بقلم د.غسان شحرور
لفت انتباهي أن “دانيال” وهو اسم مدرسة إعدادية معروفة وقديمة في مدينة “رالي” الأمريكية قد تم استبداله فجأة في عام 2020، وبسبب زيارتي المتكررة لهذه المدرسة في الماضي وحضور العديد من الأنشطة المدرسية، شعرت بالرغبة والاهتمام بمعرفة الأسباب وراء ذلك.
علمت أن إدارة المنطقة التعليمية صوتت على تغيير الاسم، في نفس اليوم الذي أزالت فيه عائلة ” دانيال” تمثاله من ساحة تقع في مركز المدينة بالقرب من مقر الصحيفة ودار النشر التي أسسها “دانيال” نفسه! والتي تعد من الصحف ووسائل الإعلام الكبرى في أمريكا، وذلك بعد أن تم نصبه لنحو أربعين سنة في هذه الساحة.
تعود حياة “دانيال” إلى نهاية القرن التاسع عشر ، وقد شغل منصباً قيادياً في البحرية الأمريكية، ثم سفيراً لبلاده في المكسيك، ولعب أدواراً أخرى مهمة في تعزيز قوانين التعليم العام ومنع عمالة الأطفال، وبعدها اهتمّ بالصحافة والإعلام والنشر فأسس دار النشر الصحفية المرموقة في أمريكا، إلى أن توفى عام 1948، واستمرت عائلته في هذا العمل المزدهر بعد وفاته، لعقود طويلة، حققت خلالها إنجازات مهنية كبيرة، وتقديراً له أقامت ذلك التمثال عام 1985 بعد موافقة المدينة، تذكيراً بجهوده وأعماله في خدمة المجتمع الذي أطلق اسمه أيضاً على بعض المرافق المختلفة ومنها المدرسة.
فما الذي استجد ليؤدي إلى هذا القرار؟
اتضحَ لي خلال بحثي أنه في بعض المراجعات التاريخية لأعمال “دانيال” مؤخراً تبين لدى الباحثين أنه كان مؤيداً بل ومتورطاً في أعمال عنصرية جرت في مدينة “ولمنجتون” عام 1898
للإطاحة بإدارة محلية غير عنصرية في هذه الولاية، دعماً منه للعنصر الأبيض وأدى ذلك إلى وقوع ضحايا، الأمر الذي فاجأ عائلته وأحفاده رغم العقود العديدة التي مرت، ومنهم من لا يزال يعمل في دار نشرهم الصحفية العريقة التي قامت بتقديم اعتذار رسمي عن هذا التاريخ رغم مرور عقود طويلة من الزمن.
قال أحد أحفاده في يوم إزالة التمثال من الساحة لوسائل الإعلام: قررنا إزالة التمثال بكامل إرادتنا ودون أي ضغط من أحد، لأن هذا يمثل إيماننا بقيم التكافؤ والمساواة والعدالة في المجتمع، ولذلك نحن لانشعر بالحزن في هذا اليوم.
بغض النظر عن أسباب أخرى قد تكون مؤثرة و لانعرفها، لكن الدروس كثيرة بعين هذا اليوم، وأهمها أن مراجعة التاريخ بموضوعية أمر ضروري لكل مجتمع، فالقيم تتغير، وما كان مقبولًا في الماضي قد لا يكون كذلك اليوم، وقد لا يستمر غداً.
كما أن الاعتراف بالأخطاء وتصحيحها يعكس نضجًا أخلاقيًا، والتكريم يجب أن يكون متوافقًا مع المبادئ الأخلاقية الحالية وتطلعاتنا المستقبلية.
إن إزالة التمثال لا تعني محو التاريخ، بل التعلم منه، والبناء عليه، والمواقف الأخلاقية يجب أن تتجاوز الاعتبارات العائلية أو حتى التاريخية. كما أن المجتمعات المتقدمة هي التي تمتلك الشجاعة لمراجعة ماضيها واتخاذ قرارات تعزز العدالة والمساواة للجميع.

طبيب بشري حائز على شهادة الماجستير في طب الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها، والبورد السوري، بالإضافة إلى الدراسات العليا من جامعة برمنجهام في المملكة المتحدةBirmingham, UK، وهو من الناشطين في المجتمع المدني العربي والدولي، له إسهامات طبية وثقافية وإنسانية عديدة، إلى جانب الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية.
له عدة إصدارات في مجال الإعاقة السمعية، والبصرية، كما نشر المئات من المقالات والأبحاث في الصحة، والإعاقة، والعمل الإنساني والحقوقي وجوانب ثقافية متعددة.
شارك في تأسيس وإدارة وعضوية (الهيئة الفلسطينية للمعوقين)، (الرابطة السورية للمعلوماتية الطبية)، (الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم)، اللجنة العلمية لنقابة أطباء دمشق، وهيئة تحرير (المجلة الطبية العربي)، ولجنة الإعاقة بولاية كارولينا الشمالية للسلامة العامة، قسم إدارة الطوارئ، وعضو جمعية نقص السمع في منطقة ويك، ولاية كارولينا الشمالية، وعضو لجنة العضوية في تحالف الأطباء الأمريكي، ومستشار مؤقت لمنظمة الصحة العالمية إقليم المتوسط في القاهرة للمؤتمر الإقليمي (أفضل الممارسات في خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص المعوقين)، القاهرة، مصر (نوفمبر 2007)، كما شارك في كتاب (مواضيع الشيخوخة والإعاقة)، منظور عالمي، إصدار لجنة الأمم المتحدة غير الحكومية للشيخوخة، نيويورك 2009.
(http://www.ngocoa-ny.org/issues-of-ageing-and-disabi.html)
وقد حاز الدكتور غسان شحرور خلال مسيرته على:
- درع الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم، 2000.
- جائزة الإمارات العالمية التي يرعاها الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعمل الطبي الإنساني عام 2002.
- درع الأولمبياد الخاص، بمناسبة تشكيل الأولمبياد الخاص الإقليمي، 1993.
- براءات التقدير والشكر من منظمات الإعاقة والتأهيل في مصر، الإمارات، قطر، تونس، والكويت وغيرها.
- منظم ومدرب (مهارات التقديم المتطورة للعاملين الصحيين والأطباء)، رابطة المعلوماتية 2006.
- جائزة نجم الأمل العالمية، للإنجازات في مجال الإعاقة، مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة اتفاقية أوتاوا، كارتاجنا، كولومبيا 32 ديسمبر / كانون الأول 2009.
- أختير ضمن رواد المعلوماتية الطبية في العالم وفق موسوعة (ليكسيكون) الدولية 2015،
Biographical Lexicon of Medical Informatics ،
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4584086/