص مسرحية بعنوان “وين ندق المسمار” ، عرضت في ثلاث ولايات أميركية أوهايو – تكساس – ولوس أنجلوس –
من المقالات التي نشرت لها:
- مقالة “الرحم.. أول مدرسة في التاريخ” مجلة الراشد العدد الثاني والعشرون، تاريخ نيسان 2003.–دبي ، الإمارات العربية المتحدة .
- مقالة “غريبان تحت سقف واحد” – مجلة مودة ، العدد 26 كانون أول 2003– أبو ظبي ، الإمارات العربية المتحدة
- مقالة “الطفل في المطبخ عود ثقاب متحرك”- مجلة راشد، العدد 24 ديسمبر 2003
- مداخلة تحليلية لتحقيق بعنوان ” نساء يصرخن: لا للوظيفة نعم للبيت- مجلة زهرة الخليج، العدد1334 تشرين أول 2004
- مقالة ” دور الفرد في خلق التوازن النفسي الأسري- مجلة المجتمع العدد الرابع، أغسطس 2004
- ملف التسالي في مجلة أنت – قطر
- ملف التسالي في مجلة ولدي – الكويت
- للروح نصيب – مجلة المنال الإلكترونية – العدد مايو 2019 – الشارقة – الإمارات
- من هي المرأة الجميلة حقا؟ – مجلة المنال الإلكترونية – العدد ابريل 2019 – الشارقة -الإمارات العربية المتحدة.
- ملف التسالي في مجلة مرامي
- مسؤولة سابقة عن ملف التسالي لعدة مجلات إماراتية: الجزيرة الرياضية – همسات- مودة- راشد
- البوصلة الإنسانية ما بعد كورونا – مجلة المنال الإلكترونية – العدد ديسمبر 2020
- مهن السراء والضراء – مجلة المنال الإلكترونية – العدد مارس 2021
- الأشخاص ذوو الإعاقة وسوق العمل- مجلة المنال الإلكترونية- العدد مايو , 2022
شهادات تقدير وانجازات:
- مصنفة ضمن أدباء وأديبات القرن العشرين في سوريا ” أدب الأطفال وأدبائهم في سورية بالقرن العشرين ” – دار شهرزاد للنشر – دكتور مهيار الملوحي – دمشق – سوريا – 2004
- مؤسسة ورئيسة سابقة لرابطة الفنانات المسلمات والتي أدرجت في بحث أكاديمي بعنوان:
Muslim Women Visual Artists’ Online Organizations: A Study of IMAN and MWIA
رابط البحث
- شهادة تقدير من مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
المقابلات الإعلامية :
- مقابلة صحفية مع صحيفة أوكلاند برس الأميركية في ولاية ميتشيغان بقلم هوزيه هواريز – كانون أول – 1997
- مقابلة صحفية مع صحيفة أوكلاند برس الأميركية في ولاية ميتشيغان بعنوان “للزوجين ، الإسلام هو الحياة” بقلم دوج بومان -كانون أول – 1997
- مقابلة في جريدة خليج تايمز (Khaliij times) – “Authoring Success Stories”- By Anu Prabhakar, Published: Fri 8 May 2009 https://www.khaleejtimes.com/article/authoring-success-stories
أعمال إضافية :
- إعداد 240 ساعة إذاعية لبرنامج “راديو إي أو إف” . على محطة WNZK 680 AM في ولاية ميتشيغان الأميركية 1998-1999.