كنت في بداية حياتي الدراسية طالباً مجتهداً وطموحاً جداً. وكنت أعمل ساعتين في اليوم في أحد المصارف. وبسبب طموحي قررت الالتحاق بالجامعة حيث تم قبولي في الفصل الدراسي الذي يبدأ في شهر يونيو / حزيران من عام 1974. بعد أيام تلقيت رسالة القبول في الجامعة وفيها ورد اسم الأستاذ المرشد الأكاديمي. اعتبرت ذلك إشعاراً للاتصال بذلك الأستاذ وبالفعل طرقت بابه قبل ثلاثة أشهر ونصف من بدء الفصل الدراسي! اندهش مشرفي كثيراً من هذه المراجعة المبكرة جداً له. وحين بدأ الفصل الدراسي أثرت استغرابه مرات عديدة لأنني تعودت زيارته مراراً وتكراراً! كم كنت مجتهداً حينذاك؟!
في إحدى المرات سألت الأستاذ المشرف عن عدد الساعات التي يمكن أن يمضيها الطلبة في القاعات الدراسية مع بدء الفصل الدراسي. علمت بعدئذ أن عليّ ان أتوقع 5 ساعات في الأسبوع وفي بعض الأحيان تصل إلى 6 ساعات. وهكذا انطلقت في دراستي، ولأنني شعرت أن مثل هذه الدراسة لا تأخذ مني الكثير من الجهد والوقت، سيما وأنني كنت في مقتبل العمر، قررت الالتحاق في اختصاص مغاير تماماً في جامعة محلية أخرى. وهكذا وجدت نفسي طالباً مسجلاً في برنامجين دراسيين مختلفين وفي جامعتين مختلفتين في الوقت ذاته.
لا شك أن الدراسة في الجامعة لا تقتصر على الساعات التي يمضيها الطالب في قاعة الدرس فحسب فالتعليم العالي يختلف عن التعليم الثانوي حيث يتعين على الطلبة الجامعيين أن يقرؤوا ويحللوا ما يقرؤون ومن ثم يمارسون عملية التقييم خارج إطار التعليم الرسمي وبعيداً عن متطلباته. غير أن العاملين في المجال الإعلامي يرون الأمر من منظور آخر مختلف تماماً فقد انتقدت إحدى المقالات التي نشرتها صحيفة (الديلي ميل) Daily Mail عدداً من الجامعات (البريطانية) لما يشعر به الطلبة من (ظلم واجحاف كبير) بسبب عدم كفاية الساعات الدراسية فجامعة يورك York، على سبيل المثال، تعطي طلبة التاريخ فيها أقل من 100 ساعة دراسية في العام الدراسي وهو رقم يقل عن ثلث الساعات التي يتلقاها طلبة قسم التاريخ في كلية لندن الجامعية University College London أو جامعة نورثامبتون Northampton. وإذا كان عدد الساعات الدراسية التي يمضيها الطلبة مع أساتذتهم هو ما يقرر جودة التعليم فعليك عندئذ أن تدرس الفيزياء في كلية لندن الإمبراطورية Imperial College London حيث تصل الساعات الدراسية حد 516 ساعة!
ترى ما جدوى ذلك وما أهميته؟ الجواب: لا نعلم لأننا لا ندري طبيعة طرق التدريس أو الوسائل التعليمية الأخرى التي تستخدمها تلك المؤسسات التعليمية. والأهم من ذلك أننا لا نملك فهما مشتركاً حقيقياً حول (شكل) التعليم أو (التعلّم) في وقتنا الحاضر فالطلبة اليوم هم غير أولئك الذين كانوا في عام 1974 فالكثيرون منهم يعملون بدوام كامل في مختلف الوظائف لكنهم يدرسون في الوقت ذاته. أما وسائل التعليم وأدواته ومنها التكنولوجيا فهي مختلفة تماماً وهي تستخدم لأغراض مختلفة من مقرر دراسي إلى آخر ومن مؤسسة تعليمية إلى أخرى.
هنا لابد أن نكون على بيّنة من أن أولئك الذين يعلقون على العمل الجامعي ربما لا يميلون إلى إعطاء الأهمية المطلوبة لكل تلك القضايا المعقدة فهم يريدون تقييم إنتاجيتنا وهم لهذا السبب يذهبون إلى ما يمكن فهمه وقياسه بسهولة. وربما يصل هذا الأمر حد التنديد ببعض الأساتذة الجامعيين المتفانين الذين يعملون بكل جدية لتزويد الطلبة بالمعرفة الرصينة وتقديم الدعم القوي لهم. من هنا يتعين على المؤسسات التربوية، خاصة الجامعات، أن تبيّن بكل وضوح، ما تقوم به من واجبات وكيفية تلبية احتياجات الطلبة. من ناحيتنا يتعين علينا أن نقبل في بعض الحالات أن الطلبة يحصلون في الواقع على أقل من احتياجاتهم العلمية المطلوبة.
المصدر:
www.universitydiary.wordpress.com
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.