السوري رياض حمص (21 عاما) يعبر بالإيماء عن طائرة تسقط القنابل، في مركز للصم في دمشق في 7 آذار/مارس 2017
داخل احدى قاعات مركز متخصص في دمشق، يبتكر رياض حمص وشقيقته بشر وهما من الصم، إشارات جديدة للتخاطب والتحدث عن الحرب التي تعصف ببلدهم سوريا منذ ست سنوات.
ومنذ اندلاع النزاع الذي دخل في مارس 2017 عامه السابع، بات الأشخاص الصم في سوريا بحاجة إلى استخدام إشارات جديدة للحديث عن الوضع الميداني أو للتعبير عن مشاعرهم ومعاناتهم التي أصبحت مضاعفة.
ومن التعابير الجديدة التي يستخدمها رياض وبشر داخل مركز ايماء لخدمة الصم في حي الميدان (جنوب دمشق) كلمة ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية على سبيل المثال.
وللتعبير عن ذلك، ترفع نائب رئيس المركز وصال الأحدب (26 عاماً) البنصر (ما يعنى حرف الياء بالإنكليزية) وتضم الابهام إلى السبابة والوسطى (حرف السين بالإنكليزي) مرتين، ما يعني بالإنكليزية (ايزيس) أي ما يسمى بتنظيم (الدولة الاسلامية) بالعربية.
ويعني وضع الإصبعين على راحة اليد كلمة الحكومة، نسبة إلى النجمتين الموجودتين على العلم السوري، أما وضع ثلاثة أصابع على راحة اليد فهذا يشير إلى المعارضة نسبة إلى النجوم الثلاث الموجودة على علمها. أما وضع اليدين على العينين فيعني الخطف.
وتقول الأحدب الحائزة على إجازة في هندسة الطب الحيوي، (كان علينا ابتكار (إشارات) كلمات لم تكن موجودة في لغة الصم في سوريا ليتمكنوا من التواصل وتبادل المعلومات أو المشاعر حول سريان العنف).
وبعد ابتكار هذه الإشارات، يتم تصويرها وعرضها على صفحة خاصة على موقع فيسبوك، حيث يتداولها ويناقشها الأشخاص الصم.
ويوضح رئيس مركز ايماء على اكريم أنه رغم أن الحرب تركت تداعياتها على السوريين كافة، إلا أن هذه الفئة من الأشخاص ذوي الإعاقة تأثرت بالأحداث مضاعفة لأنها تعاني منها دون أن تتمكن من إدراك ما يدور حولها.
وبحسب الاحصاءات الرسمية، يبلغ تعداد الصم في سوريا نحو عشرين ألفاً، لكن اكريم يشير إلى أن العدد الفعلي قد يكون خمسة أضعاف ذلك.
الموت بصمت
يروي رياض (21 عاماً) الذي يشارك في ابتكار المفردات الجديدة، تجربة مأساوية عاشها جراء الحرب، حين قتلت والدته وشقيقه وشقيقته بالإضافة إلى خالته وعمه وثلاثة من أبناء عمه برصاص قناصة على مرأى من عينيه دون أن يدرك ماذا يحصل، لدى محاولتهم الهرب من الحي حيث كانوا يقيمون على متن شاحنة.
ويقول هذا الشاب الذي تعلو وجهه ابتسامة خجولة وهو موظف في أحد معامل الكابلات (بما أنني لا أسمع لم أكن أدرك ما يحدث حولي، شاهدت أمي تهوي أمامي ثم تلاها أولاد عمي. لكن عندما شاهدت رأس شقيقتي ينفجر أمامي، أدركت حينها أنهم يطلقون النار علينا).
لم تتوقف معاناة رياض هنا، إذ قتل شقيقه الآخر إثر سقوط قذيفة اثناء لعبهما كرة القدم في الشارع.
ويحلم هذا الشاب الذي لا يفارق خياله هذا المسلسل الدموي، بالسفر إلى الخارج. ويقول (أعتقد أنني قد أحظى بفرص عمل أفضل).
ويواجه الأشخاص الصم في سوريا صعوبة أخرى، تكمن في حواجز التفتيش المتعددة في المدينة.
ويوضح اكريم (عليهم أن يعبّروا عن أنفسهم عبر إشارات غير مفهومة، ويظن المشرفون (على الحواجز) في بادئ الامر أنهم يسخرون منهم).
ويضيف (سابقاً (قبل النزاع) كان معظم الصم يتجنبون إدراج إعاقتهم على هوياتهم الشخصية لكنهم الآن يسجلونها من أجل إبرازها للحواجز).
وعانت اخته بشر (32 عاماً) من أوقات عصيبة بسبب سوء الفهم. ففي عام 2011، وجدت نفسها، خلال عودتها إلى المنزل، وسط المتظاهرين المناهضين للنظام فيما كان رجال الأمن يقومون بتفريقهم.
وتقول الشابة التي تضع وشاحاً ابيض على رأسها إنها حاولت الهرب في إحدى ازقة حي الميدان ولكن دون جدوى.
وتضيف (لم يتمكن أحد من مساعدتي لأنني لم أقدر على التواصل وكان الوضع يزداد سوءاً). وعند استجوابها تمكنت بأعجوبة من إفهامهم أنها صماء.
لم يشرح لي أحد
بعد هذه الصدمة، لم تعد بشر تجرؤ على الخروج من منزلها، خوفاً من عدم قدرتها على العودة. ولكن في منزلها، اهتزت النوافذ وارتجت الأرض نتيجة القصف.
وتروي (لم يشرح لي أحد ما الذي يحدث. الجميع كان في حالة عصبية.. وكانوا يمنعونني من الاقتراب من النوافذ).
واستولى مقاتلو الفصائل المعارضة على حي الميدان في تموز / يوليو 2012 لمدة ثلاثة أيام قبل أن يتمكن الجيش من استعادة السيطرة عليه بعد معارك عنيفة.
ونزحت العائلة حينها إلى لبنان لمدة عامين. وعندما عادت إلى دمشق وجدت أن كل شيء قد تغير، حتى النادي الذي هجره رواده من منتسبيه الصم.
وتقول بحزن (لقد بعثرت الحرب كل شيء.. والناس الذين غادروا إلى الخارج ابتكروا مفردات جديدة) مضيفة (لقد تغير أصدقائي، وأصبحوا عدائيين).
وأضافت (آمل أن نلتقي من جديد في يوم من الأيام وأن يجد الصم لغة مشتركة).