لم يكتب الله تعالى لي حتى اليوم أن أرزق بطفل، لكني لا شك رزقت بطفولة مميزة رسمتها أمي ببديهة الأمهات القديمة، وذكاء فطري جميل، فقد عززت أمي ثقتي بنفسي كطفل من خلال مجموعة من التصرفات ربما قامت بها دون قصد، لكني أجمعها اليوم بقصد أن تسهم بمنح أبنائنا فرصة لتعزيز ثقتهم بأنفسهم،…
لتعزيز ثقة طفلك بنفسه:
-
"من فضلك" "لو سمحت" "شكرًا":
كلمات بسيطة لكنها مهمة تسهم في جعل الطفل يثق بقدرته على العطاء، وصقل بعض المهارات الاجتماعية لديه.
-
"القرد في عين امه غزال":
كثيراً ما تحدثت أمي عن رسوماتي البشعة أو موضوع التعبير الضعيف الذي أكتبه أو مهاراتي السيئة في الغناء بشكل إيجابي أمام الآخرين في دهاء خفي، يعزز ثقتي بما أقوم به من مهارات، حتى استطعت الحصول على علامات جيدة في الرسم والتعبير… ولكنها توقفت عن مدح الغناء عند نقطة معينة!… ربما لم يكن صوتي جميلاً فعلاً… المهم من هذه النقطة هو مدح مهارات أو سلوكيات الطفل الإيجابية أمام الآخرين دون مبالغة، وذلك بهدف تطوير وتعزيز هذه المهارات والسلوكيات.
-
حصة التدبير المنزلي:
لعلها من المهارات المهمة التي كانت أمي تسهم بها في تعزيز ثقتي بنفسي، فمثلاً مسألة مساعدتها في تنظيف المنزل أو تعلم مهارة قلي البيض أو التسوق للمنزل واختيار الخضار المناسبة، أسهم في تعزيز ثقتي بنفسي بين أقراني من الأطفال المترفين، مما جعلني قائدا في بعض الأمور التي تحتاج إلى مهارات خاصة.
-
حقيبة الإنجازات:
احتفظت أمي بشهاداتي المدرسية؛ رسوماتي، أوراقي وبعض الصور في حقيبة خاصة أو صندوق ملون، أي ظهور لي في احد الصحف بشكل أنيق. وكانت تعتني بالحقيبة بمحبة كبيرة، جعلتني أشعر أن إنجازاتي هامة، وعلي بذل المزيد من الجهد لإثراء الحقيبة وفي الحقيقة هي تعبر عن شخصيتي وحياتي.
-
حزب وطني :
أمي ليست سيدة متعلمة ولم تنخرط بأي حزب سياسي أو نشاط سياسي، ولكني اذكر تماماً بحكم إقامتنا خارج الوطن، أنها علقت خريطة كبيرة لوطننا، وكثيرا ما عملت مع أبي لسرد بعض الحكايات عن الوطن وتاريخه، كما كنا نشارك في معارض واحتفالات الجالية الخاصة بنا، وفي المقابل المشاركة في الاحتفالات الوطنية في البلد الذي نقيم فيه والحرص على معرفة تاريخه وزيارة الأماكن الأثرية فيه لتعزيز الانتماء لمجتمعك المحيط، وبالتالي تعزيز الاتجاهات الوطنية والانتماء الذي يعزز ثقة الطفل بنفسه.
-
الكتاب على قائمة التسوق:
كان شراء مجلة أو كتاب هو موضوع الحديث الأسبوعي، فمعرفة أيها الأنسب ومسألة العقاب والثواب في شراء الكتاب والمحافظة عليه، عزز لدي مهارات الاختيار وتقييم الكتب وتحمل مسؤولية خياراتي، ورسم اتجاهاتي وعاداتي حتى غدت مجلة "ماجد" و"العربي الصغير" ومن ثم "العربي" مجلاتي الأسبوعية التي اقتنيها من مصروفي الخاص، ولاهتمامي بالفنون كنت اشتري مجلة " الموعد" مع تحفظ والدتي على شرائها ولكنه كان خياري، والمجلات والكتب كلها تخضع للرقابة من قبل أمي من خلال مشاركتي في قراءتها وبالتالي مناقشتي بما تراه يحتاج لبعض التوجيه، أظن أن هذه المسألة تنطبق على المواقع الإلكترونية اليوم.
-
ضيف شرف:
لم تكن أمي من هواة حفلات أعياد الميلاد، ولكنها وخلال اجتماع لعائلتي الممتدة أقامت لي حفلا كنت ضيف الشرف فيه لعيد ميلادي وهدايا مميزة، وهو الأمر الذي جعلني أشعر بمكانتي ضمن الاسرة والمجتمع المحيط بي.
-
دليل الاستخدام:
لكل جهاز دليل استخدام أو تعليمات لاستخدام أو تركيب لعبة، إن تعليم الطفل استخدام الدليل يعلمه التفكير المنطقي والمنظم.
-
الكشافة:
بذلت أمي مجهوداً كبيراً لاقناعي بالانضمام للكشافة، وهو الأمر الذي أسهم بأن اتخذ قرار الانضمام إلى الكشافة للاكتشاف وحرية اختيار الاستمرار في الكشافة أم لا بناء على تجربتي، وتدرجت في الكشافة حتى أصبحت قائداً كشفياً.
-
تسوق الملابس:
اذكر أنني كنت في الحادية عشرة من عمري عندما نزلت إلى السوق وحدي اشتريت سترة لفصل الشتاء ضمن ميزانية محددة، وتفاوضت مع البائع، وقد جاءت هذه الخطوة بشكل تدريجي عندما كنت اختار ماذا أرتدي من الملابس المتوفرة، وشرح أمي لماذا علينا أن نختار هذه القطعة لشرائها وليست تلك، ومن ثم الإشراف على خيارات الشراء بحضورها.. حتى وصلت لقرار الشراء والمفاوضة وحدي في سن مبكرة.
-
التطوع:
كان التطوع إحدى سمات تربية أمي، حتى أصبح التطوع جزءاً من حياتي وهواياتي وفتح لي آفاقاً مختلفة من الفرص.
-
مجلس الاسرة:
كان خيار مغادرة البلد الذي نقيم فيه قراراً لا خيار للأسرة فيه، وقد تم اتخاذه فعلاً قبل طرحه على مستوى العائلة وطرحه كخيار تم أخذ رأي الجميع، لنتحمل المسؤولية بشكل جماعي، وهو ما جعلني أشعر كطفل بأنني جزء من هذا القرار وعلي تحمل مسؤوليته معهم.
-
العمل الصيفي:
بغض النظر عن مبررات العمل الصيفي ولكن قرار العمل في إجازة الصيف، عزز لدي مفاهيمي عن أهمية العمل وإيجاد خيارات مختلفة للعمل، بتشجيع كبير من والدتي وتحفيز عال، والحقيقة يغبطني أصدقائي اليوم على الفرصة التي أتيحت لي بالأعمال الصيفية.
-
الاعتذار عند الخطأ:
كانت أمي تعتذر بطريقة لطيفة عند ارتكابها لخطأ ما معي، عزز لدي أن قولة "آسف" ليست كلمة عابرة إنما هي تعبير عن ندم، وعهد بعدم تكرار ذلك التصرف.
-
البرنامج اليومي:
تملك والدتي برنامجاً يومياً منظماً مع بعض المرونة التي تقتل الروتين، والذي أسهم في مسألة استثمار الوقت لدى كافة أفراد الاسرة، واستعراض المنجزات اليومية يجعلنا نتخذ قرارات استثمار الوقت بحكمة لاستعراضها بشكل يومي وبفخر، أذكر أني كنت أنام باكراً عندما لا أنجز شيئا مهماً.
-
حكايات:
أمي ككل الأمهات القديمات، مستودع للحكايات، فبجانب الحكايات الشعبية وحكايات الكتب التي نشتريها معاً، كانت تحكي حكايتها فعرفت عنها الكثير وعن أسرارها وذكرياتها وبعض حكايات الاسرة، وهو الأمر الذي عزز لدي الثقة بحكاياتي والأحداث اليومية التي تحدث لي.
-
اوتوغراف:
أمي تحترم الورقة والكلمة المكتوبة، لذا كان لدينا طقس طفولي بالاحتفاظ بكتابة مذكراتنا أو كتابة مشاعرنا، وهو الأمر الذي عزز لدي احترام ما نكتب وما نبوح به للورق، وعزز لدي مهارات الكتابة.
-
الاكتشافات الجديدة:
لا تخجل أمي من الاعتراف بأنها لا تعرف كيفية عمل جهاز ما أو مكان ما، فكانت سيدة الاكتشافات الجديدة، تتعلم معي كيفية صنع كعكة ما أو زيارة مكان ما أو تعلم مهارة، مما جعلني مستعداً للاكتشافات الجديدة، وأثق بقدرتي على التعلم حتى اليوم.
-
بالأحضان:
لم تكن أمي تكثف التعبير عن مشاعرها بطريقة جسدية، اذكر احتضاناتها لي، واذكر متى داعبت شعري، والمرات القليلة التي قالت لي فيها إنها تحبني.
قد يكون هناك المزيد من النصائح التي تعزز ثقة الطفل بنفسه، تبعاً لشخصية الطفل وثقافة الأسرة والمجتمع، ولكن في النهاية المشاركة هي أساس قوي لتربية الطفل وتعزيز ثقته بنفسه، ولكن جمع بعض هذه النصائح هي تحية مجرد تحية لأمي وأسلوبها التربوي.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”