من بلدته الجلمة حتى جنين يقود كل يوم دراجته المتحركة رغم معاناته من الاعاقة الحركية، همه الأول والأخير البحث عن فرصة عمل بشهادته الجامعية رافضاً أن يعيش على المساعدات، ومصمماً على حقه بالتوظيف وفق ما نص عليه قانون المعاق الفلسطيني .
ورغم مرور سنوات وسنوات على تخرجه من جامعة القدس المفتوحة وحصوله على بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية، فان الخريج حازم عرفات فراحتي الذي يتجاوز عمره اليوم الأربعين عاماً، يرفض الاستسلام للأمر الواقع ويصر على البحث عن عمل خاص به حتى وإن حصل على كتاب خطي من رئيس الوزراء سلام فياض موجهاً لديوان الموظفين يطالب بتعيينه ومعاملته كأولوية .
تحدى الصعاب في سبيل العلم والمعرفة
لم تكن طريق حازم للجامعة والشهادة والتخرج وقبل ذلك المدرسة وتغيير نظرته للحياة وكسر الحواجز التي ترافق مسيرة المعاق سهلة، فقد رافقها الكثير من الالم والمعاناة التي ألقت بظلالها على شخصيته قبل أن يتحرر من تلك القيود ويصبح اكثر إقبالاً على الحياة واصراراً على بناء مستقبل وأسرة ورسم أحلام جميلة.
ويقول حازم الذي كان بكر والده في أسرة مكونة من 5 أفراد: كانت صدمة عائلتي كبيرة بعدما أصبت في شهري التاسع بالمرض الذي سرعان ما اكتشف الأطباء انه حمى شلل الاطفال رغم أن الولادة كانت طبيعية وبعد رحلة طويلة من البحث عن حل وعلاج في كل مكان استقر الاطباء على رأي أنني أعاني من شلل أطفال رباعي وفقدت القدرة على الحركة ولا يوجد امامي حل سوى التعايش مع تلك الحالة طوال عمري.
إصرار المتابعة بعد المعاناة
في سنوات عمره الأولى وحتى العاشرة عاش حازم في ظلال الصدمة، واستسلم للأمر الواقع وتأثر بشكل كبير حتى أنه رفض الالتحاق بالمدرسة رغم أنه كان يتمتع بقدرات عقلية كاملة، ويقول: “عشت اياماً مؤلمة بسبب إعاقتي وانعزلت عن العالم والاطفال رغم كل محاولات والدي لمساعدتي واخراجي من تلك الحالة حتى أنني رفضت دخول المدرسة، ولكن عندما بلغت سن العاشرة وشاهدت أوضاع إخوتي وأقراني طلبت من والدي ادخالي للمدرسة وبالفعل فرحت أسرتي والتحقت بمركز الاميرة بسمة في القدس، وكنت بسن العاشرة والتحقت بالصف الأول ولكن بسبب إقبالي على الدراسة وبروز قدراتي الاستيعابية جرى ترفيعي للصف الثاني بعد 3 شهور، وانتظمت بالدراسة وحافظت على النجاح وتحديت ظروف الاعاقة وبعد اتمام الصف السادس كنت قد نجحت في كسر الكثير من الحواجز وتأقلمت مع الناس والمجتمع ولم أعد افكر بالاعاقة.
انتقل حازم لمدرسة “طاليثا كومي” في بيت لحم عن طريق مؤسسة بوابة الحياة ليخوض غمار مرحلة جديدة في حياته، ويقول: في هذه المرحلة تحسن وضعي النفسي والصحي كثيراً واصبح لدي أمل وحلم ان أكمل دراستي وطموح أن أتقدم لأتخرج وألتحق بالجامعة كباقي الشباب وكسرت الحواجز، وللحقيقة فإن أجواء الحياة العائلية التي توفرت لي في تلك المؤسسة كانت من أهم العوامل في تغييري ومنحي قوة الإصرار على ان أصبح فاعلاً ومنتجاً ورفض الاستسلام للإعاقة وتأثيراتها، ومن هناك انتقلت لمدرسة الأمل في (بيت جالا) وواصلت دراستي وتقدمت للثانوية العامة في الفرع التجاري ونجحت وحصلت على معدل 75%، وكان نجاحي بمثابة دفعه كبيرة لأصر على حياة افضل ومستقبل مشرق.
الدراسة الجامعية
لم يتردد حازم في الالتحاق بالجامعة، ويقول: “كنت ارغب بالالتحاق في إحدى الجامعات ولكن ظروفي المالية وحالتي كمعاق وعدم توفر الاحتياجات المطلوبة لي في تلك المرحلة في الجامعات، فلم يكن أمامي سوى الالتحاق بجامعة القدس المفتوحة عبر الانتساب، فلم يكن من السهل علي التنقل يوميا والوصول للجامعة التي كانت تساندني وتشجعني، وكذلك أهلي كانوا سعداء جدا فقد بدأت أخطط للحصول على وظيفة وبناء حياة أخرى ككل الشباب بعد الجامعة التي فتحت أبوابها امامي”.
ويضيف “صممت على تحدي كل العوائق والمصاعب وواصلت دراستي لمدة 5 سنوات حتى تخرجت عام 1999، ولا توجد كلمات تصف فرحتي عندما حصلت على الشهادة التي كانت تكريساً لقاعدة لأن الاعاقة لا تلغي الطاقة، وبدأت أفكر بالوظيفة “.
أريد حقي المشروع
لم تدم فرحة حازم طويلا بعد الشهادة، فقد واجه صدمة الواقع، ورغم ذلك فإنه بارادة وتحد يقول “الكثير ممن هم يعيشون حالة كحالتي يستسلمون للأمر الواقع ويفضلون تلقي المساعدات، لكنني أفخر بما حققته من نجاح رغم إعاقتي يعجز عنه كثيرون ممن ليست لديهم إعاقة، وأصر على المطالبة بحقي في وظيفة تضمن لي العيش الكريم، ورغم تقديري لما تقوم به المؤسسات والوزرات من دعم ومساعدة للأشخاص من ذوي الإعاقة إلا أنني أريد ان أكون عضواً فاعلاً ومنتجاً ومشاركا ًفي بناء المجتمع وهذا حقي المشروع بموجب القانون الفلسطيني “.
خيبة أمل
حازم الذي لم يتوقف عن طرق الأبواب الرسمية أو الشعبية منذ سنوات وسنوات، ويشارك في الأعمال والأنشطة التطوعية، يحفظ عن ظهر قلب نصوص القانون لكنه يشعر بألم وخيبة أمل كونه ما زال غير قابل للتطبيق، ويقول: “طيلة السنوات الماضية وأنا اتقدم لجميع الدوائر الحكومية والخاصة وللشركات والمؤسسات للحصول على عمل اعتاش منه بكرامة دون طلب المعونة من أحد أيا كان، ولكن للأسف لم أجد آذانا صاغية رغم ما نص عليه القانون الفلسطيني من حقوق للمعاقين في التوظيف.
ويضيف: قبل 13 عاماً وتحديداً عام 1999 صادق الرئيس الراحل ياسر عرفات رحمه الله على قانون تشغيل المعاقين وأقره المجلس التشريعي في قراءته الاولى والثانية والذي ينص على تشغيل ما نسبته 5% من موظفي السلطة وغيرها من المؤسسات من المعاقين، لذلك من حقنا ان نتساءل لماذا حتى اليوم لم يطبق هذا القانون؟ وما هو الحل والعمل لنعيش أنا وغيري من ذوي الإعاقة بكرامة؟ علماَ أنني أتقاضى راتباً شهرياً من الشؤون الاجتماعية يقارب الـ 200 درهم، وهو مبلغ غير كاف لتوفير أبسط احتياجاتي وأدواتي وحتى العلاج الذي أتناوله احيانا، بينما يمكن من خلال توظيفي بشهادتي أن احصل على فرصة أفضل وحياة كريمة، وأن اكون مساهما في خدمة مجتمعي، فكل التجارب تؤكد أن الخريجين من ذوي الإعاقة وحملة الشهادات كانت لديهم قدرات ابداعية وانجازات أكثر من غير المعاقين لدى توظيفهم وحصولهم على فرص عمل ووظائف مناسبة.
لا أريد واسطة …
حازم الذي يعمل متطوعاً مع فريق الدعم النفسي ويقدم محاضرات كمنشط متفرغ للاطفال، يصر على العمل بشهادته والحصول على حقه في الوظيفة، ويقول: كثيرون قالوا لي إنك بحاجة لواسطة ولكني أرفض ذلك، وأصر على التمسك بالعمل بموجب شهادتي، وأناشد المسؤولين وأكرر ندائي لأنني بحاجة لتلك الوظيفة حتى أتمكن من بناء حياة واسرة كباقي شركائي في المجتمع .
محمد الشكر يعمل على البدالة ويحفظ آلاف الأرقام عن ظهر قلب
بقلب يملؤه الإيمان والرضا بدون قنوط أو يأس يواصل محمد عبدالله محمد الشكر الضنحاني رحلة تحدي الإعاقة منذ 28 سنة على بدالة منطقة الفجيرة التعليمية، عوضه الله بنعمة يراها أكبر من نعمة البصر وهي نعمة البصيرة فهو يحفظ 25 ألف رقم هاتف عن ظهر قلب، وبمجرد الاتصال به لطلب رقم هاتف أي مؤسسة أو وزارة أو شخص تراه يزودك بالرقم دون تردد.
نعمة البصر
حرمانه من نعمة البصر زاده إيماناً وإصراراً على مواصلة العطاء، ففي كل صباح يتجه محمد الشكر إلى مقر عمله اليومي في الطابق الثاني من برج الفجيرة التجاري، ليجلس في غرفة ضيقة لا تتعدى مساحتها مترين في ثلاثة أمتار، أمامه جهاز تحويل الخطوط، يلامسه بأصابعه ويحفظ أزراره واحدا واحدا.
يتمتع محمد بروح مفعمة بالأمل والحيوية ومواصلة رحلة العطاء بدون أن يتسرب اليأس إلى نفسه، حديثه ضاحك، وأسلوبه ودود، وحول بداياته قال: انضممت إلى أول بعثة إلى البحرين في عام 1973 لألتحق هناك بمعهد النور ولمدة 9 سنوات تعلمت القراءة والكتابة بواسطة طريقة بريل وحصلت على دبلوم في الاتصال بنسبة مرتفعة جدا وصلت إلى 97 بالمئة وكانت هذه البعثة تضم خمسة أفراد من أبناء الإمارات من الشارقة ودبي ورأس الخيمة وكلباء والفجيرة.
بعد أن عدت من البحرين، ومع أول فرصة أتيحت لي للوظيفة تقدمت للعمل عام 1983 على بدالة المنطقة الشرقية قبل أن يحول مسماها للاسم الحالي ولله الحمد أتقنت العمل على البدالة بسرعة، واكتشفت أن الله عزوجل وهبني نعمة الحفظ السريع، بحيث أني لو سمعت أي رقم لمرة واحدة يظل هذا الرقم عالقا في الذاكرة، ولا أنساه أبدا، ولله الحمد حتى أصبحت بعد هذا العمر الطويل مرجعا لطالبي أرقام الهواتف فأتلقى ما بين 250 إلى 300 مكالمة يوميا معظمها يطلب أرقام هواتف المدارس والعاملين في الميدان التربوي وحتى المؤسسات داخل الفجيرة وخارجها.
مشاركات
وعن مشاركاته الخارجية قال: مثلت الدولة في كثير من المؤتمرات في فئات ذوي الإعاقة في كل من قطر عام 1987 والأردن عام 1994 واستفدت كثيرا من هذه المؤتمرات ومن تجارب هذه الدول في هذا الجانب.
ومع أنه سافر لتمثيل الدولة في مؤتمرات عديدة، إلا أنه يعتب على إدارة عمله قائلا: بعد هذا العمر وقضاء أكثر من 28 سنة من العمل المتواصل مواجها كل التحديات الطويل في المنطقة لم أكرم ولم يذكرني أحد حتى بشهادة تقدير ومع هذا لم يتسلل اليأس أو التقاعس أو حتى الفتور إلى نفسي وسأواصل العمل حتى آخر العمر فالوطن بأمس الحاجة إلى جهد وعطاء وبذل كل أبنائه.
الأسرة
يؤكد محمد أن هناك دورا كبيرا لزوجته التي وقفت بجانبه طوال مسيرة حياته وكانت نعم العون ونعم السند وأنجبت له 8 أبناء 5 بنات و 3 أولاد. تمكنت من إدارة شؤون الأسرة دون الاعتماد على الخدم، ويضم بيته مكتبة متواضعة تضم 30 كتابا على طريقة بريل في الاقتصاد وعلم الاجتماع والتاريخ والجغرافيا والأدب.
يقضي الشكر أجمل أوقاته بجانب البحر، يقول: بمجرد استماعي لصوت البحر وهو يضرب الصخور والشاطئ في (قدفع) أشعر بالراحة العميقة، وهذا المكان يمثل نزهتي الحقيقية، التي ألجأ أليها بين فترة وأخرى كي أستجمع قواي وأشعر بالاسترخاء.