بدأت رحلة علاج ابنتي رغد منذ (6) سنوات.. هي ومعتز توأم رزقني الله بهما بعد (7) سنوات حرمان ولله الحمد. إلا أن فرحتي بهما لم تكتمل فعند ولادتهما تم وضعهما في الحاضنة بسبب عدم اكتمال الرئة لديهما وبقيا فيها لأربعة أيام.
وبسبب خطأ طبي وإهمال أصيبا بضمور في خلايا المخ وبعد خروجهما من المشفى وذهابي بهما إلى بلدي اكتشفت ظهور حول في عيون طفليّ فذهبت إلى طبيب العيون الذي أرسلني بدوره إلى أخصائي المخ والأعصاب فطلب مني الأخير عمل رنين مغناطيسي للطفلين.
وكانت تلك صدمتي الأولى عندما وجدت أن الإهمال وارتفاع درجة الحرارة داخل الحاضنة أدى إلى ضمور في خلايا المخ وتسبب بالحول لابنيّ وانفصال شبكية العين لدى ابنتي رغد التي فقدت بصرها نتيجة ذلك.
وساءت حالتي من شدة الصدمة التي وقعت عليّ وفي هذه اللحظة دعوت الله عز وجل أن يعطيني القوة والصبر وبدأت رحلة المعاناة مع إصابة أطفالي هذا إلى جانب نظرات الناس والأهل الذين كانت عيونهم وكلامهم أشد قسوة من الصدمة نفسها.
طبيب المخ والأعصاب الذي شخص حالة طفلي قال لي وقتها: اذهبي يا ابنتي الله يعطيك القوة والصبر، وقال لي إن الميزة في وضعك أنك بحثت عن ذلك مبكراً، ووصف لي بعض الأدوية والإبر وسافرت وأنا لا أعلم كيف سيكون مصيري مع طفلي اللذين بلغا من العمر 4 شهور، ولكن بسبب ضعف جسميهما كان كل من يراهما لا يعطيهما عمراً أكثر من أسبوع.
وتلقيت الصدمة الثالثة عندما ذهبت لإعطائهما لقاح الأربعة أشهر فبينما كانت الطبيبة تجري لهما الفحص كنت أمزح وأضحك معها وأطلب منها أن تصف لهما بعض الفيتامينات التي تقويهما بسبب ضعفهما وصغر حجمهما، ولكنها صدمتني بقولها: أتضحكين ولديك طفلان معاقان!!
وقعت كلماتها على مسامعي كأنها صاعقة وكاد يغشى عليّ ولكنني تمالكت نفسي وقلت لها: لم أعلم بذلك رغم أني كنت أبحث عن علاجهما.
وبكيت وانهرت بشدة، إلا أنني لم أيأس من رحمة الله، وتعرفت على مركز التدخل المبكر بالشارقة التابع لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حيث رحب بي العاملون هناك وأعطوني الأمل الذي كنت بأمسّ الحاجة إليه فعندما قصدت المركز كنت أبكي بحرقة وأصرخ، فاستقبلوني بحب وابتسامة واحتووا ألمي وبدأوا معي الجلسات وعرفوني بالخدمات والإرشادات التي تفيد طفليّ، فكنت في كل مرة أذهب إلى المركز والفرحة تغمرني لذلك كنت أرشد أي شخصٍ لدية طفل من ذوي الإعاقة كي يتوجه إليهم.
والحمد لله بعد بضع سنوات تغير طفلاي فأصبحا يجلسان ويتحركان والمفاجأة التي أسعدتني كثيراَ هي شفاء ابني معتز عندما تحدى إعاقته وبدأ يمشي ويتحدث ويلعب كأي طفل آخر فالتحق بمدارس الدمج وكانت فرحتي عندما تخرج من المركز وأصبح الحمل أخف وأسهل لمتابعة ابنتي الحبيبة رغد وذلك أعطاني قوة وصموداً أكبر ولم أفقد الأمل للحظة في تدريبها وتأهيلها حيث كانت مشاكلها أكثر من أخيها فهي لا تستطيع الرؤية والحركة وحتى التحدث وعندها تأخر شديد.
ذهبت بها إلى المستشفى لتلقي جلسات تخاطب ولكن صدمني الطبيب المعالج وقال لي إنها كفيفة فكيف يتسنى لي أن أعلمها…!!
كانت صدمتي كبيرة فابنتي لا تتحدث ولا ترى ولا تتحرك ولا تأكل حتى، فقد كانت فقط تعيش على حليب الرضاعة كطفلة ولدت من شهورٍ قليلة، ومع صبري وإصراري على تعليمها قررت أن التحق بالجامعة ودرست دبلوم تخاطب وكل ما كنت أدرسه كنت أذهب وأطبقه على ابنتي حتى تمكنت من التحدث والكلام بطلاقة.
وبمساعدة إخواني في مركز التدخل المبكر بالشارقة وقسم الإعاقة البصرية ووقوفهم إلى جانبي فإن ابنتي رغد في تحسن كبير ولله الحمد وقد تخرجت من مركز التدخل المبكر إلى مدرسة الوفاء لتنمية القدرات.
ونصيحتي اليوم لكل أسرة لديها طفل من ذوي الإعاقة أن يصبروا ويثابروا ولا يفقدوا الأمل أبداً فالله قادر على كل شيء… الطفل المعاق ليس لديه دخل فيما حدث له، وأطلب من الأهل الذين لديهم أبناء من غير ذوي الإعاقة أن يحمدوا الله كثيراً ويدعوا لنا بالقوة وألا يتنمروا على أولادنا وألا يتلفظوا بما يجرحنا. فمن لا يَرحم لا يُرحم والحمد لله.