إعداد : أ.ميادة العواضي ، المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة
يرى البعض الإعاقة عالماً يكتنفه الغموض في بعض جوانبه، ويطرح البعض تساؤلات عن هذا العالم، ومن تلك الأسئلة سؤال عريض وكبير ومهم في نفس الوقت، حول (السعادة)، وهل لها علاقة بالإعاقة أياً كانت درجتها ونوعها؟
هل ارتباط السعادة بالإعاقة ارتباط مباشر أم غير مباشر؟
هل الأشخاص من ذوي الإعاقة سعداء أم ليسوا سعداء؟
هل حياتهم قطعة من الجحيم، أم راحة ونعيم وهدوء واستقرار يفتقده الكثيرون؟
وعن هذا الشأن، أجرى المركز الإعلامي لذوي الإعاقة استطلاعاً صحفياً مع أشخاص ذوي إعاقة من كلا الجنسين، ومن مناطق ومستويات تعليمية مختلفة، وكذلك مع مهتمين ومتخصصين.
يرى المتخصصون أن السعادة غير مرتبطة مباشرةً بالإعاقة أياً كانت درجتها ونوعها، لكنها مرتبطة بمدى تلبية الحاجات الأساسية للإنسان سواءً كان من ذوي الإعاقة أو من غير ذوي الإعاقة.
يقول الإعلامي والباحث الاجتماعي عبد العزيز القدمي للMCPD إنّ الشخصَ ذا الإعاقة مثله مثل الشخص غير المعاق، له حاجات أساسية إذا حصل عليها وتم إشباعها سيشعر بالسعادة والعكس صحيح، إن لم يحصل الإنسان على حاجاته الأساسية لن يكون سعيداً سواءً كان معاقاً أو غير معاق.
ويضيف القدمي: من المهم وجود أسرة ومجتمع يحتضنان الفرد ويشعر في ظلهما بالدعم والانتماء، ولابد من إتاحة فرصة الاندماج للأشخاص ذوي الإعاقة والتعبير عن ذواتهم وقدراتهم لأن الفرد بدون مجتمع وبدون أن يكون مندمجاً فيه لن تتحقق له السعادة ولو جمعت له أموال الدنيا.
ويعتقد “القدمي” أن مدى تحقق السعادة قد تكون له علاقة غير مباشرة بالإعاقة، حيث أن ما قد يتعرض له بعض الأشخاص ذوي الإعاقة من حرمان عاطفي، وضغوط نفسية، وعزل اجتماعي، وحرمانهم من فرص الاندماج في المجتمع، والحرمان من الحق في العمل، يؤثر بدوره على مدى سعادتهم وتوافقهم النفسي والاجتماعي.
وفي هذا الإطار كانت نتائج الاستطلاع، فالأشخاص ذوو الإعاقة ممن استطلعنا آراءهم حول مدى ارتباط السعادة بالإعاقة يجمعون أن الإيجابية والرضى، ومدى حصولهم على حقوقهم، وتقبل المجتمع لهم من أهم عناصر السعادة بالنسبة إليهم، ولإرضاء فضول القارئ ننقل آراءهم ووجهات نظرهم كما وردت:
من “عدن” يقول سهيل منير، وهو من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، إنه لن يستسلم وأنه سيستمر في الكفاح لمواجهة ما عبر عنه بالإحباطات الكثيرة والعراقيل التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة في اليمن.
وأردف: لدي يقين بأن الأشخاص ذوي الإعاقة قادرون على الإنتاج إذا أُتيحت لهم الفرص المناسبة، وبالتالي حصولهم على فرص عمل واندماج أكبر في المجتمع يمكنهم من الحياة الكريمة والتوافق مع المجتمع وبهذا تتحقق لهم السعادة.
من جهته يقول معتز الجنيدي، ناشط ومدرب في مجال الأشخاص ذوي الإعاقة من الأردن: يكون الشخص ذو الإعاقة سعيداً عندما يحصل على جميع حقوقه، كذلك الأمر بالنسبة للأشخاص من غير ذوي الإعاقة، فالإنسان بطبعه يكون سعيداً وراضياً إذا ما حصل على حقوقه كاملة.
ويرى الجنيدي أن المجتمع المحيط مسؤول أيضاً عن استقرار وسعادة الفرد من ذوي الإعاقة، لأنه عندما يتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة بتجاهل وعلى أنهم وصمات فهو بذلك يرسل إليهم رسائل سلبية مفادها أنهم غير مرغوب بهم، في حين أن المجتمع إذا ما كان داعماً لهم فإن لذلك مجموعة من الآثار الإيجابية على حياتهم واستقرارهم النفسي.
تقول قائدة محمد، وهي من الأشخاص الصم: صحيح أنني لا أسمع ولكنني أستطيع التحدث بلغة الإشارة، أنا متفائلة، أنا لا أستطيع سماع من حولي ولكنني أدرك سعادتهم وهي جزء من سعادتي، لكل منا طريقته في اكتساب السعادة فقط يجب علينا دائماً أن نكون ممتنين لبقية النعم التي منحنا الله إياها.
تلعب الأسرة دوراً مهماً في إشباع حاجات الإنسان باعتبارها الملاذ الأول للفرد، ولذلك يُرجع الكثير من الأشخاص ذوي الإعاقة سبب رضاهم وسعادتهم إلى وجود عائلة مساندة وداعمة في البداية وصولاً إلى الحصول على الحقوق وتوفير الخدمات بما فيها إمكانية الوصول.
يتحدث أنور الزنبعي، من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، عن عائلته فيقول:
“عائلتي شجعتني وكانت داعمة لي طيلة حياتي وهي سبب سعادتي”. ويضيف: “أمارس حياتي بشكل طبيعي كبقية الناس، وأنا راضٍ عن حياتي رغم أن لدي طموح أن تكون حياتي أجمل بالتأكيد”
ويتمنى أنور أن تكون البيئة والمنشآت مهيئة ليستطيع الأشخاص ذوو الإعاقة التنقل فيها بحرية واستقلال ويكونوا أكثر ثقةً بأنفسهم.
“”الرضى وبالتالي السعادة ممكنان إذا امتلكنا الإرادة والثقة بأنفسنا، وفقدان حاسة من الحواس ليس نهاية العالم”.
هذا ما تقوله أسماء صالح، من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية والتي تعتقد أن مما يجعلها سعيدة أنها تعيش حياتها بطريقتها وبما يناسبها ولا تقارن حياتها بأحد فلكل شخص ظروفه وإمكانياته حسب تعبيرها.
وتضيف: “أنا ربة أسرة ولدي أطفال أرى الدنيا من خلالهم، أنا لم أبصر يوماً ولكنني لست متشائمة لأنني لا أتخيل أو أفكر بضرورة أن أبصر شيئاً لم أره من قبل، ولكن لدي بصيرة لرؤية ما لا يراه المبصرون.”
من ناحيتها تتفق نوران محمد، من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، مع من سبقها بأن العائلة هي الأساس الأول، وتقول: “بعد أن يمتلك الأشخاص ذوو الإعاقة عوائل رائعة، ويستطيعون دخول المدرسة والحصول على التعليم بشكل مناسب، ومن ثم الحصول على حقهم في العمل وتحقيق مكانة اجتماعية، فهم بالتأكيد سيصبحون سعداء”.
وتبقى السعادة أمراً نسبياً يختلف من شخص إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى، وما يزيد أو يحد من مستوى سعادة الفرد والمجتمع هو مدى تحقيق الحاجات الفسيولوجية، والحاجة إلى الأمن، والانتماء إلى أسرة ومجتمع، بالإضافة إلى تقدير الذات وتحقيق المكانة الاجتماعية وغيرها من العوامل على اختلاف في أولوية ترتيبها بين المتخصصين في علمي النفس والاجتماع.