قصص كثيرة تلك التي تتحدث عن الأشخاص من ذوي الإعاقة، بعضها نسمع عنه وبعضها الآخر نعايشه على أرض الواقع، بعضها يتناول أبناء هذه الشريحة من المجتمع بشيء من المبالغة والبهرجة وبعضها الآخر ينتقص من قدراتهم وإمكاناتهم، ومما لا شك فيه أن أفضل هذه القصص تلك التي تسلط الضوء على المعاقين باعتبارهم أشخاصاً شأنهم شأن غير المعاقين لديهم المشاعر والأحاسيس ونقاط الضعف والقوة. بعبارة أخرى، إن أفضل تلك القصص هي التي تتناول واقع الأشخاص من ذوي الإعاقة انطلاقاً من الموضوعية والاحترام والتقدير فهم يستحقون ذلك كما يستحقه غيرهم ومن غير المفيد لهم أو للمجتمع بشكل عام أن يتم تصويرهم كأبطال خارقين حيناً وحيناً آخر بشكل سلبي غارق في الأفكار المسبقة أو الخاطئة.
النسب التي تذكرها إحصائيات المنظمات واللجان المعنية بشؤون الاشخاص من ذوي الإعاقة المحلية والدولية وجميعها تؤكد أن ما بين 15 إلى 20 % من عدد سكان العالم هم من الأشخاص ذوي الإعاقة يحتم على الجميع مراجعة حساباته حول كيفية التعاطي مع قضاياهم والعمل بجهد وإخلاص لمساندتهم في نيل حقوقهم المكفولة بالشرائع والقوانين، فالأشخاص من ذوي الإعاقة يشكلون جزءاً مهماً من المجتمع وأي تقصير تجاههم ستنعكس آثاره السلبية على المجتمع ككل وليس عليهم فقط.
من هذا المنطلق تولي مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية جل اهتمامها وتركيزها للارتقاء المستمر بأحوال الأشخاص من ذوي الإعاقة اجتماعياً واقتصادياً وتعليمياً إيماناً من جميع العاملين فيها وفي مقدمتهم سعادة الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي مدير عام المدينة أن أبناء هذه الفئة من المجتمع قادرون على العطاء والتميز والإنجاز متى توفرت لهم الظروف المواتية التي تراعي احتياجاتهم بشكل علمي مدروس وتتيح لهم فرصة التعبير عن ذواتهم بالشكل الأمثل.
قصتنا اليوم عن عبد الرحمن محسن علي وهو طالب من طلبة المدينة في ورشة الخزف بقسم التأهيل المهني، وعبد الرحمن يبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً، مجدّ، نشيط، مخلص في العمل، يحب زملاءه في الورشة ويبادلونه ذات المحبة، وهو من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية لكنه لم يستسلم لها وبفضل من الله وبمساندة أسرته ومدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ها هو عبد الرحمن قد تعلم حرفة الخزف إلى حد كبير ويقوم بإتقان لافت برفقة زملائه في الورشة تحت إشراف مدربهم بصناعة العديد من التحف الخزفية المميزة والجميلة.
تدرج عبد الرحمن في فصول وأقسام مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية بداية من مركز التدخل المبكر وهو طفل صغير كون إعاقته مصاحبة له منذ الولادة، حيث تلقى في المركز الخدمات والبرامج والأنشطة التي يتم تقديمها للأطفال من ذوي الإعاقة، ثم انتقل بعد ذلك إلى مدرسة الوفاء لتنمية القدرات ونهل العلم في فصولها حتى التحق بورشة الخزف في قسم التأهيل المهني قبل عامين وهو ما زال فيها حتى الآن.
يقول الطالب عبد الرحمن عن عمله مع زملائه في ورشة الخزف: نقوم بداية بصب الطين في القالب ثم يتم فتحه وإخراج الشكل المطلوب وتركه لليوم التالي بعدها نقوم بعملية (الصنفرة) وهي تنظيف زوايا القطعة من الزوائد، وبعد مسح القطعة بالماء يتم إدخال الشكل إلى الفرن الصغير بدرجة حرارة 950 درجة حيث تسمى القطعة بعد هذه المرحلة (بسكوت)، يتم تلوينها بعدها بالألوان المناسب وإدخالها إلى الفرن الكبير بدرجة حرارة ما بين 1100 و1200 درجة وبعد إخراجها تكون قد أصبحت جاهزة للعرض والبيع.
تسود بين عبد الرحمن وزملائه في الورشة من ذوي الإعاقة مشاعر المحبة والاحترام وهم يتعاونون فيما بينهم تحت إشراف مدربهم لصنع إبداعاتهم الخزفية ويمضون أوقاتهم في الورشة بسعادة وحبور الأمر الذي ينعكس إيجاباً على إبداعاتهم التي تلاقي رواجاً كبيراً عند كل من يزور المدينة وأيضاً لدى زوار المعارض التي ينظمها قسم التأهيل المهني فيتم اقتناء هذه التحف نظراً لجودتها والمهنية العالية التي صنعت بها.
مدرب ورشة الخزف أدهم قاسم أكد أن الطالب عبد الرحمن يتمتع بموهبة متميزة في صنع الخزف وما يضيف إلى تميزه إخلاصه في العمل والاندفاع لمساعدة زملائه في مختلف مراحل صناعة القطعة الخزفية الأمر الذي ولد في نفوسهم حباً واحتراماً وتقديراً له، لكن المدرب أدهم لم يخف وجود خلاف واضح بينه وبين عبد الرحمن كما لم يخف ذلك عبد الرحمن نفسه!!
جوهر الخلاف هو أن عبد الرحمن من مشجعي نادي برشلونة أما المدرب أدهم فمن مشجعي نادي ريال مدريد، الأول يعتبر ميسي أفضل لاعب في العالم والثاني يعتبر أن رونالدو هو الأفضل، هذا الخلاف بين المدرب وطالبه يستمتع به طلاب الورشة حين يستمعون إليه ويضحكون ملء قلوبهم لدى حضورهم للنقاش بين مدرب الورشة وعبد الرحمن كل منهما يحاول أن يقنع الآخر بصوابية رأيه وسط أجواء تسودها العفوية والمحبة.
الحلم الكبير بالنسبة لعبد الرحمن هو الانضمام لفريق العاملين في المدينة بعد التخرج من قسم التأهيل المهني، فهو يحب عمله بورشة الخزف بالإضافة إلى إتقانه له دون أن ننسى موهبة الحديث التي يتمتع بها والتي شجعت مدير القسم الأستاذ أمجد الطواهية أن يجعله ناطقاً باسم ورشة الخزف يعرف عن عمل الطلبة فيها والمراحل التي تمر بها القطعة الخزفية من الألف إلى الياء.
الطواهية أوضح أن التدريب الذي تلقاه عبد الرحمن كمناصر ذاتي في مدرسة الوفاء لتنمية القدرات كان له كبير الأثر في تعزيز ثقته بنفسه والتعبير بوضوح عن طبيعة العمل الذي يقوم به، ومنذ التحاقه بقسم التأهيل المهني تم تكليف الاختصاصية النفسية ومدرب ورشة الخزف بتنمية هذه الموهبة وتدريب عبد الرحمن على الحديث مع زوار الورشة عن العمل الذي يقوم به مع زملائه من ذوي الإعاقة وآلية صنع الإبداعات الخزفية التي تنال إعجاب وتقدير الزوار.
عبد الرحمن شخص طموح، مجتهد، متعاون مع زملائه ومدربه والجميع يحبه، الأمر الذي أكده هؤلاء الزملاء ومن بينهم عبد الله الحمادي وخليفة حسن اللذان عبرا عن حبهما لعبد الرحمن واحترامهما الكبير له ولإخلاصه في العمل مؤكدين أنهم جميعاً أصدقاء مميزون جداً.
خاتمة
عبد الرحمن شخص من ذوي الإعاقة لم يسمح لإعاقته أن تقف حائلاً بينه وبين طموحه وبفضل الله واهتمام الأسرة ومدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ها هو عبد الرحمن يبذل كل ما يستطيع لنيل العلم والمعرفة واتقان حرفته ليواصل العمل بعد التخرج ويشارك أقرانه من غير المعاقين في بناء وتقدم المجتمع.
حازم ضاحي شحادة
- بكالوريوس في الصحافة / جامعة دمشق
- صحفي في جريدة الوحدة السورية سابقاً
- صحفي منذ عام 2007 في قسم الإعلام / إدارة الاتصال المؤسسي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- كاتبٌ في مجلة المنال الإلكترونية
الخبرات
- التطوع والعمل سنوياً منذ العام 2008 في مخيم الأمل الذي تنظمه مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حيث قامَ بتحرير أخباره أولاً بأول.
- التطوع والعمل منذ العام 2008 في مهرجان الكتاب المستعمل الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2007 في ملتقى المنال الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره.
- المشاركة في ملتقى التوحد (خارج المتاهة) الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في أبريل من العام 2015 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التدخل المبكر الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في يناير من العام 2016 والمساهمة في تحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التقنيات المساندة الذي نظمته المدينة في مارس من العام 2017 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2008 في حملة الزكاة التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية سنوياً وتحرير أخبارها أولاً بأول.
- لا بد من الإشارة إلى عشرات وعشرات الفعاليات والأنشطة والزيارات التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ويقوم بتحرير أخبارها أولاً بأول.
- كما لا بد من الإشارة إلى أن 80 في المائة من الأخبار المنشورة عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في مختلف الصحف والمواقع منذ منتصف العام 2007 وحتى يومنا هذا هي من تحريره.
المؤلفات
- أديبٌ سوري يكتبُ في الصحافةِ العربيةِ منذ عشرين عاماً
- صدر له حتى الآن:
- المبغى / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- اختلافٌ عميقٌ في وجهات النظر / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- أيامٌ في البدروسية / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- فوق أرض الذاكرة / مجموعة قصصية. دار آس سوريا
- أوراق نساء / 2012 ـ ديوان . دار بصمات ـ سوريا
- نشرت العديد من قصصهِ في مجلات وصحف ومواقع إلكترونية سورية وعربية منها
- (مجلة الآداب اللبنانية) (مجلة قاب قوسين) الأردنية (مجلة ثقافات الأردنية) (مجلة انتلجنسيا التونسية) (جريدة الوحدة السورية)