إعداد : هيئة التحرير
من هي إخلاص ؟ وما هي قصتها ؟
لتتعرفوا عليها نسرد لكم مسيرتها من الولادة لحين التوظيف في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية الذي تعتبره بيتها الثاني
وإليكم بطاقتها الشخصية
- لبنانية من بلدة عيناتا في الجنوب اللبناني ومن مواليد الكويت
- ولدت بتشوه خلقي شديد في القدمين وخفيف في أطرافها العلوية لا يعيقها عن أداء عملها سواء في المكتب أو المنزل، وتستخدم طرفين صناعيين في التنقل بعد أن أجريت لها عمليتا بتر وتصحيح.
- حاصلة على شهادة الثانوية العامة علمي من مدرسة الغبيبة بالشارقة وشهادة من معهد الطليعة في الشارقة بأنظمة تشغيل الكمبيوتر والويندوز.
- تعمل منذ عام 1992 موظفة استقبال وسكرتاريا في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- حصلت في 10 أغسطس 1998 على رخصة قيادة سيارة خفيفة بعد شهرين من التدريب في معهد الشارقة للسياقة.
- تعمل حاليا موظفة استقبال وسكرتاريا بمركز التدخل المبكر التابع لمدينة الشارقة للخدمات الانسانية
نبدأ بكلمات في منتهى الدلالة اختتمت بها اخلاص قعفراني الموظفة في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية لقاءنا معها: (هل هناك أكثر من محبة الإنسان لنفسه.. نعم فأنا أحب عملي أكثر من نفسي فأخلص له بكل صدق وأشعر أنه ذاتي التي أحبها وأعيش من أجلها) .. حقاً لقد تعلمت اخلاص حب ذاتها التي لم تنفصل لحظة واحدة عن أهلها ومدرستها وزملائها في العمل وتعالت على إعاقتها ليس تحدياً ومواجهة مع الآخرين وإنما محبة وشفافية وروحاً مرحة لا تنفك تنشر البسمة على وجوه من حولها فاستطاعت أن تصل إلى أعلى درجات الاستقلالية وتعيش حياتها وتعمل كأي إنسان طبيعي آخر..
أنا والإعاقة وخطأ الطبيبة!
عندي تشوه خلقي في قدمي منذ ولادتي، وكنت أستطيع المشي عليها ولكن بشكل أقرب إلى الزحف منه إلى المشي. وسبب هذا التشوه كما تقول والدتي أنها عندما كانت حاملاً بي في الشهر الثالث، انتشر يومها وباء الكوليرا، وعند مراجعتها لإحدى العيادات أصرت الطبيبة أن تعطيها دواء معيناً.. ذكرتها والدتي أن الحامل في الشهر الثالث لا يجوز أن تعطى أدوية إلا أن الطبيبة أصرت وحصل ما حصل. وقد تعرضت الطبيبة بعد ولادتي للمساءلة ولكن حجتها كانت أنها أعطت مثل هذا الدواء لحوامل أخريات ولم تسمع أن إحداهن تعرض مولودها لمثل ما تعرضت له.. وهذا كل شيء! لم يرو لي أحد بعدها هل عوقبت الطبيبة على فعلتها أو هل تم اتخاذ اجراءات تحول دون تكرار ما حصل مع والدتي وأصابني وحدي.
عشت طفولتي كما ينبغي ولم يحل وضعي الخاص دون دخولي المدرسة، فدرست الصف الأول في مدارس الكويت وكان والدي الطيب يحملني في الصباح الباكر من البيت حتى مقعدي في الصف ويعود ظهراً ليأخذني من مكاني عينه إلى البيت، فقد كنت وقتها ألازم الصف، والسبب في ذلك ليس عدم مقدرتي على التحرك ولكن لأن أرضية المدرسة كانت مفروشة بالحصى!
شجعوني على الدراسة
أمضيت سنتين في هذه المدرسة انتقلت عائلتي بعدها إلى أبو ظبي وسجلني والدي في مدرسة حليمة السعدية وكنت وقتها في الصف الثالث الابتدائي، ورغم ظروف الانتقال وافتقادي للصحبات القديمة إلا أنني وجدت عند مدرساتي وزميلاتي الجدد تفهماً وتعاوناً لا يقل عن تفهم زميلاتي ومدرساتي في الكويت، وكان الجميع بما فيهم أهلي بالطبع يشجعوني لأن أعيش حياتي وأمضي في دراستي كأي إنسان عادي لا ينقصه شيء.
كنت أقربهنّ إلى الأرض!
كانت مدرستي الجديدة كبيرة جداً تضم جميع المراحل الدراسية من الصف الأول الابتدائي وحتى الثالث الثانوي وبالطبع فإن أعمار الطالبات تتراوح بين السادسة والثامنة عشرة مما عمق إحساسي بالصغر وزاد في ذلك الشعور صغر عمري وعدم وجود ساقين لدي فكنت أقرب إلى الأرض من أية طالبة أخرى. ورغم هذا فقد كنت أتمتع بقدر لا بأس به من الجرأة لأتحدث إلى هذا العدد الكبير من الطالبات في الإذاعة المدرسية الصباحية، وكان من الصعب تقصير (المايكروفون) ليتناسب مع طولي فكانت معلمتي تضع لي كرسياً اعتليه وأقدم لزميلاتي ملخصاً عن نشاطات المدرسة وكلمة الصباح.
مضت دراستي الابتدائية اعتيادية كيوم بدأت في الكويت ولكن مع مقدرتي على التنقل داخل المدرسة لأن الأرضية هنا كانت مهيئة. في الصف السادس كنت مسؤولة عن الفصل وأوجه زميلاتي اللواتي كن يتجاوبن معي إلى أهمية الانضباط والالتزام بضوابط المدرسة، فقد كنت أتمنى أن أصبح مدرسة مستقبلاً لشدة ما أحببت مدرساتي والدور الذي يقمن به فقد كن خير قدوة لي في كل مجال وخير مساعد لي هم وأهلي على تجاوز إعاقتي.
أقدامي الجديدة!
انتقلت إلى مدرسة فلسطين في أبو ظبي لمتابعة دراستي الإعدادية وكانت هذه المرحلة بالنسبة لي نقلة نوعية في حياتي، بعد أن سمع الدكتور مدحت عفيفي بحالتي وتساءل بعد أن رآني لماذا لم ينصحني أحد بإجراء عملية تصحيح للأطراف وتركيب أطراف صناعية في وقت مبكر أكثر!
أذكر أن أهلي لم يتركوا طبيباً إلا وسألوه عن حالتي، فكانوا يقولون لهم إنها صغيرة ولا ضرورة لإجراء عملية جراحية لها إلا إذا أردتم أن تكون تجميلية!
لم يقتنع الدكتور عفيفي بهذا الكلام وقال الآن يمكننا أن نركب لها أطرافاً صناعية بدون أن نجري لها عملية جراحية واحدة وتستطيع أن تمشي بها بدل أن تزحف على الأرض.
وبالفعل تم ذلك، ولكن الأطراف الصناعية كانت مؤلمة ومتعبة جداً وخصوصاً أن صفي كان في الطابق الثاني حتى قبل نهاية دراستي الثانوية في ثانوية الزهراء بالشارقة.
شاهدني بعد ذلك الدكتور عثمان دبوس وكان رأيه أنه لابد من بتر الساق لأنها معرضة للجروح والتلوث بسبب الاحتكاك وقد تحدث فيها بعض الانتانات! صدمت أنا وأهلي لهذا الرأي ولكن الأسباب التي قدمها الطبيب كانت مقنعة جداً، وأجريت لي عمليتان جراحيتان ناجحتان لقدمي، وكانت المرحلة الثانية اجراء عملية بتر وتصحيح لوضع الركبة المقلوب والتي لم تكن مستخدمة في الساق اليسرى.. وبعد نجاح العملية وتماثلي للشفاء طلب مني الدكتور دبوس أن أثني ركبتي.. لم أصدق طلبه.. وكم كانت سعادتي عظيمة عندما قمت بذلك.. الآن كل من يكشف على ساقي لا يشك أن هناك عملية تصحيح لوضع مقلوب تمت فيها وأنها طبيعية.
الامتحان في غرفة المستشفى!
العملية الجراحية الثانية في قدمي اليمنى كانت أفضل من الأولى والسبب في ذلك هو وضعيتها الأفضل واستخدمها الآن بسهولة ويسر أكثر من القدم اليسار، ولكن توقيت العملية لم يكن جيداً فقد أجريت لي قبيل امتحان شهادة الثانوية، وخفت أنني قد أكون مضطرة للتضحية بشهادتي الثانوية مقابل العملية، لكن لجنة الامتحانات في التربية كان لها رأي آخر إذ شكلت لجنة خاصة لإجراء امتحان الثانوية لي وأنا على سريري في المستشفى.. وكانت لفتة طيبة لا أنساها.
نجحت مرتين في الثانوية!
لم أجد صعوبة في مراجعة المواد قبيل الامتحان وكانت أصعب مادة بالنسبة لي مادة الفيزياء والكيمياء، أما الرياضيات فكنت موهوبة بها، وكانت مدرساتي يساعدنني في هاتين المادتين. ورغم أن طموحاتي كبيرة إلا أن ظروفي حالت دون حصولي على تقدير عال في امتحان الثانوية.
لم تعجبني نتيجتي في الثانوية وانتقلت إلى مدرسة الغبيبة في الشارقة وتقدمت لامتحان الثانوية مرة ثانية إلا أن ظروف الانتقال والاجواء الجديدة لم تساعدني على رفع معدلي اللهم سوى بعض درجات قليلة. اقتنعت بنتيجتي والتحقت بمعهد الطليعة للكمبيوتر في الشارقة ودرست فيه لمدة سنة كاملة مواد السكرتاريا الشاملة والطباعة وأنظمة التشغيل.
سلبوني حقي في العمل!
وتخرجت من المعهد بنجاح إلا أن صدمتي كانت كبيرة حين جربت مرتين أن أحصل على وظيفة ملائمة عملت في إحدى الشركات لمدة شهر واحد وفي الثانية لمدة 52 يوماً وفي المرتين لم أوفق.. والسبب في غاية البساطة هم أصحاب العمل الذين لم يتفهموا حالتي ولم يثقوا بقدراتي فسلبوني حقي في العمل!
العمل في المدينة الإنسانية
كنت في الوقت نفسه قد تقدمت بطلب للعمل في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.. لم يطل انتظاري واتصلوا بي للمجيء والعمل لديهم كبديلة مؤقتة لمن أصبحت بعدها صديقتي موزه أحمد التي علمتني كيف أرد على الهاتف وأرتب المواعيد وغيرها من المهام. قابلت الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي مدير عام المدينة وشعرت من اللحظة الأولى أنني سآخذ فرصتي حقاً وبالفعل وجدت تشجيعاً كبيراً منها بدد مخاوفي التي سيطرت عليّ من تجربتي السابقتين، وكان أول عملي في المدينة موظفة بدالة ثم انتقلت إلى سكرتارية مجلة المنال.. وجدت سعادة لا توصف في عملي الجديد وكنت اشارك بأنشطة المدينة المتعددة.. لم أشعر ليوم واحد أن علاقتي مع الشيخة جميلة علاقة مدير بموظف بل كانت حقاً علاقة محبة وصداقة.. والآن وبعد مضي ثماني سنوات على عملي في المدينة لا أشك أبداً إلا أنها بيتي الثاني الذي ولدت فيه ثانية.
رخصة قيادة في شهرين!
كنت أجد صعوبة كبيرة في تنقلاتي من البيت إلى المدينة وبالعكس وخصوصاً في الصباح عندما يشتد الطلب على سيارات الأجرة، ولم يخطر ببالي أنني سأجد حلاً لهذه المشكلة إلا عندما شاهدت بعض الشباب من نادي الثقة للمعاقين يقودون سياراتهم بكل ثقة بعد وضع أجهزة خاصة بها تعوضهم عن استخدام الأرجل.. لا أخفي عليكم أنني شعرت بنوع من الغيرة أعتقد أنه مشروع! لماذا لا أكون مثلهم وأقود سيارتي بنفسي!
ذهبت إلى معهد الشارقة للسياقة وخضعت لفحص قدرة خصوصاً وأنني معاقة حركياً مع أنني أسير على طرفين صناعيين ولدي تشوهات ولادية في يديّ. أثبت من خلال الفحص ـ وبالطبع من خلال حياتي كلها ـ أنني أستطيع أن استخدم يديّ بشكل عادي كأي إنسان طبيعي، حتى أن زميلاتي وصديقاتي يلحظن جمال خطي في كتابة الملاحظات وإعداد بعض القوائم. بدأت بالتدريب، ووجدت نفسي أشعر بالألفة مع الجهاز الخاص من الحصة الأولى.. وخصص لي مدربي السيد سليم حرب من معهد الشرطة للسياقة ساعة واحدة في الصباح لمدة شهرين رشحني بعدها للتقدم إلى الفحص وكان قد أخبر اللجنة منذ الأيام الأولى لتدريبي أنه سيقدمني خلال شهرين إلى الفحص.. أخبره المسؤولون في المعهد أنها فترة ليست كافية إلا أنه كان واثقاً من امكاناتي. وبالفعل نجحت في الاختبار من أول محاولة وحصلت على شهادة السواقة!
كانت مفاجأة بالنسبة لي وفرحة كبيرة لا توصف! لكنها لم تكتمل فما زال أمامي مشوار طويل.. لابد من شراء سيارة مناسبة واختيار جهاز ملائم يشبه على الأقل الجهاز الذي تدربت عليه!
لماذا تويوتا كورولا
ساعدني والدي في ايجاد سيارة مناسبة وكانت لحسن حظي من نوع تويوتا وهي السيارة نفسها التي تدربت عليها.. فوافقت على شرائها على الفور.. ليس فقط لتعودي عليها وثقتي بقوتها وتجاوبها وسلاسة قيادتها وقلة أعطالها بعد تجربتي لها.. بل لأنها أول سيارة أدرت عجلاتها بنفسي وأول سيارة ستفتح أمامي أبواب الحياة على مصراعيها.. وأول سيارة ستضع حداً لمعاناتي مع سيارات الأجرة!
الجهاز الملائم
حصلت على رخصة القيادة وحصلت على السيارة ولكني كدت أيأس من حصولي على جهاز ملائم بعد أن جربت جهازين الأول من صنع ألماني وكان مختلفاً عن الجهاز الذي تدربت عليه فلم يكن مناسباً لي ليس بسبب رداءته بل لاختلاف تقنيته عن الجهاز الذي تدربت عليه.
الجهاز الثاني كان من تصنيع محلي وقد ساعدني في الحصول عليه السيد عيسى أحمد عبيد نائب رئيس اللجنة الرياضية وعضو مجلس إدارة نادي الثقة للمعاقين إلا أنه لم يلائمني أيضاً.
الجهاز الثالث من تصنيع محلي هو الآخر، وقد قام بتصميمه لي مدربي السيد سليم حرب، ورغم أنه كان ملائماً لي إلا أن تكلفته كانت مرتفعة، ويستطيع زملائي الحصول على جهاز من صنع أمريكي أو ألماني بتكلفة أقل.. مع ذلك كنت مرتاحة للجهاز وأشعر بأنه أمين.
وبعد هذا المشوار مع الأجهزة وخصوصاً تجربتي مع الجهاز الثاني التي لا أتمنى أبداً أن تتكرر معي اعتقد أن الشركات المصنعة للسيارات هي أكثر جهة مؤهلة لتصنيع أجهزة القيادة الخاصة بالمعاقين حركياً.. فلماذا لا تقوم هذه الشركات بطرح عدة نماذج لهذه الأجهزة مصنعة بمواصفات عالية تتلاءم مع سياراتها وتركب عند الطلب خصوصاً وأن أعداد المعاقين حركياً في العالم كبيرة جداً على حد علمي.. مشكلتي الخاصة حلت الآن إلا أنني لا أتمنى لمعاق أن يمر بالتجربة التي مررت بها.
مزيداً من الاستقلالية
الآن وبعد أن حصلت على السيارة والجهاز الملائم أشعر أنني كسبت مزيداً من الاستقلالية وهذا الشعور يملؤني سعادة فأنا قادرة على التنقل بحرية من مكان إلى آخر ولا أحس بمشكلة في الذهاب إلى عملي والعودة منه.. لم أعد أعتمد على غيري.. كنت أنتظر طويلاً قبل أن تتوقف لي إحدى سيارات الأجرة أو كنت أكلف أحد الموظفين بأن ينتظر عني.. الآن اختلف الوضع فأنا أقود سيارتي كغيري ولا أقل عنهم.. ولم يعد هذا الشعور مجرد تحد للصعوبات التي تعترض المعاقين حركياً.. لقد أصبح تحطيماً للصعوبات وشعوراً أكيداً بأنني أكثر طبيعية.
وها انا اليوم وبعد مرور 29 عاما بعملي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية الحمد لله اتمتع بكامل استقلاليتي
أسجل هنا شكري للخالق عز وجل واعترافي بفضل والديّ اللذين شجعاني بقوة رغم كل مشاعر الخوف والقلق المشروعة التي يحس بها كل أب وأم إلا أنهما لم يظهرا لي سوى التشجيع حتى لا أشعر بالإحباط.. وأسجل هنا أيضاً امتناني للشيخة جميلة بنت محمد القاسمي التي تعلمت منها الصبر وحب الآخرين وحب العمل المتفاني وهي التي تقف مع المعاقين بكل ما أوتيت من عزيمة وقوة. وأخيرا زملائي الذين هم بمثابة اسرتي الثانية الذين منحوني كل الحب والتفاهم والتعاون فمحبة الناس هي من محبة خالقي عز وجل .
كلمة أخيرة!
هل هناك أكثر من محبة الإنسان لنفسه.. نعم فأنا أحب عملي أكثر من نفسي فأخلص له بكل صدق وأشعر أنه ذاتي التي أحبها وأعيش من أجلها.