الكذب هوسلوك غير مقبول اجتماعياً يظهر عند جميع الأطفال بين حين وآخر في مختلف المراحل النمائية، ويلجؤون إليه لأسباب مختلفة، وهذا السلوك يظهر عند ذوي الإعاقة الذهنية كما هو الحال عند بقية الأطفال، لذلك تسعى الأسرة عادة والمعلمين إلى أن يتخلص الطفل نهائياً من هذا السلوك ويعتاد على قول الحقيقة دائماً، ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف علينا أولاً أن نفهم لماذا يكذب هؤلاء الأطفال؟ وما الدوافع التي تكمن خلف هذا السلوك؟ وهل يكذب الأطفال المعاقون ذهنياً رغبة في الكذب ذاته أم لاشباع حاجات معينة عندهم؟ أم هو قصور منهم في ادراك وفهم معايير السلوك الاجتماعي؟
ويمكن تلخيص هذه الأسباب في أربع نقاط أساسية، بعضها له ارتباط بعمر الطفل، والبعض الآخر بنموه العاطفي أو بدرجة إعاقته وهي كالتالي:
- الطفل يكذب ليجلب جواً من الدعابة والمرح لوالديه وللمحيطين.
- أو.. ليبقى بعيداً عن المشاكل ويتخلص من العقاب.
- أو.. ليتجنب مواقف الارتباك والمواجهة والتي لها علاقة بتقدير الذات عنده.
- أو.. لأنه لا يزال غير مدرك للفرق بين الحقيقة والخيال.
في كثير من الأحيان نتوقع من الطفل أن يكون متفهماً للفروق بين الواقع والخيال، لكن عنصر الخيال يبقى عاملاً ملازماً ومتمماً لحياته حتى السادسة أو السابعة من العمر، وضرورياً لنموه النفسي والانفعالي، وإننا أصلاً كأهل نشجع على ظهور مثل هذا الخيال من خلال القصص التي نعرضها على الطفل في هذه المرحلة، أو من خلال اللعب التخليلي والتمثيلي، فيكون من الصعب على الطفل في حينه التمييز بين الواقع والخيال، حيث يتمتع بشكل عام في هذه المرحلة بخيال خصب، وعلى سبيل المثال فقد يتمنى أطفال الرابعة أو الخامسة أن تتحقق أشياء في المستقبل، ويعيشون مع هذه الأمنية لتصبح حقيقة وفق عالمهم الخاص، وهذا في الواقع لا يعتبر كذباً، وتتسع الهوة بين الواقع والخيال عندما يصاحب الطفل قصور في أدائه الوظيفي العقلي، وما يرتبط به من تدني في القدرات الذهنبية كالذاكرة والادراك والتفسير والتحليل، وكلما اتسعت الفروق بين عمر الطفل الزمني وعمره العقلي كلما كان أقل قدرة على الادراك وتفسير المتغيرات المحيطة به.
وقد يكون الخيال ظاهراً مثل (اختفى الكأس لأن نسراً كبيراً قد أتى إلى المطبخ وخطفه)! وتبقى قدرات الطفل العقلية قاصرة عن إدراك أن هذه كذبة، فالطفل ابن الرابعة والذي أخذ قطعة الحلوى دون إذن وأنكر ذلك عندما تمت مواجهته يتمنى في ذاك الموقف من كل قلبه أنه لم يأخذ قطعة الحلوى، حيث تصبح هذه الأمنية حقيقة واقعية في مستوى تفكيره البسيط، وقد يحدث الشيء ذاته للطفل المعاق عقلياً ابن العاشرة، لذلك فليس من العدل ايقاع العقاب به على انكاره لأنه في هذه المرحلة لم تتطور قدراته على ادراك الفروق بعد، ومن الأفضل القول له: (إن هذه الحلوى تم أكلها، لذلك لا يوجد لك قطعة حلوى هذا اليوم).. وهذا الأسلوب لا لوم فيه لكنه يساعده على إدراك بأن هناك عواقب لسلوكاته، وتعليمه أسس التصرف الصحيح ليبقى بعيداً عن المشاكل.
وفي الوقت ذاته فإن دافع البقاء بعيداً عن المشاكل يربي الكذب عند الطفل أيضاً، وإذا كانت هذه المشكلة موجودة بالفعل عند الطفل المعاق ذهنياً، فيجب الانتباه إلى طبيعة العقاب الذي تتخذه الأسرة أو المدرسة عادة تجاهه إن كان قاسياً، أو إذا كان الطفل فعلاً يخاف العقاب، وبدلاً من عقاب الطفل على سلوكه غير المقبول، على الأسرة إعطاؤه الفرصة لملاحظة النتائج الطبيعية والعواقب التي تترتب على سلوكه.
إن أسلوب العقاب المتبع مع الطفل يوحي له برسائل سلبية عن الشخص الذي عاقبه، وذلك يعتمد على شدة العقاب، فقد يخاف الطفل المعاق ذهنياً من العقاب، وبدلاً من عقاب الطفل على سلوكه غير المقبول على الأسرة إعطاؤه الفرصة لملاحظة النتائج الطبيعية والعواقب التي تترتب على سلوكه.
إن أسلوب العقاب المتبع مع الطفل يوحي له برسائل سلبية عن الشخص الذي عاقبه، وذلك يعتمد على شدة العقاب، فقد يخاف الطفل المعاق ذهنياً من العقاب لكنه أيضاً يسعى لتجنبه عن طريق الكذب، وإن العواقب الطبيعية للسلوك هي باعث كبير للطفل فهي تعلمه السبب والنتيجة، وفي مثال قطعة الحلوى السابق فإن عاقبة السلوك هي عدم حصول الطفل على قطعة حلوى نهار ذاك اليوم، وفي حالة الطفل الذي لم ينجز واجبه البيتي فإن عاقبة سلوكه هي حرمانه من معززات يحبها في ذاك اليوم.
وعلى الأهل أن يتأكدوا بأنهم أوصلوا تلميحات ايجابية لابنهم بعد قيامه بالسلوك المرغوب فيه مهما كان بسيطاً، وبذلك يتعلم الطفل كيف يحافظ على أن يكون والداه مسرورين منه على الدوام، ويعمل من أجل تحقيق رضاهما عليه بشكل يومي جراء سلوكه الايجابي وتجنبه للكذب، لأنه يشعر بأن عدم قول الحقيقة سيضعه في علاقة غير مريحة معهما.
وبشكل عام فإن الحل الأمثل لمشكلة الكذب عند الأطفال يأتي عن طريق الاحترام المتبادل بين الطفل المعاق ذهنياً ووالديه، لأن الكذب يظهر نقصاً في الاحترام من كلا الجانبين تجاه الآخر، وهذه مهمة الوالدين لتعليم الأطفال الاحترام وإظهاره لهم بشكل عملي.
ومن المهم عدم سؤال الطفل أسئلة من شأنها أن تحثه وتدفعه للكذب، وفي حال الطفل الذي أخذ قطعة الحلوى بدون إذن، فمن الخطأ سؤاله إذا كان أخذ قطعة الحلوى أم لا، ولكن من الأفضل التركيز على مرحلة ما بعد حدوث السلوك كالقول له: (لقد رأيتك عندما أخذت الحلوى، وأنا لست راضياً عن هذا لأنك لم تطلب مني ذلك، وهذا مخالف للآداب، من فضلك ضع الحلوى وسنتحدث عن هذا الشيء).
وبدلاً من لوم الطفل إزاء الموقف الذي حدث، لنبحث عن حل بطريقة هادئة، ونشرك الطفل في البحث عن بدائل للحل حتى يشعر بمسؤولية عمله الذي قام به واصلاح أخطائه وبذلك يتعلم احترام الجميع حوله، لأنه أتيحت له الفرصة لمعرفة أخطائه وتحمل مسؤوليتها بدلاً من شعوره بعدم القيمة وأنه شخص سيء خاصة عندما تكون لديه إعاقة، ولنتذكر دائماً أن السلوك هو السيء وليس الطفل.
وإذا كان لدينا شك أن الطفل في حالة توحي بالكذب، فبدلاً من اتهامه مباشرة بالكذب، علينا اشعاره بسلوكه بطريقة أخرى كقول: (يبدو لي هذا الكلام وكأنه غير معقول)، وبذلك نكون قد أعطينا طفلنا الفرصة ليحفظ ماء وجهه ويتراجع عن كذبته بدلاً من الاستمرار بالمزيد، وهناك كثير من أولياء الأمور يعدون أبناءهم بعدم العقاب إن هم قالوا الحقيقة، ولكن الشي الأهم من ذلك هو تعليمهم بأن كل شخص معرض للوقوع بالخطأ ويجب أن يحاسب على أخطائه ويتحمل مسؤولية أعماله.
إن وجود إعاقة ذهنية عند الطفل لا يعني غيابه عن دائرة تحمل نتائج سلوكه ما دام إدراكه المعرفي لهذا السلوك قائماً، وإن التهاون في تحميله المسؤولية يخلق لديه شعوراً باللامبالاة والاعتمادية وصعوبة في التمييز بين ما هو ممنوع أو مسموح به وفق العرف الاجتماعي، ما يزيد من مشكلاته التكيفية مع البيئة المحيطة.
وبامكان الوالدين والمعلمات التعامل مع كذب الأطفال المعاقين ذهنياً باتباع المبادىء البسيطة التالية:
- البحث عن الحاجة التي يشبعها الطفل عند الكذب، وإن كان الكذب هو نوع من التخيل أو لتجنب العقاب أو نوع من العدوان الموجه نحو الآخرين، أو لجذب الانتباه.
- إعطاء الفرصة للطفل المعاق للتعبير عن خياله بدون كذب.
- توضيح الفروق للطفل بين الخيال والواقع بما يتناسب مع قدراته العقلية وعمره.
- المصداقية في التعامل مع الطفل حتى لا يكتسب الكذب من أسرته أو المحيط الذي يتفاعل معه.
- عدم إظهار ردة فعل كبيرة تجاه الكذب، والإشارة إلى الحاجة لقول الحقيقة والسماح للطفل بقولها دون شعور بالخجل.
- عدم دفع الطفل إلى مزيد من الاعترافات حتى لا يقود ذلك إلى مزيد من الأكاذيب.
- البحث عن طرق بامكان الطفل أن يحصل من خلالها على ما يريد دون كذب وإثابته على عدم الكذب.
- عدم استعمال العقاب البدني وتعويد الطفل على الصراحة في التعامل لأن العقاب سيقود الطفل إلى الكذب للنجاة من غضب الوالدين.
- وإذا كان لدينا شك بأن طفلنا يكذب لشعوره بعدم الارتياح، ولعدم تلبية مطالبه وحاجاته، فلابد أن نعمل على تقوية تقديره لذاته، وأن نتفحص ردود أفعالنا تجاهه خلال اليوم، وفإن نظرات أو ايماءات عابرة للطفل المعاق ذهنياً ووالديه أؤ معلمته قد تعني له الكثير ويفسرها تفسيراً خاصاً به يرفع من مفهومه لذاته، ولتكن توقعاتنا من أطفالنا بمستوى قدراتهم.
وأخيراً فإن الأطفال يتلقون تلميحاتهم من والديهم ومعلميهم، وفي كثير من الأحيان لا يميز الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية بدقة ما يميزه الآخرون من الأطفال والراشدين، وقد تكون الكذبة البيضاء التي يتصرفها الآباء أمام أبنائهم سبباً في تعليمهم الكذب، وإذا أردنا أن نتوقع من أطفالنا أن يكونوا أمناء فيجب علينا أن نربيهم كيف نكون أمناء نحن أولاً، ولنتذكر أن أطفالنا يتعلمون منا طوال الوقت، ولنتأكد بأن الدروس الحياتية اليومية التي نعلمها لأبنائنا هي الدروس الصحيحة المثالية.
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011