كنت قد حضرت قبل فترة حلقة نقاشية تناولت عدداً من المواضيع تطرق أحدها لـ (مواصفات الخريج الجامعي المؤهل) الذي يتخرج من جامعاتنا وأقصد بذلك الخريجين الذين يحملون المواصفات المطلوبة التي تلبي الحاجة الوطنية. ولا شك أن مثل هذا الأمر يتسم بأهمية كبيرة لأنه ينطلق من فرضية أن الحاجات الوطنية من هذا النمط يمكن تحديدها بنجاح وعليه يمكن التمييز بين الخريج (المؤهل) و(غير المؤهل).
هناك ثلاث وجهات نظر محتملة تتعلق بهذا الأمر، الأولى أن الخريجين المناسبين هم أولئك الذين تخرجوا بعد إكمال المقررات الدراسية التي رغبوا بدراستها هم أنفسهم دون الالتفات إلى أهمية تلك المقررات لأية جهة أخرى وبضمنها الحكومة. ووجهة النظر الثانية تقف موقف الضد من ذلك بمعنى أن هناك اهتماماً عاماً للتيقن من أن هناك تدفقاً فعلياً للخريجين الذين اكتسبوا المهارات التي تتواءم والحاجة المحددة لذلك. أما وجهة النظر الثالثة فتتوسط وجهتي النظر السابقتين.
غير أن المشكلة القائمة اليوم تتمثل في أن وجهات النظر الثلاث تلك لا تجد طريقها إلى أرض الواقع في الأعم الأغلب فمن غير الممكن القول إن لدى الطلبة حرية الاختيار نظراً لوجود ضغوط من أطراف أخرى ومنهم أولياء الأمور. كما لا توجد ثمة سيطرة من جانب الدولة. وهنا ربما يتبادر إلى الذهن نموذج (وجهة النظر الوسطى) الذي يحل مثل هذه المشكلة، لكن واقع الأمر يقول خلاف ذلك فما يقيد الاختيار الحر ليس الأولويات الوطنية فحسب إنما التشويهات الاصطناعية الخاصة ذات الصلة بتمويل التعليم العالي الممزوجة بتقلبات التوظيف في الجامعة وآليات الاختيار.
وهناك بعض الأمور العامة التي يتعين التطرق إليها حول الخريجين (المؤهلين)، فربما يذهب البعض إلى أن الخريجين الذين تفوقوا في دراستهم هم من يمثل الخريجين الجامعيين الحقيقيين في سائر الحقول المعرفية. ثم أن أي خريج اكتسب المهارات القابلة للنقل، التي سوف تدعم التطور الاقتصادي والاجتماعي، هو الخريج (المؤهل) وإن كان الموضوع الدراسي الذي درسه لا يمت بصلة لقطاع الأعمال الذي يرصده الخريجون هذه الأيام.
من جانب آخر أرى أن للتعليم العالي دوراً حاسماً في تحقيق توزيع أفضل للمهارات والمؤهلات الخاصة لمصلحة البلاد، ففيما يخص الوضع في أسكوتلندا ـ على سبيل المثال ـ هناك جدل متواصل عن المدى الذي يؤهل في ضوئه النظام التعليمي خريجين بأعداد كافية يمتلكون مهارات في حقول مثل هندسة النفط أو الجيولوجيا البحرية. هنا لابد من طرح أسئلة مثل: هل يسهّل مثل هذا الأمر توفير فرص عمل للطلبة؟ إذا كانت الإجابة بالسلب، هل يتعين على الجهات الممولة والجامعات تجاهل متطلبات سوق العمل؟
تأسيساً على ذلك، هل يمكن إقناع الطلبة بأن يأخذوا بعين الاعتبار المقررات الدراسية التي تم تحديد الحاجة الوطنية إليها؟ أو هل ندعهم يختارون المقررات التي تروق لهم؟ هل يتعين علينا أن نفكر مليّاً في نظام تأخذ فيه برامج الدراسات الأولية ووحدات القياس التعليمية طابع نموذج أدبي ليبرالي ويقتصر فيه الاختصاص على برامج الدراسات العليا والبحث؟
أخشى بعد كل هذا الذي ذكرناه أن تكون إجراءاتنا قاصرة في هذه البلاد لعدم وجود إجماع حول هدف التعليم العالي. فهل نتطلع إلى برامج تعليم عالٍ تتماشى مع الاحتياجات الوطنية على نحو أكثر مباشرة؟ وهل يوفر التعليم العالي المناهج الدراسية التي يرغب بها الطلبة؟ ربما يكون من المناسب أن تعمل مختلف المؤسسات التعليمية أو أقسام مختلفة من داخل المؤسسة التربوية الواحدة على النظر إلى مثل هذا السؤال بشكل مختلف؟ على أن الدرس الحقيقي الذي نستخلصه من كل ذلك أن مثل هذا السؤال لا ينتظر إجابة شافية.
بقلم رئيس جامعة روبرت غوردون ـ أبردين (أسكوتلندا)
المصدر:
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.