إعداد : المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة
ما الذي يجري هنا؟ ثمة شباب متحلقون حول كفيف يبدو أنه لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره يحتضن آلة موسيقية ويرسل صوته عالياً في السماء مغنياً للحقل والأرض والحياة، وهائماً في غزال تتهادى في مشيتها تحمل “المشاقر” وتبيع الورد الجميل.
وبينما الطفل وجدي يغني والشباب يصفقون يمر بهم أحد المعلمين فيوبخ وجدي توبيخاً شديداً ويصفه بالفارغ طالباً منه البحث عن عمل مفيد فهو كفيف ومن المفترض أن يكتفي بحفظ القرآن ولا يليق به أن يغني.
هذه أول صورة تذكرها بطلنا عندما سألناه عن مواقف لا ينساها في حياته.
من هو بطل قصتنا؟
وجدي أحمد مهيوب البريهي، من مواليد عام 1998في محافظة تعز جنوب غرب اليمن.
ولد وجدي كفيف البصر مثل أخوته الثلاثة من بعده، والسبب وراثي كما يقول.
عاش طفولة مفعمة بالنشاط والحب والاحتضان من قبل الأسرة، لكن لأنه أول كفيف في قريته فقد دفع ثمن إثبات الذات من مشاعره وقلبه الصغير، فيتذكر وجدي بألم “نظرات” الشفقة أو الخجل من أسرته حين كان يزورهم بعض الضيوف فكان يُطلب منه مغادرة المجلس على الفور.
لكن وجدي استمر يلعب ويلهو مع الأطفال كواحد منهم، ويقول إنه لم يشعر بإعاقته وبأنه مختلف عن أقرانه الأطفال وله احتياجاته الخاصة إلا في سن التعليم فهو في قرية نائية ولا يمكنه الذهاب إلى المدرسة بمفرده وحتى وإن ذهب فهو لا يستطيع القراءة والكتابة بنفسه، لكنه لم يستسلم فتعلق كثيراً بالمذياع وأغرم بالمنوعات والبرامج الثقافية، كما حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة من عمره.
ويتذكر وجدي أنه كانت لدى والده وعمه المثقف الدكتور علي البريهي مكتبة كبيرة في المنزل كانت تستهويه وكان يشعر بأنه محروم من مطالعتها فقرر اختيار بعض الكتب بمساعدة أصدقائه وكانوا يقرأون عليه بعض العناوين فيختار منها ما يرغب بأن يقرأه معهم.
مشواره التعليمي والمهني.
تعلم وجدي وتثقف خارج أسوار المدرسة في البداية قبل أن يمنحه وزير التربية والتعليم شهادة تسوية بشهادة الصف التاسع الأساسي نظراً لتميزه وحفظه للقرآن الكريم ليواصل مشواره التعليمي بصنعاء ويلتحق بكلية الإعلام ويتخرج منها في عام 2018.
التحق بمعهد للغات وحاز على التوفل في اللغة الإنجليزية عام 2017، كما حصل على شهادات تدريب كثيرة في عدة دورات نوعية ضمن أكثر من مجال.
وأثناء دراسته في كلية الإعلام يقول وجدي: ” التحقت بإحدى الإذاعات المحلية وكانت تجربة رائعة، كما كان فريق العمل إيجابياً جداً، ولا أنسى أنهم أتاحوا لي الفرصة وشجعوني في مشواري الفني بشكل كبير.
لكن وجدي ترك الإعلام الذي رأى فيه مهنة غير منظمة في الوضع الحالي، كما أنه يعتقد أن وسائل الإعلام تستغل حاجة الشباب وطاقاتهم ليعملوا لديها بالمجان تحت مبرر إتاحة الفرصة وعدم كفاية الموارد.
المتمرد وجدي يصنع الوجدان.
أما عن مشواره الفني فقد بدأ في عمر مبكر جداً، يقول وجدي: “حفظت القرآن الكريم وأحببته، وأيضاً عشقت الفن وأحببته في سن مبكرة من عمري، فشجعوني على الأولى ورفضوا الثانية وذلك جلب لي الكثير من المتاعب، فأنا لا أرى مشكلة في أن أكون حافظاً للقرآن وفناناً في نفس الوقت بل أرى ذلك من أوجه التكامل في الشخصية، لكن الرفض كان في الحقيقة يأتي من كوني كفيفاً والمجتمع يرسم للكفيف صورة نمطية مختصرة بكونه قابعاً في زاوية المسجد يتلو القرآن أو متسولاً في الشوارع “.
تحدث وجدي للمركز الإعلامي لذوي الإعاقة عن شغفه بالعود والموسيقى وكيف كان العود بالنسبة إليه حلماً حتى أنه في إحدى الزيارات لسوق (بير باشا) في مدينة تعز وجد لعبة موسيقية للأطفال فاقتناها على الفور وظل يعزف عليها ويذكر أنها كانت تصدر معزوفات أفريقية.
لم يستسلم وجدي ولم يتنازل عن حلمه الذي ظل يراوده بأن يمتلك عوداً وأن يصبح عازفاً وفناناً رغم بيئته المحافظة التي ترفض الأمر رفضاً قاطعاً، وحين وجد أن الأبواب لم تُفتح له قرر كسرها بنفسه واخترع آلة بدائية صنعها من بعض العلب المعدنية الفارغة والأربال المطاطة بحيث أخذ “جالون” زيت حديدي فارغ ونحت أماكن الأوتار ثم نحت مثلها على أخشاب صغيرة ثبتها بالجالون ووضع الأربال المطاطة في الأماكن المنحوتة على شكل سلم موسيقي حيث كان قد عرف السلم الموسيقي عندما لمس آلة العود لدى أحد الأصدقاء في إحدى الزيارات للمدينة، وأصدرت الآلة صوتاً جميلاً ورناناً كالعود تماماً، وحينها قرر وجدي أن يمنحها اسماً وهوية فسماها (آلة الوجدان) وبدأ يعزف عليها في كل مكان.
يقول وجدي إن والده كان يأتي من الغربة فيكسر آلته على الفور كما كان يتلف أشرطة الكاسيت للأغاني التي كان يقتنيها المتمرد وجدي.
وفي صنعاء كانت الانطلاقة حيث كشف برنامج إذاعي عن موهبة الشاب وجدي وآلة الوجدان، ثم سجل بعض الشارات البرامجية بالعزف على الآلة ذاتها، وبعدها انطلق لإحياء بعض الحفلات مجاناً إلى جوار بعض الفنانين
يقول وجدي: ” كانت آلتي متواضعة ولم يكن الميكرفون يلتقط صوتها لكن ذلك لم يحبط من عزيمتي وإصراري علماً أنني لم أكن أذهب إلى الأفراح والحفلات بمفردي، ومؤخراً استطعت الحصول على عود حديث وأنا متعاقد مع مجموعة من مكاتب تعهد الحفلات”.
توجد لدى الفنان وجدي البريهي قناة باسمه على اليوتيوب، كما أجريت معه عدة لقاءات وأنتجت حوله الكثير من التقارير في قنوات محلية وعالمية.
يصر الفنان وجدي في حديثه مع المركز أن يسجل عبارات الشكر لأسرته التي قبلت بموهبته بعد إصراره وشجعته، كما لا ينسى أصحاب البصمة الأولى والأيادي التي امتدت إليه لتنهضه قبل أن تصفق له.
ويتحدث الفنان وجدي البريهي باعتزاز عن رفيقة دربه التي كانت وما تزال العين والمعين في مشواره الفني ورغم أنها تعمل في المجال الطبي كمساعد طبيب إلا أن الفنان وجدي يقول إنه يستعين بها كثيراً في مشواره الفني وخصوصاً في التنسيق والتصوير.