«لقد نجحت ياشارون! نعم كان النجاح حليفك».
أدارت شارون ماتسن Sharon Matson وجهها باتجاه صيحة الاعجاب التي أطلقتها معلمتها وعلى محياها تعبير ينم عن الصدمة وعدم التصديق. وسرعان ما كوّرت قبضتها وأطلقت صيحة فرح.
«هذا ما حصل بالفعل»، عبارة نقلتها السيدة كوستا ميسا (52 عاماً) إلى المتدربين الذين تشرف عليهم ضمن برنامج ماريوت Mariott لتشغيل الأشخاص ضعاف البصر وأضافت: «لقد أبديت تحفظي حيال هذا الأمر»، فهذه وظيفة يقوم بها الأشخاص المبصرون. أما بالنسبة لشخص ضعيف البصر مثل ماتسن فالعملية معقدة للغاية حيث أن هذا العمل يتطلب التعلم والاستيعاب والدراسة لأدق التفاصيل ولأسابيع عديدة لما تمثله من تحدٍ للشخص الذي لا يتمكن من رؤية شاشة الكمبيوتر أو قراءتها.
وماتسن واحدة من أحد عشر متدرباً اختارهم برنامج ماريوت من معهد برايل في أناهايم للمشاركة في برنامج باثويز Pathways الذي يهتم بتدريب ضعاف البصر وتأهيلهم من أجل الحصول على وظيفة في مركز التأهيل الدولي الذي يشرف عليه برنامج ماريوت في سانتا آنا. ويضم الصف متدربين ضعاف البصر بدرجات مختلفة. تقول السيدة ماتسن إنها تعاني من فقدان البصر تقريباً، فقد فقدت عينها اليمنى حين كانت في الخامسة من عمرها بسبب ولادتها قبل أوانها، الأمر الذي أثر كثيراً على عينيها. أما عينها اليسرى فقد أصابتها الكثير من المشاكل ومنها إعتام عدسة العين وازرقاق العين وتقرح نسيج العين. وبمقدور ماتسن أن ترى الضياء أما الصور والظلال فتراها مشوهة تماماً، وهي تقول إنها كفيفة في واقع الأمر حيث تستعين بعصا في مشيها خارج البيت، كما أنها تستخدم بعض الخدمات المقدمة لذوي الحاجات الخاصة في النقل العام.
وتشير ماتسن إلى أنها بدأت تدرك أنها سائرة في طريقها لا محالة إلى عالم مظلم، وهو أمر صعب دون شك. غير أنها تقول والابتسامة تعلو محياها: «لا ضير في ذلك فأنا أشعر بالغبطة لأنني أقوم بعملي هذا».
ويحدو برنامج باثويز الأمل بأن يعمل على زرع مثل هذه الكبرياء واحترام الذات والحماسة في نفوس المشاركين في البرنامج على حد قول لوري وارنر التي تقوم بتدريس وتدريب كل من ماتسن والمتدربين الآخرين على استخدام برامج الكمبيوتر التي تم اعدادها بشكل خاص للأشخاص الذين يعانون من ضعف البصر الشديد. وتضيف لوري قائلة: «يعكف البرنامج المذكور على تعليم المشاركين المهارات الحياتية اليومية إضافة إلى المهارات المهنية». في هذا السياق قالت كيلي بيريز، التي تعمل منسقة للبرنامج، إن البرنامج يزود المشاركين الذين يعانون من الاعاقة البصرية بأهم شيء يحتاجون إليه وهو الاستقلالية. ويقوم برنامج ماريوت بمد جسور التعاون مع معهد برايل وقسم التأهيل الحكومي لتنفيذ البرنامج. وتمضي كيلي قائلة: إن البرنامج لا يمثل فرصة مؤاتية تماماً لضعاف البصر فحسب إنما يعمل على فتح عالم جديد تماماً للأشخاص المبصرين أيضاً.
وتعمل شركة ماريوت في الوقت الحاضر على توظيف العديد من الأشخاص المكفوفين ابتداء من عام 1999. ولتحقيق هذه الغاية يشتمل منهاج التدريب على الاستعداد الوظيفي وكتابة الخلاصة وتولي مسؤوليات وظيفية محددة والتعاطي مع الشؤون المالية الشخصية. ولا تعتبر مثل هذه الأمور أكثر جوانب البرنامج صعوبة فالشخص الكفيف الذي يقوم بعملية الحجز يستخدم برنامجاً يدعى JAWS الذي يتطلب قراءة معلومات على شاشة الكمبيوتر. ولتحقيق مثل هذا الغرض يتعين على الموظف الكفيف الذي يقوم بعملية الحجز استخدام سماعات الرأس ليستمع إلى جهاز الكمبيوتر من إحدى أذنيه وللشخص المتصل من الأذن الأخرى. يعلق وارنر قائلا: «إن هذا العمل يشبه تماماً الاصغاء إلى شخصين يتحدثان في الوقت ذاته، ومن ثم تلبية طلبات الشخصين كليهما».
تقول ماتسن إنها كانت تتلهف منذ فترة طويلة لمواجهة مثل تلك التحديات. وقد غمرتها الفرحة حين اختارها معهد برايل للالتحاق بالبرنامج. ولم تكن ماتسن وزوجها (دان) الكفيف أيضاً بعيدين عن معهد برايل في أناهايم فقد اشترك الاثنان في برامج المعهد والتحقا بالصفوف التي تم افتتاحها للشباب الذين يعانون من ضعف البصر منذ سنين عديدة.
على أن السيدة ماتسن عادت بروحية عالية مرة أخرى إلى المعهد حيث التحقت بأحد الصفوف التي تعلّم الكمبيوتر، وهي أول تجربة لها في هذا الشأن. وقد بدأت باستخدام البرنامج الموسوم Zoom Text ـ وهو برنامج يعمل على تكبير الحروف المطبعية. غير أن هذه الحروف الكبيرة لم تعن ماتسن على القراءة الأمر الذي حتّم عليها الانتقال الى برنامج JAWS. بيد أنها تقول إن أصعب ما في البرنامج يتمثل بعدم مقدرتها على رؤية مؤشر الحركة على الشاشة.
تقول ماتسن إنها مرت بلحظات عديدة كانت فيها تذرف الدموع وهي تغادر المكان؛ وكان الشعور بالإحباط جزءاً من ممارساتها اليومية. على أن هدفها النهائي كان ينصب على التغلب على تلك العقبات والعمل على تطوير ذاتها. تعليقاً على ذلك تقول ماتسن: «كنت أعمل على تطوير قدراتي، وأحياناً لمجرد الخروج من البيت. وقد تعلمت من خبرتي أثناء العمل في برنامج ماريوت بأن الناس يثمنون ما يقوم به الأشخاص بصرف النظر عن كونهم من المكفوفين. وإنه لشيء رائع حقاً أن ينظر إلى الشخص بصفته إنساناً وليس إنساناً معاقاً».
تجدر الإشارة الى أن العالم الخارجي لم يكن بتلك السهولة على الدوام، فقد كان يتعين على ماتسن أن تتحمل معتقدات خاطئة وجدت لها رواجاً في أوساط الناس. في هذا الشأن ترى ماتسن: «أن الكثير من الناس يرون أن الشخص الكفيف مصاب بالعوق وهو أمر غير صحيح حيث أن المقياس الصحيح هو عقولنا التي تعمل بشكل جيد. وكل ما نحتاجه هو فرصة متاحة ليس إلا!».
وقد عمدت ماتسن على الدوام إلى البرهنة على ذلك لنفسها وللناس من حولها. ورغم القيود المفروضة عليها بسبب نظرها فإنها أبدت نشاطاً أثناء عملها مع الكنيسة التي ترتادها فهي عضوة في المجلس الكنسي وتقوم بالتدريس في المدارس التي تفتح أبوابها أيام الأحد. وقد التحقت بكلية أورانج كوست ودرست العديد من المواد الدراسية وحصلت على درجة البكالوريوس في الدراسات الليبرالية في عام 1989. وامتدت موهبة ماتسن إلى غرفة المعيشة في بيتها والتي تضم العديد من المجاميع التي قامت بصنعها يدوياً. وحصلت بالفعل على الجائزة الثانية على نموذج يشبه اللحاف مؤطر بالخشب في المعرض الذي أقيم في منطقة أورانج كاونتي منذ سنتين.
وقد أمضت ماتسن 12 عاما مع زوجها دان وأمها بيتي روتش. تقول الأم: «لقد حققت ماتسن أشياء عديدة مدهشة ومنها الاشراف على تربية ابنها بنفسها». ويبلغ ابنها الآن الثلاثين من العمر وهو يعمل في مجال صناعة البناء. وتستبعد الأم روتش فكرة أن تكون ابنتها على وشك فقدان بصرها قائلة: «ماتسن أكثر شجاعة مني فهي تتعاطى مع وضعها بكل تصميم، وأرى بأنها تنعم بحياتها إلى أبعد حد». وتضيف بأن برنامج ماريوت قد فعل الأعاجيب «حيث أن ماتسن تحظى باستحسان الناس وهي تعلم تماماً أن بمقدورها أن تفعل الكثير».
وفي البيت دأبت ماتسن وزوجها دان على استخدام نظام برايل بشكل واسع في نشاطاتهما اليومية، فهما مثلاً يستخدمان الآلة الكتابة وفق نظام برايل لتصنيف الأقراص المدمجة وكذلك الأشرطة الصوتية أو السينمائية. يقول دان: «لدينا الانجيل بلغة برايل وزوجتي تحب الطبخ وهي طباخة ماهرة».
وعلق جون زامورا، المنسق في معهد برايل لنشاطات الشباب والوظائف التي يمكن أن يلتحقوا بها، بأن اشخاصاً مثل ماتسن يشكلون مصدر الهام للشباب الذين فقدوا بصرهم أو هم على وشك فقدانه. وأضاف بأن ماتسن تمتلك القدرات الأساسية وأن المدرسين في المعهد عملوا على تأهيلها وتحفيزها فحسب، أما النجاح فهو حصيلة جهدها الذاتي وأن نجاحها الذاتي لابد أن يبعث رسالة إلى الآخرين من أمثالها. ويمضي زامورا قائلاً: إن مجموعة من الأطفال المكفوفين قاموا في الآونة الأخيرة بزيارة استطلاعية لمكتب الحجز الذي يديره برنامج ماريوت حيث أعجبوا غاية الاعجاب بما حققته ماتسن من نجاحات: «إنه لأمر مدهش وكبير جداً أن يعرف الأطفال المكفوفون أنهم يرون مستقبلهم ماثلاً أمامهم وخاصة ما يتصل بحصولهم على وظائف مناسبة».
ومع كل ما حققته ماتسن من نجاحات ترى بأنها تجاهد من أجل تحقيق حريتها: «لازلت أسعى بشكل حثيث من أجل التوصل إلى الاستقلالية، إنها شيء هام جداً بالنسبة لي رغم صعوبة نيل ذلك. وهذا الأمر يدفعني لأن أكون إيجابية لأنني لو فقدت تلك الاستقلالية فإنني سوف أخسر كل شيء…».
بقلم.: ديبا باراث
صحيفة : لوس انجلوس تايمز
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.