(الرابع من شباط / فبراير)
مع إطلالة هذا اليوم من كل عام، يسجل العالم نحو 13 مليون إصابة جديدة، ومع ذلك تتجدد القناعة بأن ساحات مواجهة أمراض السرطان لا تقتصر على غرف العمليات الجراحية، ومراكز التشريح المرضي، ودور الأشعة والتحاليل، وكافة المستحضرات الدوائية والكيماوية والحيوية، بل تمتد المواجهة أيضاً إلى كل ركن من أركان حياتنا حيث تكمن مخاطر ومسببات هذا المرض، إنها في خلايانا، وفي كل مكونات البيئة التي تحيط بنا: في الأرض من تحتنا، والشمس من فوقنا، وفي الغذاء الذي نتناوله، والماء الذي نشربه، والهواء الذي نتنفسه، والعمل الذي نقوم به، وكيف ننام، وكم ننام، إنها في بعض عاداتنا وتقاليدنا… نعم، إنها قائمة تبدأ ولا تنتهي.
إن جولة سريعة في عالم الأرقام والدراسات تفيد أن السرطان من أهمّ أسباب الوفاة في جميع أرجاء العالم، فقد تسبّب هذا المرض في وفاة نحو 9 ملايين نسمة في العام الماضي، ومن أهم عوامل الخطر السلوكية التي ترفع نسبة الإصابة بحالات السرطان هي البدانة، وعدم ممارسة الرياضة بشكل منتظم، وعدم تناول الفواكه والخضار بشكل كاف، وتعاطي التبغ (التدخين) والكحول، وهناك أيضاً أمراض فيروسية معدية تؤهب لحدوث السرطان في كثير من بلاد العالم، مثل تلك الناجمة عن فيروس التهاب الكبد بي أو سي، و(فيروس الورم الحليمي البشري)، وغيرها.
إن تعدد وتنوع وتعقد عوامل الخطر التي تساعد على الإصابة بهذا المرض جعل من التوعية الصحية، والسلوك الصحي أهم ساحات مواجهة هذا المرض الخطير وسبل الوقاية منه والتغلب عليه.
وهكذا تسعى المؤسسات الحكومية والأهلية والأفراد إلى استثمار المعرفة التي توصّل إليها البحث العلمي من أجل وضع برامج مواجهة هذا المرض والوقاية منه، ومعالجة المصابين به، وهناك العديد من التجارب الناجحة حول العالم التي أسهمت وتسهم في نشر الوعي وتعزيز السلوك الصحي المطلوب، ودعم المؤسسات العاملة في مكافحة السرطان، وكشفه المبكر.
في هذا اليوم العالمي الذي اعتمدته المنظمات الدولية تحضرني قصة مثيرة في العزم على مواجهة هذا المرض، قصة ألهمت الكثير من الجمعيات ووسائل الإعلام والجهات التطوعية والإنسانية، بل وحتى المؤسسات الحكومية والعلمية، إنها قصة (تيري فوكس) الكندي التي بدأت في عام 1977 عندما أصيب بمرض السرطان في عظام ساقه اليمنى، وعمره لم يتجاوز الثامنة عشرة، ورغم ما بذله الأطباء من جهود كبيرة في معالجته إلا أنهم اضطروا أخيراً إلى بتر ساقه في محاولة منهم لوقف زحف هذا المرض الفتاك.
لم تدفعه هذه التجربة الأليمة إلى اليأس والقنوط كما يفعل الكثيرون، بل زادته تصميماً على فعل شيء يساعد مرضى السرطان، ويخفف معاناتهم، فكيف يكون ذلك وهو لا يملك شيئاً لتحقيق هذا الهدف الكبير؟… لقد دفعته إرادته وعزيمته التي لا تلين، إلى التفكير بطريقة جديدة، ألا وهي القيام بحملة كبيرة لجمع التبرعات من أجل تأسيس صندوق أبحاث السرطان، هذه الأبحاث المتخصّصّة في دعم وتعزيز الوقاية والكشف المبكر وتقديم العلاجات المتعددة، فقرر أن يسير، وبمفرده، في حملته تلك على ساقه الصناعية عبر مساحات كندا الشاسعة، من المحيط الأطلنطي شرقاً إلى الساحل البعيد على المحيط الهادي غرباً مروراً بالمدن والقرى الكندية، عبر آلاف وآلاف الأميال، داعياً الناس جميعاً إلى التبرع والمشاركة وتحمل المسؤولية، مستقطباً بذلك اهتمام وسائل الإعلام المختلفة، إضافة إلى المؤسسات والأفراد الذين تحمسوا لهذه الفكرة النبيلة واستجابوا لها.
نعم لا يملك المرء أمام هذه التجربة الإنسانية إلا أن ينحني احتراماً لهذه الشجاعة والعزيمة اللتين تحلى بهما (تبري فوكس)، وهو في مقتبل العمر، لقد قدم (تيري) نموذجاً حياً للإنسان الذي يواجه التحديات ويرفع راية الأمل في أحلك لحظات اليأس، واستطاع رغم ما أصابه أن يقدم الكثير والكثير لمراكز أبحاث السرطان من خلال رحلة الأمل التي قام بها.
وتخليدا لرحلة الأمل تلك، أخذت المؤسسات الكندية الحكومية والأهلية تشجع قيام هذا السباق الخيري السنوي في مختلف أنحاء العالم، على أن ترصد الأموال التي يقدمها المشاركون من أفراد ومؤسسات لصالح أبحاث السرطان في البلد الذي يستضيف السباق، هذا بالإضافة إلى دعم المؤسسات التوعوية بكافة عوامل الخطر وكيفية تجنبها، وتكثيف الجهود المبذولة، في مجالات كشفه المبكر، وتقديم أنجع وسائل العلاج اللازم.
في هذا اليوم العالمي، لابد أن نشيد بجهود العديد من الجمعيات ووسائل الإعلام العربية التي تبذل جهودا كبيرة في هذه المواجهة المستمرة التي لا تتوقف ولن تتوقف على طريق تعزيز الوعي بين أبناء المجتمع لتفادي عوامل حدوث الإصابة، وسبل كشفها المبكر، وتيسير حصول أبناء المجتمع جميعاً على خدمات الكشف المبكر والعلاج الناجع.
تيري فوكس
(إضافة من المحرر):
تيرنس ستانلي فوكس المعروف بتيري فوكس (28 يونيو 1981 28 يوليو 1958) هو رياضي وناشط في دعم ابحاث السرطان وإنساني كندي. قام في عام 1980 بالركض عبر كندا بساق واحدة، بعد أن تم بتر الأخرى، لجمع الأموال والتوعية حول أبحاث السرطان. وأجبره انتشار السرطان في جسمه في وقف مسعاه بعد 143 يوماً بعدما قطع 5373 كيلومتراً (3339 ميلاً) كلفته حياته، إلا أن جهوده أسفرت عن نشاطات دعم لابحاث السرطان في جميع أنحاء العالم. وقد أصبح (ركض تيري فوكس) حدثاً عالمياً سنوياً، منذ عام 1981، يشارك فيه الملايين في أكثر من 60 بلداً، وتعتبر الآن أكبر حدث عالمي لجمع التبرعات في يوم واحد لأبحاث السرطان.
لقد تم جمع أكثر من 500 مليون دولار كندي باسمه.
كان فوكس عداء المسافات ولاعب كرة السلة لميناء كوكيليتام، كولومبيا البريطانية، والمدارس الثانوية وجامعة سايمون فريزر. بترت ساقه اليمنى عام 1977 بعد اصابته بمرض عظمي، رغم أنه واصل الجري باستخدام الساق الاصطناعية.
كما لعب كرة السلة على كرسي متحرك في فانكوفر، وفاز بثلاث بطولات وطنية. وكان فوكس أصغر شخص سمي بـ (رفيق نظام كندا) (Companion of the order of Canada) وفازسنة 1980 بجائزة (لو مارش) كأفضل رياضي في البلاد كما سمي (صانع أخبار كندا العام) في كل من عامي 1980 و 1981.
يعتبر بطلاً قومياً، وسميت العديد من المباني والطرق والحدائق باسمه تكريماً له في جميع أنحاء البلاد.
ماراثون الأمل
في عام 1980، بدأ (ماراثون الأمل) للجري البعيد عبر البلاد لجمع الأموال لأبحاث السرطان. أمل فوكس بجمع دولار واحد من كل فرد من الشعب الكندي الذي يصل تعداده إلى 24 مليون نسمة وقتها. بدأ مع زخم ضعيف من سانت جونز، نيوفنلند في نيسان / أبريل وركض ما يعادل ماراثوناً كاملاً كل يوم إذ كان يركض 24 كلم في اليوم.
وحين وصل إلى أونتاريو أصبح فوكس نجماً وطنياً، وقدم العديد من الظهور الإعلامي مع رجال الأعمال والرياضيين والسياسيين كمجهود لجمع الأموال. ووصلت التبرعات إلى تسعة ملايين دولار كندي، وكانت رمزا لاستمرار ماراتون الأمل الذي بدأه تيري فوكس وهو رغم وضعه السيء لم يفقد الأمل واستمر بالتصريح بأنه سيستأنف سباقه، إلا أنه اضطر إلى انهاء الركض عند وصوله إلى ثاندر باي في أونتاريو عندما انتشر السرطان إلى رئتيه.
انتهت آماله بالتغلب على المرض واستكمال الماراثون وتوفي بعد تسعة أشهر في الثامن والعشرين من حزيران عام 1981 قبل شهر بالضبط من عيد ميلاده الثالث والعشرين إلا أنه حقق هدفه بجمع 28 مليون دولار، وتابع الفكرة كندي آخر هو (ستيف فونيو)، الذي بترت ساقه للسبب نفسه، وقرر السير على خطى فوكس ووصل إلى الشاطئ الغربي جامعاً التبرعات لأبحاث السرطان.
وبالمنحى نفسه، قام صديق فوكس المقرب (ريك هاسنين)، الذي كان لديه شلل نصفي، برحلة حول العالم على كرسيه المتحرك لجمع التبرعات لأبحاث أمراض العمود الفقري. وفي كل سنة تجرى سباقات تيري فوكس في كندا وبلدان كثيرة في العالم. ويتم من خلال هذه السباقات جمع مبالغ تصل إلى مئات ملايين الدولارات لدعم أبحاث السرطان.
طبيب بشري حائز على شهادة الماجستير في طب الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها، والبورد السوري، بالإضافة إلى الدراسات العليا من جامعة برمنجهام في المملكة المتحدةBirmingham, UK، وهو من الناشطين في المجتمع المدني العربي والدولي، له إسهامات طبية وثقافية وإنسانية عديدة، إلى جانب الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية.
له عدة إصدارات في مجال الإعاقة السمعية، والبصرية، كما نشر المئات من المقالات والأبحاث في الصحة، والإعاقة، والعمل الإنساني والحقوقي وجوانب ثقافية متعددة.
شارك في تأسيس وإدارة وعضوية (الهيئة الفلسطينية للمعوقين)، (الرابطة السورية للمعلوماتية الطبية)، (الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم)، اللجنة العلمية لنقابة أطباء دمشق، وهيئة تحرير (المجلة الطبية العربي)، ولجنة الإعاقة بولاية كارولينا الشمالية للسلامة العامة، قسم إدارة الطوارئ، وعضو جمعية نقص السمع في منطقة ويك، ولاية كارولينا الشمالية، وعضو لجنة العضوية في تحالف الأطباء الأمريكي، ومستشار مؤقت لمنظمة الصحة العالمية إقليم المتوسط في القاهرة للمؤتمر الإقليمي (أفضل الممارسات في خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص المعوقين)، القاهرة، مصر (نوفمبر 2007)، كما شارك في كتاب (مواضيع الشيخوخة والإعاقة)، منظور عالمي، إصدار لجنة الأمم المتحدة غير الحكومية للشيخوخة، نيويورك 2009.
(http://www.ngocoa-ny.org/issues-of-ageing-and-disabi.html)
وقد حاز الدكتور غسان شحرور خلال مسيرته على:
- درع الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم، 2000.
- جائزة الإمارات العالمية التي يرعاها الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعمل الطبي الإنساني عام 2002.
- درع الأولمبياد الخاص، بمناسبة تشكيل الأولمبياد الخاص الإقليمي، 1993.
- براءات التقدير والشكر من منظمات الإعاقة والتأهيل في مصر، الإمارات، قطر، تونس، والكويت وغيرها.
- منظم ومدرب (مهارات التقديم المتطورة للعاملين الصحيين والأطباء)، رابطة المعلوماتية 2006.
- جائزة نجم الأمل العالمية، للإنجازات في مجال الإعاقة، مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة اتفاقية أوتاوا، كارتاجنا، كولومبيا 32 ديسمبر / كانون الأول 2009.
- أختير ضمن رواد المعلوماتية الطبية في العالم وفق موسوعة (ليكسيكون) الدولية 2015،
Biographical Lexicon of Medical Informatics ،
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4584086/