بقلم المستشار الدكتور خالد علي السلامي
يُحيي العالم في 21 مارس من كل عام اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري.
يذكرنا هذا اليوم بضرورة احترام الآخرين من أجل ضمان احترام الذات واحترام مجتمعاتنا، وبأنّ البشريّة تشكّل عائلة واحدة توحدها التطلعات المشتركة والمصير الواحد إذ لا يمكن تحقيق السلام الدائم إلا على أساس المساواة وضمان كرامة كل رجل وامرأة بصرف النظر عن العرق أو الدين أو نوع الجنس أو الحالة الاجتماعية-الاقتصادية أو أي خلفية أخرى.
ولا يمكن اعتبار ذلك أمراً مفرغاً، فقد تم تحقيق تقدم كبير في تنفيذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لكن التمييز العنصري والكراهية بما في ذلك الأعمال والجرائم المرتكبة بدافع الكراهية ما زالت واسعة الانتشار حول العالم.
تتفاقم هذه التهديدات مع تزايد حالات عدم المساواة والتهميش والإقصاء، ما يضعف نسيج المجتمعات.
يجسّد التسامح والاحترام أعمالاً نتحرر بها من كل هذه التهديدات لنكنّ للآخرين نفس القدر من الاحترام الذي نكنه لأنفسنا رغم اختلافهم ونتخذ من ثروات ثقافة ما ثروة مشتركة للجميع.
يجب أن يتم تلقين هذه القيم، فإن التعليم يشكّل الوسيلة الأقوى لدرء التطرف والقضاء على التمييز العنصري. ولذلك، تسعى اليونسكو إلى النهوض بالتعليم بشأن حقوق الإنسان حول العالم، بالإضافة إلى تطوير أساليب جديدة للتعليم من أجل المواطنة العالميّة.
فسواء داخل الصفوف الدراسية أو خارجها، يجب علينا البدء في وقت مبكر بتعليم قيم الاحترام والتسامح والتضامن من خلال تعزيز الرياضة وإشراك الشباب، وصون تاريخ البشريّة المشترك، وتعزيز إقامة تحالفات جديدة للتصدي للتمييز العنصري أينما كان.
تُعتبر العُنصرية واحدةً من أسوأ السُلوكيات، والأمراض التي تُمارس في العديد من المُجتمعات، والتي تقوم على استعباد الناس والتعامل معهم بشكل غير إنساني، كما وتقوم على سلب حقوق الأشخاص الذين ينتمون إلى عروق وأديان مُعينة، ويُمكن أن تُمارَس العُنصرية أيضاً ضِدَ الأشخاص من ثقافة مُعينة، أو حسب مكان السكن، أو العادات، أو المُعتقدات، أو اللغة وحتى لون البشرة.
ولله الحمد نعيش في دولة تحترم الإنسان، ولها سجلّ حافل في محاربة التمييز بكل أشكاله.
ينسجم نظام دولة الإمارات العربية المتحدة القضائي مع القانون الدولي الإنساني المنبثق من اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتِها، كما ترفض كلّ أشكال التمييز العنصري وتعدُّه جريمة وفقاً للمادة 102 من قانون العقوبات.
ومن خلال هذه القوانين الرادعة المميّزة تكون دولة الإمارات العربية المتحدة قد سبقت العديد من دول العالم التي خلَت منظوماتها التشريعية من تشريع خاص بالتمييز، وهو ما يعدُّ تعزيزاً وتطبيقاً حرفيّاً لمدى احترام الإمارات لحقوق الإنسان، وتطبيقها للاتفاقية الدولية بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
لقد امتلكت دولة الإمارات العربية المتحدة سجلّاً حافلاً في مجال حماية وتعزيز الحريات الأساسية للأفراد وحقوقهم القانونية، وتُسهم بفاعلية في الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى صون تلك الحقوق، فأقرّت، على سبيل المثال، خطوات تشريعية وممارسات متقدّمة لتعزيز حماية الحقوق العمالية، حيث صادقت على تسع من الاتفاقيات الرئيسية لمنظمة العمل الدولية ذات الصلة، واتخذت إجراءات تتفق مع المعايير المعمول بها دوليّاً في هذا الصعيد، لتحافظ بذلك على موقعها المتقدّم عالميّاً في جذْب العمالة الأجنبية، وتحولت إلى حاضنة للخبرات والكفاءات من جميع دول العالم.
كما تعمل الإمارات بجهد دؤوب على إبراز أهمية تعزيز مشاركة الأفراد وتمثيلهم بفاعلية في جميع مجالات صنع القرار، بما يكافح التمييز ويمنع وقوعه، عبْر استكمال منظومة من التشريعات، ترعى حقوق الإنسان وتصون كرامته وحرّيته، دون النظر إلى دينه أو عرقه أو لغته أو جنسه، انطلاقاً من قاعدة مفادها أن الجميع سواء، لا بل الذهاب إلى أبعد من ذلك، من خلال تقديم كل ممكنات الدعم والتمكين للفئات الاجتماعية والعمرية كافة، فنلحظ العدالة التي تحظى بها النساء في الدولة، ونلمَس حجم الإصرار على حماية حقوق الأطفال وكبار المواطنين والشباب، ونستشعر مقدار التمكين الذي يناله أصحاب الهمم، حتى باتوا أعضاء فاعلين ومسهمين في مسيرة نهضة الدولة التنموية.
وأخيراً نَحمَدُ الله عزَّ وجلَّ الذيّ أكرمَنا بالدين الإسلامي الحنيف، هذا الدين الذي لا يُميزُ بين أحدٍ من البَشر، وإنمَّا حارب العُنصرية بكافةِ أشكالها، كما أنَّه جَعلَ الميزان بينَ جميعِ الناس، هو ميزان التَقوى والعَمل الصالح، وفي خُطبةِ رسولُ الله صل الله عليه وسلم في وسطِ أيامِ التَشريق قالَ: (يا أيُّها الناس ألا إنَّ ربكُم واحد وإنَّ أباكُم واحد، ألا لا فَضلَ لعربيّ على أعجميّ، ولا لعَجميّ على عربيّ، ولا لأحمرٍ على أسود، ولا أسودٍ على أحمر، إلا بالتقوى، أبَلغت؟ قالوا: بَلَّغَ رسولُ الله صل الله عليه وسلم). وسَنذكُرُ لكم حادثةً عن تطبيقِ الرسولِ صل الله عليه وسلم لمَبدأ المُساواة، وعدمَ التمييز بين الناس، فعندما قامت المرأةُ المَخزومية بالسرقة، وثَبُتَ ارتكابها لهذا الجُرمِ، ويَجِبُ أن يُقام عليها الحَد، لجأت قُريش إلى أسامة بن زيد، ليَشفَعَ لها عندَ رسولِ الله صلَّ الله عليه وسلم، وذلكَ لما كان لأُسرتها من مَكانةٍ عاليةٍ ورِفعَة، وعندما طَلَبَ أسامة ذلكَ من رسولِ الله، قالَ رسولُ الله صل الله عليه وسلم: (أتشفعُ في حدٍ من حدودِ الله يا أسامة؟ إنمّا أهلُكَ الذينَّ من قَبلكُم أنَّهم كانوا إذا سَرَقَ فيهم الشريفَ تركوه، وإذا سَرَقَ فيهم الضَعيفُ أقاموا عليه الحَد، وأيم الله، لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها ). وقال الله عز وجل في كتابه الكريم: (يا أيُّها الناسُ إنَّا خلقناكُم من ذكرٍ وأنثى وجَعلناكُم شُعوباً وقَبائل لتعارفوا إن أكرمكُم عند الله أتقاكُم إنَّ الله عليمٌ خبير).
خالد علي ال عبد السلام الشهير خالد السلامي
- دكتوراه في إدارة الأعمال ,دبلوم في العلاقات الدبلوماسية والسياسية
- رئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة بالإمارات
- مدير عام مركز تسهيل
- مدير عام تفاصيل للاستشارات والدراسات القانونية
- رئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام
- رئيس مجتمع الإنترنت الرقمي بدولة الامارات العربية المتحدة
- عضو معهد لاهاي لحقوق الانسان والقانون الدولي
- رئيس مجلس أمناء منظمة همم عالية لرعاية ذوي الإعاقة في السودان بدولة الامارات العربية