بقلم جميلة بنت محمد القاسمي
تواجهُ البشريةُ منذ العامِ الماضي وحتى يومنا هذا تحدِّياً كبيراً ألقى بظلالهِ على الجميع.
وإنّ كانَ هذا التحدي كبيراً أمامَ الأشخاصِ غير المعاقين، لَكُم أن تتخيلوا أثرهُ على الأشخاصِ ذوي الإعاقة وأولياء أمورهم والعاملين معهم، في كلِّ مكان.
لقد غيّر (كوفيد19) وجهَ العالم، وفرضَ على البشرِ ممارساتٍ لم يكن أحدٌ يتوقعها.
فعلى الرغمِ من الهدفِ المعلنِ لإجراءاتِ العزلةِ والتباعدِ الاجتماعي والمُتمثِّلِ بحمايةِ الناسِ من الوباءِ إلَّا أنَّ هذه الإجراءات كانت سبباً في تراكمِ مزيدٍ من الأعباءِ فوقَ كاهلِ الأشخاصِ ذوي الإعاقة وأولياءِ أمورهم والعاملين معهم، ناهيكم عن صعوبةِ تطبيقِ الكثير منها بالنسبةِ لمن يعتمدُ في حياتهِ ومتطلباتها على مساندةِ الآخرين.
عشراتُ المؤسساتِ والمراكز أُغلِقَت أو قلّصَت أعدادَ مُنتسبيها والعاملين فيها تماشياً مع الإجراءات، آلافُ الأشخاصِ من ذوي الإعاقة لَزِمُوا بيوتهم مع تطبيقِ الحظرِ ثمّ دخلوا في أزماتٍ نفسيّة لم تنعكس عليهم فقط، مِمَّا فاقمَ حجمَ المشكلاتِ الموجودةِ أصلاً، دونَ أن نغفلَ عن تراجع المهاراتِ لدى الكثيرين من الأشخاص ذوي الإعاقة بسببِ توقفِ الخدماتِ وقلّة الممارسة لهذهِ المهارات.
إنَّ الصعوبات التي يواجهها الأشخاصُ ذوو الإعاقةِ وأولياءُ أمورهم تضاعفت مرّات عدّة بفعلِ الوباء، فهذي الفئة هي من الفئاتِ الأكثرِ تهميشاً (صحيّاً) قبلَ كورونا فكيفَ والحالُ بوجودها، إذ من الممكن أن تكون نسبة إصابتهم بالعدوى أكبر نتيجة الظروفِ الصحية ووجود بعض الأمراض المصاحبة مثل الأمراض المزمنة وأمراضِ الجهاز التنفسي، بالإضافة إلى ضعفِ المناعة.
ومما لا شكّ فيه أن أزمة كوفيد19 أثّرت سلباً على تمضية الوقتِ بالنسبةِ للأشخاصِ ذوي الإعاقةِ حيث أدَّت الجائحة إلى الحظرِ المنزلي وعدم ممارسة الأنشطة التي كانوا يمارسونها ولكلّ هذا تداعياته على الجوانب النفسية والاجتماعية.
أمّا في ميدان العمل فكانَ الأشخاص من ذوي الإعاقة أكثر عرضة للفصلِ أو تخفيضِ الأجورِ، لذا لابدَّ من تحسينِ ظروفِ العمل وتكييفها بما يُحقّقُ لهم دخلاً ملائماً ويحافظ على صحتهم وسلامتهم مع التأكيدِ على تنفيذِ وتطبيقِ خطةٍ شاملةٍ لتوفيرِ الرعايةِ لهم خلالَ الأزمات وتجنّب السلبيات التي كشفتها بشكلٍ أكبر أزمة كورونا.
وعلى المسؤولين والمعنيين أن يتخذوا القراراتِ الحاسمة لمواجهةِ التمييز والعوائقِ التي تحولُ دونَ حصولِ الأشخاصِ ذوي الإعاقةِ على الخدماتِ والرعايةِ الصحيّة والدمجِ الاجتماعي الآمن، والتعليمِ وفق أفضل الممارسات.
لقد كانت مدينة الشارقة للخدماتِ الإنسانية مع بداية الجائحةِ أمامَ مفترقٍ لا نبالغُ حين نصفهُ بالكبير، فمن ذا الذي تخيّلَ مجيءَ يومٍ تُقدِّمُ فيه المدينة خدماتها افتراضياً! لكن المدينة واجهت كوفيد19 وفقَ خطةٍ مُحكَمَة، ولم تتوقف أبداً عن تقديم خدماتها لمستحقيها.
في هذا الإطار، وضمنَ العديدِ من الإجراءات ذاتِ النتائج الطيبة، تمَّ إطلاق منصةِ التعليم والتدريب الإلكتروني التي سهَّلت على المدينة الانتقالَ إلى (التعليمِ عن بعد) خلال وقتٍ قياسي في ظلِّ توفرِ البنيةِ التحتيةِ والمهاراتِ التقنيةِ التي ساهمت بشكل كبير في ذلك.
هنا، نودُّ الإشارة إلى حقيقةٍ مفادها أنّ 724 طالباً، و 682 ولي أمر استفادوا من منصةِ المدينةِ للتعليمِ والتدريب في أقلّ من عامٍ واحد، في حين تم نشر 1257 من الفيديوهات التعليمية، و580 من الفيديوهات الإرشادية و5934 هدفاً تربوياً تحت إشراف 266 معلماً واختصاصياً، كما شهدت 259 متابعة افتراضية لـ 141 طالباً مدمجاً في الحضانات والمدارس، وسجلت مشاركة 828 شخصاً في القافلة الصيفية الافتراضية والتي اشتملت على (ورش تعليمية ومهنية افتراضية، أنشطة، وفعاليات مختلفة).
لقد واجهنا العديدَ من الصعوبات والتحديات وما زلنا نواجهها بين الحين والآخر لأنّ أزمة (كوفيد19) لم تنته بعد، بيدَ أنَّ المدينة لن تقفَ عندها وستمضي قُدُمَاً مستعينة بخبرتها وإيمانها وإخلاصِ فريقِ العمل بإذن الله.
وبمناسبة دخول (المنال) عامها الخامس والثلاثين، تُجدِّدُ المدينة العهدَ أمام طلابها ذوي الإعاقة وأولياء أمورهم والمجتمع على الاستمرارية وتحقيق الأهدافِ القريبة والاستراتيجية في جميع المجالات، كما تضع خبرتها في متناول الجميع محلياً وعربياً وعالمياً، خلال الأوقات العادية، وخلال الأزمات، وستكون دائماً كما أرادها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة أن تكون عندما قال:
“مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ليست للشارقة وحدها وليست لدولة الإمارات العربية المتحدة وليست لمنطقة الخليج لوحدها وإنما انطلاقة عربية عالمية تقدم الخدمات في جميع المجالات لأصحاب الإعاقة في أي مكان على هذه البسيطة”.
وكل عام وأنتم بألف خير