تواصل مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية جهودها التي تستهدف دعم وتمكين وتعليم وتحسين حياة طلابها من ذوي الإعاقات المختلفة، ومنذ تطبيق نظام التعليم عن بعد في الدولة لمواجهة جائحة كورونا اتسعت جهود المدينة والعاملين فيها لتمتد خارج أسوار مبانيها وتلبي احتياجات طلابها الدارسين من المنزل وتقديم المساعدة والتأهيل اللازمين لذويهم حتى يتمكنوا من أداء دورهم في خدمة أبنائهم وتطوير مهاراتهم وتحسين أدائهم في النواحي الدراسية والحركية والنفسية والاجتماعية بأفضل الوسائل والخطط الممنهجة والمواكبة لأحدث المستويات العالمية ولضمان حصول طلاب المدينة من ذوي الإعاقة على أجود الخدمات وتحقيق أفضل النتائج المرجوة.
وفي السطور التالية سنقترب أكثر من عائلات بعض الطلاب من ذوي الإعاقات المختلفة الذين اختاروا لأبنائهم أسلوب الدراسة عن بعد، لنتعرف منهم على أهم الصعوبات والتحديات التي يواجهونها في تعليم وتطوير مهارات أطفالهم عن بعد وحجم المساعدة والدعم الذي يتلقونه من مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية لتجاوز هذه الصعوبات وتحقيق أفضل النتائج خلال فترة كورونا.
يحدثنا د. سيف محمد حسن عبد الله ـ متخصص في المجال الاستراتيجي ـ عن تجربته مع ابنه صقر (13 عاماً) من ذوي الإعاقة الذهنية (متلازمة داون) ويقول: (التحق ابني صقر بالخدمات الإنسانية منذ أن كان عمره 6 أشهر فقط وهو بطبعه طفل مرح ومطيع ويعشق الرياضة كثيراً، ولكن عندما بدأت جائحة كورونا اخترنا أسلوب الدراسة عن بعد لأنه يعتبر من الفئات ضعيفة المناعة فكان الهدف هو تقليل احتمالات العدوى والإصابة في حالة تكرار الخروج من المنزل والاحتكاك بالآخرين أثناء التنقل من وإلى البيت).
ويضيف: (هكذا لم تتوقف علاقتنا وتواصلنا مع مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية والعاملين فيها حيث سمح لنا نظام الدراسة عن بعد بالتواصل الدائم مع هيئة التدريس عبر شبكة الإنترنت وبرامج الإتصالات مثل (واتس أب) ولمسنا منهم التعاون الكامل والحرص على تقديم المعلومات بأسلوب محبب وبسيط للأطفال، بل وأصبح التواصل عبر أجهزة الكمبيوتر اللوحية كالآيباد وسيلة للعب والمرح واكتساب المهارات وتطويرها ولاحظنا التحسن في حياة صقر اليومية وتجاوبه معنا وهذا بالطبع لا ينفي أن حجم الاستفادة التي كان يحققها عند ذهابه إلى المدرسة في المدينة كان أكثر فعالية حيث أنه كان يستطيع التفاعل مع أقرانه وحضور التدريبات الرياضية على أرض الواقع في حين أنه يخضع حالياً لهذه التدريبات عبر التواصل الافتراضي والفيديوهات ولكنها تنجح في أن تحقق له قدراً من السعادة).
ويتابع متحدثاً عن حجم الصعوبات فيقول: (قلة الاحتكاك مع الآخرين تقلل فرص التكيف المجتمعي بالنسبة له بالإضافة إلى أن ضبط الإجراءات التقنية والتواصل عن بعد يسبب لنا أحياناً قدراً من الصعوبة وبالطبع يفتقد صقر أحياناً للفهم الجماعي ومشاركة أقرانه من المستوى نفس والقدرات نفسها وبالطبع تواجده في المدرسة يكون أسهل في توصيل المعلومة من خلال التعامل المباشر مع معلمته أما في المنزل فالمسؤولية تقع على كاهل والدته بشكل أكبر).
وتلتقط أم صقر خيط الحديث وتحدثنا عن تجربتها مع ابنها فتقول: (في البداية واجهنا صعوبات التكيف مع هذا الوضع الجديد ولولا صفات صقر الشخصية وكونه طفلاً مطيعاً ولديه قدر من الإصرار لواجهنا صعوبات شديدة في التكيف مع هذا الأمر، ومع مرور الوقت تأقلم صقر مع التعامل مع متطلبات التعليم عن بعد من خلال الكومبيوتر والآيباد وقد ساهم أسلوب التدريس الذي تتبعه معلمات مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في نجاح عملية التعليم عن بعد. حيث يتسم أسلوبهم بالمرونة والسهولة والاحترافية العالية. ويتلقى صقر حصصاً متنوعة تشمل الرياضيات واللغة العربية إلى جانب ممارسة الرياضة مع الحرص على إقامة ورش فنية لتشجيع الطلاب وتنمية مهاراتهم. وحالياً وعقب إعادة الفتح التدريجي شعرنا بحاجة صقر للعودة إلى الانتظام بالمدرسة لتحسين مهاراته الاجتماعية وحصوله على أكبر قدر من الاستفادة والتحصيل، وحالياً يذهب صقر إلى المدرسة يومين في الأسبوع ويدرس في البيت 3 أيام، وسواء كان داخل جدران المدرسة أو في البيت فإن دور مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في حياتنا يظل مؤثراً وشديد الأهمية).
أما عوضية الطيب والدة الطفلين محمد (13 عاماً) ورغد (11 عاماً) فتطلعنا على تجربتها مع أطفالها والتعليم عن بعد وتقول: (طفلاي الاثنان من فئة الإعاقة الذهنية والحركية لديهما ضعف في العضلات وقد فضلت أن يخضعا للتعليم عن بعد في ظروف كورونا خوفاً عليهما من العدوى رغم علمي بالتزام مدينة الخدمات الإنسانية بكافة الإجراءات الوقائية، وهذا الاختيار فرض عليّ عبء مساعدتهم على تلقي دروسهما عن بعد. ورغم صعوبة المسؤولية إلا أنني سبق أن مررت بالأصعب حيث كان لدي إبنة تعاني من نفس فئة الإعاقة وتوفاها الله بعمر 3 سنوات، ولذلك فأنا أبذل قصارى جهدي للوصول بأبنائي إلى أفضل مستوى ممكن من التكيف والتحسن).
وتضيف أن (الدراسة في البيت تفرض على الأهل مسؤولية كبيرة فأنا أجد صعوبة كبيرة في توصيل المعلومة لأنني لا أمتلك المهارات التي تمتلكها المعلمات بالمدرسة ولذلك أشعر أن المعلمات يبذلن جهداً مضاعفاً لإنجاح التعليم عن بعد لأنهن يقمن بتوجيه الأم إلى جانب توجيه الطفل وأقوم بتلقي الإرشادات من المعلمة ومن ثم أقوم بتطبيقها مع أطفالي وتصوير الأهداف بفيديوهات لتوضيح مدى استجابة الأطفال للتدريبات، وعقب حصولي على التوجيهات بالحصة افتراضياً أقوم بتطبيق ما تعلمته مع أطفالي).
وعن جهود المدينة وتعاون المعلمات تقول: (حجم التعاون والتفاني الذي وجدته من المعلمات لمساعدتنا لا يوصف فالتواصل مع المعلمات لا ينقطع خلال ساعات اليوم وحتى خلال العطلات الإسبوعية فالدراسة عن بعد تتطلب قدراً كبيراً من الجهد ليس فقط على الأم ولكن أيضاً على هيئة التدريس، هذا إلى جانب التواصل عبر منصة زووم. مع العلم أن طفليّ يذهبان مرة أسبوعياً لتلقي العلاج الطبيعي في المدينة، لذلك فإن الأمر يتطلب جهداً متواصلاً ومتابعة دائمة وهذا التعاون بيننا وبين المعلمات في المدينة هو سر نجاح هذه التجربة).
وتشاركنا علياء محمد سيد والدة الطفلة فاتنة محمود تجربتها مع طفلتها ذات الخمس سنوات وتقول: (ابنتي فاتنة التحقت بمركز التدخل المبكر التابع لمدينة الخدمات الإنسانية منذ عمر 3 سنوات، ومنذ دخولها إلى المدينة وجدنا فيها دفء العائلة وحنان الإخوات فكانت المعلمات يبادرن للتقرب مني ومساندتي نفسياً ومعنوياً وتدريبي لأتمكن من مساعدة طفلتي).
وتضيف: (منذ كانت ابنتي في عمر 6 أشهر اكتشفت أنها من ذوي متلازمة داون وكنت أنا نفسي أماً صغيرة في السن ولا أمتلك الخبرة الكافية وبحثت حينها عن مراكز متخصصة للاهتمام بالأشخاص ذوي الإعاقة ووجدت صعوبة شديدة في إلحاق إبنتي بها بسبب ارتفاع الأسعار، كما علمت أن بعض المدارس الخاصة التي تسمح بالدمج تغالي كثيراً في مصروفات الطلبة ذوي الإعاقة أكثر من غيرهم ولهذا فإنني أناشد القائمين عليها بالرأفة بأسر الأشخاص ذوي الإعاقة. إلى أن تواصلت مع مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية فوجدت لديهم ضالتي المنشودة فالأسعار أقل كثيراً من المراكز الخاصة والمستوى التعليمي فائق الجودة وكفاءة المعلمات والقائمين على المدينة أكثر من رائعة، وقد ساهمت جهود المدينة خلال العامين الماضيين في تحقيق تحسن كبير في سلوك ابنتي وتخلصت من كثير من مخاوفها فعلى سبيل المثال كانت تخشى الأصوات العالية ويصيبها الذعر وتخشى صعود الدرج أو نزوله ولكن مع مواصلة التدريبات والدروس أصبحت أكثر وعياً وإدراكاً).
وعن تجربة التعليم عن بعد وصعوباتها تقول: (أقوم بتلقي المحاضرات والحصص بتوجيهات من المعلمات وأقوم بتعليمها لطفلتي وتسجيل الفيديوهات والتواصل الدائم مع المعلمات حتى ساعات متأخرة من الليل وتستمر العملية طوال الأسبوع حيث أتواصل مع المعلمات بشكل دائم كلما كان لدي استفسار أو شكوى وتطورت علاقتي الإنسانية بالمعلمات فصرن مثل أخواتي، وحتى في حالات مرضي أجدهن يتصلن بي هاتفياً للاطمئنان على صحتي فالعلاقة بيننا تكاد تصبح أسرية ويشعرنني دائما بالتعاطف معي).
(وبالطبع ـ تقول السيدة علياء ـ هذا لا يمنع أن دور الأم في رعاية طفلة لديها مثل هذه الظروف هو دور في منتهى الصعوبة وكثيراً ما كنت أشعر بالإجهاد والإحباط وحالات بكاء من شدة التعب. فالأطفال ذوو الإعاقة عادة ما يحتاجون إلى مراقبة حثيثة طوال اليوم لتحسين السلوك والقدرة على التواصل وتطوير المهارات، ولكن كل شعوري بالتعب يذهب عندما ألاحظ أن ابنتي فاتنة تتطور كثيراً بعد تلقي الدروس عن بعد وأمضي معها ساعات يومياً لتطبيق التدريبات وتحقيق الأهداف، ولولا جهود وإخلاص معلمات المدينة في مساعدتنا وتدريبنا لأصبحت مهمتنا بالغة الصعوبة والتعقيد).
تحدثنا د. سامية صالح مديرة مدرسة الوفاء لتنمية القدرات بالمدينة عن نوع الصعوبات التي يواجهها بعض الطلاب من ذوي الإعاقة في التعليم عن بعد وآليات الدعم التي تقدمها المدينة فتقول: (تفضل بعض عائلات الطلبة من ذوي الإعاقة خضوع أبنائهم لتجربة التعليم عن بعد وكان التفضيل مرتبطاً ببعض المؤشرات من أكثرها وضوحاً: المشكلات الصحية التي تكون مصاحبة للطالب، صعوبة إتباع الطالب للإجراءات الاحترازية، ومخاوف الأسرة من فكرة الاختلاط لهذه الفئة.
(ومن اهم الصعوبات التي تواجه الطفل من ذوي الإعاقة في عملية التعلم عن بعد: فقدان الدافعية تجاه عملية التعلم بسبب فقدان التواصل المباشر بالإضافة الى المحدودية في عملية الأساليب المستخدمة في الدرس).
(كما تواجه الأسر ـ والحديث للدكتورة سامية ـ بعض التحديات تتمثل في صعوبة تقيد الطفل بالأوقات المحددة له من خلال منصات التعليم المختلفة، وعدم معرفة الأسر بالأساليب التي يتم من خلالها دعم عملية التعلم، بالإضافة إلى محدودية القدرة في بعض الأحيان على إدارة السلوكيات التي تظهر أثناء عملية التعلم).
وتختتم د. صالح بالحديث عن آليات دعم الأسر في المدينة فتقول: (يتم دعم الأسر من خلال عدة آليات أهمها: تقديم المعلومات التي تساعدهم في متابعة عملية تعليم أبنائهم من خلال المحاضرات وورش العمل، ودعم الأسر أثناء عملية تدريب أبنائهم من خلال وجود المعلم في الجلسة بصورة افتراضية، وتصوير الأسر لعملية تدريب أبنائهم والنقاش مع المعلمين وتقديم تقييم للأداء والنتائج).
صحافية في جريدة الخليج