فاطمة هي اختي الأصغر عمراً مني بمقدار سنة واحدة هي جميلة للغاية لذلك أطلق عليها جدي الملكة نفرتيتي لأنها تشبهها كثيراً. تجربتي مع أختي فاطمة تبدأ عندما علمت أن لديها ضعف سمع حاد. كنا نذهب إلى المدرسة معاً دائماً وكنت أحب أن أذهب معها أولاً إلى صفها لأطمئن عليها ثم أذهب بعد ذلك إلى فصلي الدراسي، وكثيراً ما كنت أذهب لأجلس معها حتى لا تشعر بالوحدة في أوقات الاستراحة ولكنها كانت ترفض دائماً لأنها كانت تشعر أنها ستكون سبباً في ابتعادي عن صديقاتي، إلا أنني كنت أصر على الجلوس معها فتصر في المقابل على رأيها دون أن توضح لي السبب.
لم أتوقف عن محاولة قضاء وقتي معها في المدرسة حتى استطعت أن أقنعها أنني لست بحاجة لأصدقائي في حين أني احتاج للجلوس معها. ومع مرور الأيام اعتادت أختي الجلوس معي والحديث كثيراً لأنني كنت أشجعها على الحديث كثيراً ولو أنها تخطئ في النطق. وفي أحد الأيام تغيبت عن المدرسة وذهبت أختي بدوني. حينها قررت أن تجلس مع صديقاتها وتتحدث معهم مثلما كانت تفعل معي ولكنها عندما عادت إلى المنزل كانت صامتة لا تتحدث ورأيت الحزن في عينيها فسألتها عن سبب سكوتها. صدمت عندما قالت إن صديقاتها سخرن منها عندما لاحظن نطقها الخاطئ لبعض الكلمات وعدم سماعها لهن بشكل طبيعي وكيف أنهن سخرن منها… ثم أجهشت بالبكاء.
عندها ضممتها إلى صدري وقلت لها: لا تقلقي هذا لأنهن يشعرن بالغيرة من جمالك. ولكنها لم تقتنع بذلك لأنها شعرت أني أريد التخفيف عنها. ولكنها لم تكن تعلم أنني قررت ألا أتركها مرة أخرى مهما كانت الظروف وذهبت معها في اليوم التالي إلى المدرسة وتقدمت بشكوى بحق هؤلاء الفتيات إلى مديرة المدرسة التي طلبت منهن الاعتذار.
بعدها طلبت من أختي أن نلعب سوياً لكنها رفضت، ولطالما كانت ترفض اللعب والحديث والتنزه والذهاب إلى الرحلات العائلية لأنها كانت تتخيل نفسها في موقف أن أحدهم يوجه إليها الحديث فلا تسمعه فتقع في موقف محرج أو حتى أن يلاحظ أحدهم سماعتها الطبية فيبدأ في طرح الأسئلة المعتادة:
- ما هذا؟
- كيف تستخدمينها؟
- هل أستطيع أن أمسكها؟
كانت تكره هذه الأسئلة كثيراً وتبكي وهذا ما جعلها انطوائية تحب العزلة كثيراً وبالتالي أصبحت تخاف من الناس لا تستطيع أن تتحدث مع الأشخاص المحيطين أو الدفاع عن نفسها عندما تتعرض لأحد المواقف المحرجة وهذا جعلها ترى أنها أقل من الآخرين وأن ليس من حقها أن تشارك برأيها في الطعام الذي ستأكله أو المدرسة التي ستلتحق بها أو أن تتناقش حول أحد المواضيع العائلية. كانت دائماً تردد أنها موافقة على كل ما نقرره نحن ولا تعبر أبداً عن رأيها.
لطالما تأذت حبيبتي من المجتمع؛ صديقاتها في المدرسة، المعلمات اللواتي طالما جرحنها بكل عدم مبالاة عندما كانت معلمتها تسألها خلال الحصة ولا تسمعها حبيبتي فلا تجيب فتقول لها المعلمة بصوت عالٍ: ألم تسمعي السؤال اجلسي أنت ضعيفة المستوى… وعندما تذهب إلى البقالة للشراء ولا يتيح لها أحد الفرصة للشراء فتنتظر لآخر الوقت وتعود بدون أن تشتري ما تريد… عندما تبكي في الفصل الدراسي من تراكم المواقف عليها فلا تجد من يخفف عنها ويسألها عن سبب بكائها بل على العكس كانت المعلمة تصرخ في وجهها. حقاً كم تألمت حبيبتي.
أتذكر مواقف لا تعد مرت بها حبيبتي. تأذت كثيراً من هذا المجتمع الذي يجهل التعامل معها ومع أمثالها من ذوي القلوب البيضاء كما أسميهم أنا.
دائماً كنت أرى في عينيها الخوف كانت تعتقد أنها أقل أفراد المجتمع قدراً وكانت تخجل كثيراً من الحديث مع شخص لأول مرة كنت ألاحظ ذلك فيها وأكثر. فقررت أن أجلس معها واستمع إلى ما يجعلها هكذا رغم علمي بالسبب لكن لأخفف عنها ولو القليل ولأجعلها تواجه ما تخافه، وعندما جلست معها وسألتها كانت دموعها الإجابة على سؤالي فضممتها إلى صدري وهي تقول: جميع من حولي ينظرون إليّ نظرات تجرحني؛ منهم من ينظر إليّ بشفقة ومنهم من ينظر إليّ بسخرية لا أعلم ماذا أفعل.
حينها قررت أنه حان الوقت لأن يكون لي دور لأجعلها أسعد وأمحو آلامها. أصبحت أذهب معها أينما ذهبت، كنت أجلس معها ومع صديقاتها وأعرفهن عليها وأروي لهن مدى حبي لها وأعرفهن بمقدار ذكائها ورقتها لأدعمها أمامهن، وأحياناً كنت ألجأ إلى ردع بعض المتنمرين حتى لا يسببوا لها آلاماً نفسية قد تفاقم حالتها. وعلى هذا الوضع بدأت حالة حبيبتي في التحسن بدأت أنجح في جعلها تعبر عما بداخلها. استطعت أن أقنعها أنها أفضل حتى من الذين ليس لديهم ضعف في السمع، وبطريقة وأخرى أقنعتها بذلك حتى أصبحت تقول: أنا أحب نفسي كثيراً. أسعدتني هذه النتيجة ولكن هذا لا يمنع أنها لا زالت حساسة تجاه بعض المواقف.
وفي أحد الأيام قالت امي إنها قدمت لأختي في مدرسة مناسبة لها ولكنها لم تجد طريقة لإعلامها أنها مدرسة للأشخاص ذوي الإعاقة وأنها ستبدأ من الصف التاسع وليس العاشر كما ينبغي، ولكنها علمت بذلك وحزنت كثيراً ولم تتحدث مع أحدنا في ذلك اليوم.
بكيت كثيراً للحالة التي رأيتها عليها فقد كانت حزينة للغاية. جلست معها وحاولت اقناعها بأن المدرسة ستعجبها كثيراً وأن الجميع لديه إعاقة ما تختلف من شخص لآخر، ولكنها كانت تردد: ولكني في نظر الناس (معاقة)…!! وبعد حديث طال كثيراً شعرت حبيبتي بالنعاس ونامت وفي الصباح ذهبت معها إلى مدرستها الجديدة ودعتني بعينين تملؤهما الدموع خوفاً من ذلك الوقت الذي ستقضيه وحدها في مكان جديد مع أناس لا تعلم هل ستتعرض معهم للإحراج أم لا.
ومر اليوم الدراسي وذهبت إليها لأقلها إلى المنزل وأرى ماذا حدث معها. عندما وصلت إلى باب المدرسة رأيتها قادمة وعلى وجهها سعادة تظهر على وجهها لأول مرة. سألتها في طريق العودة إلى المنزل أن تحكي لي سبب ابتسامتها الجميلة فقالت لي بكل سعادة كنت أعتقد أنني سأعاني في المدرسة الجديدة ولكن ما حدث غير ذلك فقد أحببت المعلمات كثيراً وأحببت صديقاتي الجدد للغاية… وبدأت بسرد أحداث اليوم وكيف تعاملت معها المعلمات وكيف أصبحت صديقة لعلياء وشيخة… وكيف تواصلت مع صديقاتها بلغة الإشارة وكيف أحبوها وقالوا لها إنها جميلة للغاية… وظلت تحكي وتسرد وأنا أناجي ربي في داخلي وأقول: الحمد لله الذي أنعم عليّ بأن أسعدك يا حبيبتي.
ولم تتوقف سعادتها هنا بل زادت عندما طلبت منها المعلمة أن انضم إلى مجلس الأخوة الذي يجتمع في المدرسة أسبوعياً. كانت سعادتي أكبر من سعادتها لأني شعرت انضمامي للمجلس سيكون سبباً لاقترابي منها أكثر وأني قد أستطيع أن أسعدها عندما اهتم بما يتعلق بها في مدرستها الجديدة وبالفعل قطعت وعداً ألا أتغيب عن أي اجتماع.
وحتى تشعر حبيبتي أنني بجانبها ولو أنها تغلبت على جزء كبير من مخاوفها فأنا أطمع في أن لا تنتابها أية مخاوف من أي شيء بل أنا أطمح أن أراها قوية تحقق طموحها الذي طالما شعرت أنه لن يكون سوى حلماً فقط وأن من هم مثلها لا يسمح لهم بتحقيق مثل هذا الهدف كأن تصبح وزيرة البيئة يوما ما لتجعل من دولة الإمارات العربية المتحدة جنة تتنوع فيها ألوان الأشجار وتقوم بزراعة أكبر مساحة ممكنة في حتى الجبال، ليس ذلك فقط بل الكثير من الأفكار التي أذهلتني عندما شرحتها لي والتي جعلتني أقتنع بكل جوارحي أن الله عادل أخذ منها نعمة السمع والنطق الصحيح ولكن في المقابل أنعم عليها بأفكار وعقل لا يمتلكه الآخرون من غير ذوي الإعاقة، وأنا أشهد لها أنها جديرة بهذا المنصب الذي تطمح له وأثق أنها في يوم ما ستحقق هدفها لأني أثق بقدراتها وأثق أني سأظل أساندها حتى تصل إلى طموحها هذا غير أني أعلم أننا في دولة تنظر بجدية لطموح جميع فئات المجتمع وبالأخص (ذوي القلوب البيضاء = كما أحب أن أسميهم).
وها أنا وقد قاربت على إنهاء سرد تجربتي فإني أحب أن أوجه لكم رسالة من خلالها: اعلموا أن الله لا يظلم أحداً أبداً فيأخذ من أحدنا نظره ويصبح من الأشخاص ذوي الإعاقة في نظر المجتمع ولكن يزيد له الله في إحدى حواسه الأخرى فيوظف الأخرى ليعوض بها ما فقده، أو قد يستطيع تحليل الأمور بشكل عالي المستوى، وقد يجعل الله أحدنا معاقاً حركياً ولكن ينعم عليه بعقل مميز فيصبح عالماً كالعالم (ستيفن هوكينج) عالم الفيزياء المشهور بذكائه غير الطبيعي الذي غير حياة البشرية بعلمه واكتشافاته وغيره الكثير من الأمثلة.
لذلك أعلم أن الأشخاص ذوي الإعاقة ليسوا أقل منا مكانة ولا حتى نساويهم، فهم في معظم الأوقات أفضل منا عند الله فما عندهم من إعاقة يكون حجة لهم يوم القيامة أمام الله وقد يدخلون بسببها الجنة بدون حساب في حين يحاسب الجميع على كل ذرة في حياته.
أخيراً أحب أن أختم برسالة لحبيبتي أختي الجميلة
حبيبتي فاطمة أنا معك مذ كنا أطفالاً صغاراً وسأظل معك ولك حتى تنتهي حياتي، لن أتخلى عنك أبداً سأظل أساندك لتحققي هدفك فلا تيأسي أبداً بل شدي بيديك على يدي لأني لا أرى للحياة معنى بدونك واعلمي أنني بحاجة إليك أكثر من حاجتك لي كثيراً فأنت النور الذي يضيء حياتي وأعدك يوماً ما سأنادي عليك بلقب (سعادة الوزيرة) فتوكلي على الله واعلمي أني إلى جانبك دائماً فلا تخافي أبداً. يا أجمل من رأت عيناي.
سارة صلاح رمضان
تاريخ الميلاد: 1/1/ 2002
مكان الإقامة: مدينه خورفكان
رقم الهاتف: 0522156636
طالبة في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري فرع خورفكان حصلت على؟
شهادة مشاركة فعالة في محاضره الاقتباس والتناص في نصوص المسرح المدرسي خلال مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي
شهادة مشاركة فعالة في محاضرة التمثيل الايمائي في المسرح المدرسي خلال مهرجان با الحصن للمسرح الثنائي
شهادة مشاركة فعالة في مهرجان خورفكان المسرحي
في الثانوية ألقيت الكثير من المحاضرات للصفوف الأصغر في المدرسة مثل محاضرة أنواع التفكير الناقض وانضممت إلى مجلس الأخوة في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية وحصلت على منصب رئيسة المجلس.
شاركت في مسابقة الذكاء الصناعي أيضاً في المرحلة الثانوية وصممت فكرتين إحداهما تكنولوجية والأخرى ميكانيكية.