إعداد : إبراهيم المنيفي ، المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة
طريقة تناول قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة في الفن والمسرح من أهم ما يجب أن يتصدى له الأشخاص ذوو الإعاقة ومناصروهم، وكل من يدعي الدفاع عن الحقوق والتنوع بالنقد والتصويب.
الفنون مرتبطة بحياة الناس، ويمكن من خلال الفنون المختلفة زرع قناعات وقيم واتجاهات نحو أي قضية، وقضايا الأشخاص ذوي الإعاقة من أكثر القضايا في بلادنا والدول العربية التي جنت عليها الدراما والفنون الأخرى ولم تخدمها كقضايا المرأة والأمن والحرية مثلاً.
“بيونسيه تعيد تسجيل إحدى أغانيها في ألبومها الجديد بسبب تعبير مسيء للأشخاص ذوي الإعاقة”،، تصدر هذا العنوان الصحف والقنوات في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى في أغسطس الماضي، وذلك بسبب تضمن ألبوم الفنانة أغنية بعنوان “هيتِد” التي ورد فيها تعبير قريب من عبارة “يفقد صوابه، أو يُجَن” وهو التعبير الذي يعرف في الولايات المتحدة بأنه يسيء للأشخاص ذوي الإعاقة الذين يعانون من الشلل الدماغي التشنجي.
هذا التعبير الذي نكاد نسمعه كل يوم في بلادنا بتعابير وصور أخرى أشعل منصات التواصل الاجتماعي، في الولايات المتحدة فالجميع وليس الأشخاص من ذوي الإعاقة وحدهم في أمريكا عبروا عن رفضهم له لأن الدفاع عن التنوع وحقوق فئة من فئات المجتمع هي قيمة عند الجميع هناك.
لقد بادر مكتب أعمال “بيونسيه” للاعتذار ضمنياً والتوضيح، وقال لبي بي سي: “إن التعبير لم يستخدم بشكل متعمد لإيقاع أذىً نفسي، والتعبير سيتم استبداله في الأغنية”، ولكن لم يحدد موعداً لإعادة تسجيلها.
“بيونسيه” التي أجبرها جمهورها الواعي على الاعتذار وإعادة تسجيل الأغنية هي واحدة من أشهر الموسيقيين في أمريكا، وهي ممثلة وفنانة حصلت على جائزة Jrammy Awards ، 28 مرة وهي أكبر جائزة في أمريكا تقدم في مجال الموسيقى، وواحدة من أكبر أربع جوائز في مجال الفنون والمسرح في ذات البلد.
ليس هذا فقط، فقبل نحو أسبوعين أجبر الجمهور المتشبع بالوعي الفنانة “ليزو ” Lizzo، مغنية البوب الشهيرة على الاعتذار بسبب استخدام ذات التعبير في أغنيتها بعنوان: “غرلز”، وقالت ليزو Lizzo في بيان عبر وسائل التواصل الاجتماعي: “دعوني أقل شيئاً بوضوح: أنا لم أرد أبداً الترويج للغة مهينة.. وكامرأة سمراء سمينة أعيش في أمريكا سمعت العديد من الكلمات الجارحة، وعليه فإني أتفهم القسوة التي تتضمنها الكلمات سواءً كانت عن عمد أو غير عمد كما في حالتي”، ولم تمضِ أيام حتى أعادت إصدار الأغنية بعد أن قامت بحذف التعبير المسيء.
“ليزو” أيضاً حصلت مرتين على جائزة Jrammy Awards ورُشحت لها عدة مرات.
تخيلوا لو أن فناناً في بلادنا وصلت أغنيته على يوتيوب إلى مليون مشاهدة فقط، وتضمنت تعبيراً مسيئاً أو نمطياً عن الأشخاص ذوي الإعاقة!!، هل سيتنبه الجمهور لتلك الإساءة فضلاً عن محاسبة الفنان اجتماعياً؟ هل سيتنازل ذلك الفنان ويعتذر أم سيضرب بالانتقادات عرض الحائط، ويحاول التذاكي والتبرير.
كم أساءت الدراما في بعض الدول العربية للأشخاص ذوي الإعاقة؟، وكم استخدم الفنانون والإعلاميون في بلادنا تعبيرات مسيئة وقاصرة ونمطية عن الأشخاص ذوي الإعاقة دون أن يحاسبهم أحد؟
إن الفنون والدراما تلعب دوراً لا يستهان به في تشكيل وعي الجمهور، وبناء قناعاتهم واتجاهاتهم نحو مختلف القضايا سلباً أو إيجاباً، وعلى الأشخاص ذوي الإعاقة أفراداً ومؤسسات أن يطلعوا بأدوار حقوقية للحيلولة دون الإساءة لهم في الفنون على اختلافها.
وإن من المؤسف جداً ألا نسمع عن مؤسسة من مؤسسات الأشخاص ذوي الإعاقة رفعت قضية في المحاكم، أو اعترضت، أو حتى أصدرت بياناً تجاه القوالب النمطية والمسيئة في وسائل الإعلام من قبل الفنانين والممثلين في الأعمال الفنية والدرامية التي زادت كميتها وزادت بالتوازي مع ذلك الإساءة للأشخاص ذوي الإعاقة، إلا من بيانات وتقارير صحفية من المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة الذي تقصى بجهود ذاتية تلك القوالب النمطية والمتحيزة، وبعض الأفراد من الأشخاص ذوي الإعاقة.
ومن نافل القول إن الكتاب، والمخرجين، والممثلين، وشركات الإنتاج، والقنوات، وحتى النقاد، وكل من يقع على عاتقهم صناعة الوعي يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم الأخلاقية والمهنية، ويجب أن يأخذوا في حسبانهم شريحة الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرها من شرائح المجتمع وحقها في عدم التناول المتحيز والقاصر، كما أن من أهم معايير النقد التي يجب أن تعمم على الأعمال الفنية والدرامية هي التعبير عن المجتمع بتنوعه، ولذلك يجب أن يحضر الأشخاص ذوو الإعاقة في هذه الأعمال إلى جانب النساء، والأشخاص ذوي البشرة السوداء، والأطفال….
كم نتمنى كأشخاص ذوي إعاقة أن نصل إلى مرحلة من الوعي المجتمعي بحيث لا نشعر أننا نصرخ وحدنا بلا صدى، وبأننا لسنا وحدنا، وأن المجتمع يقف إلى جانبنا لرفض التناولات القاصرة والنمطية عنا.
كم نتمنى أن يعرف الفنانون والممثلون والإعلاميون أننا جزء كبير لا يستهان به من جماهيرهم ونستحق أن نُقدَر، وأن يحسبوا لنا حساباً في أعمالهم ولا يتخذوا منا ومن إعاقاتنا وسيلة للشهرة والنكتة وإضحاك الناس، نحن بشر ومواطنون ولنا مشاعر وقبلها حقوق، وهناك قوانين واتفاقيات دولية تلزم الجميع باحترامها.