طموحه إدخال البهجة والسعادة إلى قلوب الأطفال
لا للإعاقة.. لا للشلل.. لا للسرطان.. ولا للتدخين
حكاية المهندس سليمان معصراني مع الترحال والإعاقة طويلة. ففي طفولته أصيب بشلل الأطفال وعندما كبر وأصبح شاباً ترك الشلل أثراً دائماً في وجهه وخاصة في فمه وعينه بعد أن خفف الأطباء من تأثير الشلل على باقي أجزاء جسمه من خلال خضوعه لسبع عمليات جراحية عصبية ودماغية.
لم ينكسر سليمان أمام مشكلته التي تحولت إلى دائمة ولو بشكل خفيف فقرر دراسة الهندسة في الجامعة وتحقق حلمه وحصل على شهادة الماجستير في الهندسة الطوبوغرافية وحصل على اختصاص شد الكابلات من الجسور من الجامعات المصرية، وعمل لفترة بعد التخرج في شركة سورية عامة ومن ثم غادر إلى السعودية فعمل هناك لفترة من الوقت في اختصاصه ليوفر المال للعمليات الجراحية التي خضع لها في السعودية والامارات العربية المتحدة للتخفيف من آثار شلل الأطفال على جسده.
بعد ذلك، قرر العودة إلى سورية والبحث عن فرصة عمل، فقرأ في الصحف أن شركة خاصة في ريف دمشق ترغب بتعيين مهندسي طوبوغرافيا فتقدم إليها وقبل في البداية من خلال شهاداته والوثائق التي قدمها وفي يوم المقابلة مع مدير عام الشركة ـ وقتها ـ في هذا اليوم المفصلي من حياة سليمان استقبله المدير وعندما شاهد الإعاقة في وجهه (والتي تسمى علميا باللقوة المحيطية) ولاحظ البدانة التي كان سليمان يعاني منها بسبب تناوله الكثير من الكورتيزون للمعالجة، رفض تعيينه في شركته وبطريقة استفزازية وبعيدة عن الإنسانية قال له: نحن لا ينقصنا توظيف مشلولين في الشركة؟! خرج سليمان من الشركة وقد اسودت الدنيا في عينيه ومشى باتجاه دمشق المدينة، حيث ظل يمشي ويمشي وبدون انتباه وصلها سيراً على الأقدام رغم أن المسافة تتجاوز 50 كلم ما بين مقر الشركة ومنزله بدمشق.
انتبه سليمان بعد أن صحا من كابوس عنجهية المدير إلى أنه قادر على المشي كثيراً، فكان قراره الحاسم: التحول إلى رحالة وحمل رسالة إنسانية لصالح الأشخاص المعاقين والفقراء والأطفال المحتاجين وبدون أي مقابل مادي. وبالفعل هذا ما حصل معه فقام بعدة رحلات سيراً على الأقدام قطع خلالها آلاف الكيلومترات وزار عشرات البلدان ونال منذ البداية الدعم المعنوي والإنساني من منظمة الصحة العالمية وخاصة من ممثلها بدمشق الدكتور فؤاد مجلد وهو سعودي الجنسية الذي قدم له حتى الدعم المالي أحياناً ومن ماله الشخصي بعد أن سمع قصته وكان يرسل أحياناً المال لأسرة سليمان في غيابه بقصد الرحلات الإنسانية ـ قال سليمان وهو متأثر بهذا الدعم الإنساني الذي تلقاه من منظمة الصحة العالمية ومكتبها الإقليمي ـ وكانت المنظمة في دمشق قد أطلقت في حينها وبمناسبة يوم الصحة العالمي شعار «في الحركة بركة» حيث عرض عليهم فكرة الرحلة سيراً على الأقدام. وشجع الدكتور مجلد سليمان على القيام برحلة إلى السعودية لأداء فريضة الحج أو العمرة سيراً على الأقدام.
ويقول سليمان: من خلاله حصلت على التأشيرة وقررت السير بالرحلة وكان هدفي الحج فقط وتحت شعار: «لا للشلل لا للإعاقة»، وبالفعل عندما وصلت الى السعودية لاحظت اهتماماً إعلاميا واجتماعياً كبيراً برحلتي وأن رسالتها بدأت تتوضح فقررت وبالتنسيق مع الدكتور مجلد إكمال الرحلة إلى باقي دول الخليج وزيارة مراكز تأهيل المعاقين فيها وتقديم رسالتي وهي أنني كنت معاقاً والآن جئت لمراكز المعاقين سيراً على الأقدام ومن خلال قوة الإرادة والإصرار والإيمان والحمد لله وفقت في رحلتي الأولى وحصلت على دعم كبير من الامارات العربية المتحدة والبحرين وقطر وتلقيت دعوات كثيرة من هذه الدول وكانت الرحلة الأولى قد بدأت في 10 أغسطس (آب) 2004 واستمرت حتى الآن من خلال رحلات عديدة سيراً على الأقدام زرت خلالها عدداً كبيراً من الدول العربية والأجنبية ومراكز تأهيل الأطفال ذوي الإعاقة وقطعت عشرات الآلاف من الكيلومترات سيراً على الأقدام حسب ما سجل بجواز سفري وفي ثلاث رحلات بعد أن كان الهدف فقط دولة واحدة وهي السعودية، ولنفس شعار الرحلة الأولى ولكن بعد أن غيرت في العنوان قليلاً حيث صار الشعار: «لا للشلل لا للسرطان» حيث أنني أصبت أيضاً بسرطان الرقبة وعانيت كثيراً وشفيت منه والحمد لله بالإرادة والعلاج وإيماني بالله وأنني أحمل رسالة إنسانية لمساعدة المرضى والعجزة والمسنين والمعاقين والأطفال في رحلاتي.
وحول مشاعره وهو يقوم بالرحلات ويترك أسرته في دمشق المكونة من زوجة تحمل شهادة المحاماة وموظفة في المؤسسة العامة للبريد بدمشق و3 أطفال ذكور وبنتان يتابع سليمان: كانت مشاعر مؤثرة وخاصة أن المولود الثالث وهو طفلة ولدت وأنا في الرحلة ولم أتمكن من مشاهدتها إلا بعد ستة أشهر عندما عدت من رحلتي الأولى وكانت أسرتي غير موافقة على مغامرتي خاصة مع الإصابات والبدانة التي كنت أعاني منها حيث كان وزني 138 كيلوغراما في بداية انطلاق رحلتي الأولى وحالياً وزني 76 كيلوغراما؟!..
ولكن بعد الاهتمام الإعلامي والإنساني الذي حظيت به دعمتني أسرتي وتفهمت زوجتي مغامرتي حتى لم تمانع فيما بعد بأن أقوم ببيع منزلي في حي المهاجرين بدمشق لأكمل رحلاتي التالية وهذا ما حصل فعلاً وسكنت بالأجرة بعد أن صرفت ثمن المنزل لتكاليف الرحلات فقد كنت أقيم في الفنادق وأتنقل في المدن على حسابي الشخصي ولم أقبل أية مساعدة أو هبة من أحد حتى لا يفهم قصدي بشكل مغلوط وأنني كبعض الرحالة أبحث عن المال وليس الهدف إنساني ولذلك أفتخر هنا بمقولة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم إمارة الشارقة الذي استقبلني مشكوراً وصرح لتلفزيون الشارقة قائلا إن هذا الرحالة السوري إن شاء الله يكون غير مفهومنا ونظرتنا عن الرحالة بشكل عام.
وأنا بعد رحلتي الأولى لدول الخليج وآسيا حيث زرت إيران وأوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وأفغانستان ووصلت حتى العاصمة كابل، زرت فيما بعد في الرحلة الثانية دول المغرب العربي ومنها مصر وليبيا والسودان وتونس والجزائر.
وحول المحطات التي يعتز بها سليمان خلال رحلاته قال: هناك العديد منها خاصة أثناء ذهابي للسودان زرت منطقة دارفور، وأعتز بلقائي الرئيس السوداني عمر البشير، ولدي الكثير من الدروع التذكارية والأوسمة التي أعتز بها ومنحت شهادة دكتوراه فخرية من مركز الشفلح بقطر ودكتوراه فخرية من منظمة الصحة العالمية والتي منحها لي الممثل الإقليمي بالقاهرة الدكتور حسين الجزائري. بعد رحلاتي المتعددة طلبت مني منظمة الصحة العالمية والمنظمة العالمية الكشفية في جنيف أن أقوم بأربعة أعمال إنسانية في سورية حتى أحصل على لقب مفوض دولي ووفقت بهذه الأعمال الإنسانية وبرعاية شخصية من رجل الأعمال السوري أحمد غازي مدير شركة غازي عليان وقد حصلت في شهر يونيو (حزيران) الماضي على لقب مفوض دولي للمنظمة الكشفية الدولية في سويسرا وحصلت على وشاح المنظمة.