بقلم : حليمة حسين آل علي
الطالب زيدان عمر من مواليد 1996 هو الطفل البكر في عائلته، شُخِّصَ بعَرضِ اضطراب طيف التوحد، وكانت سمات التوحد لديه بنسبة %50-60.
التحق بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية عام 2000 وكان يبلغ من العمر حينها أربع سنوات، ثمّ انتقل عام 2012 إلى مركز الإعاقات الشديدة والمتعددة، وهو ما يزال طالباً فيه إلى يومنا هذا.
تقول عنه شقيقته خديجة: ولد زيدان بسمات اضطراب طيف توحد شديدة، وعادة يتم اكتشاف الإعاقات الشديدة طبياً في وقت مبكر، لكن، بما أن زيدان كان الطفل الأول والمدلل، توقع والديّ أنه طفل سليم وطبيعي فتأخرت مرحلة تشخيصه إلى عمر الأربع سنوات. وبعد تشخيصه باضطراب طيف التوحد انضم إلى مركز التدخل المبكر، وتعتبر حالة زيدان أول حالة من حالات اضطراب طيف التوحد لدينا في العائلة.
وعن مرحلة طفولته تضيف الأخت خديجة: كان زيدان طفلاً نشيطاً جداً، ومرحاً يحبُّ الحركة، لكنه كان كثير التعرض للحوادث.
أم زيدان قالت: كنت أشعر بألم في أعصاب يدي بسبب فرط حركته وكونه غير مدرك لخطورة هذا الشيء. فقد سقط زيدان مرتين من الشرفة والدرج الكهربائي، كما دخل إلى غرفة العمليات مرات كثيرة، وعلى جسده ما زالت آثار هذه الحوادث وما خلفتها من ندوب. في البداية اعتقدنا أنه طفل كثير الحركة فقط، إلى أن أخبرنا الطبيب الاختصاصي بحالته.
ومنذ ولادته، لم ينطق زيدان سوى كلمتين “ماما وبابا”، وبعدها فقد القدرة على النطق، إلى أن بدأ دروس النطق واللغة، وعندما أكمل الست سنوات كانت أول جملة له “أريد ماء”.
بعد التحاقه بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية وتلقيه دروس اللغة المكثفة داخل وخارج المدينة، أصبح زيدان متحدثاً، يناقش ويعطي رأيه في الأمور ويعبر عن مشاعره خلال الحديث.
وتضيف أم زيدان: المدينة هي السبب الرئيسي في تحسن حالة زيدان على مدى 26 عاماً، بالإضافة إلى المتابعة في المنزل من قبل الأهل. تحسنت حالة زيدان جداً، الآن لا توجد لديه سوى سماتٍ بسيطة من أعراض اضطراب طيف التوحد مثل التكرار أو حركات اليد، ويحب كثيراً الاندماج في المجتمع والتواصل مع الناس.
كان زيدان طفلاً غير مدرك لما يدور حوله، أما الآن، هو يدرك الأمور ويعلم ما يدور حوله وتقدم نحو الأفضل، فأصبح يعتمد على نفسه في الكثير من الأمور، وبالنسبة للعائلة كان هذا الشيء غاية في الأهمية، كما تراجع فرط الحركة لديه بشكل ملحوظ. مثلاً، لم يكن زيدان يتواصل بصرياً مع الشخص الذي يحدثه، أما الآن فأصبح التواصل بالعين أمراً مهماً جداً بالنسبة إليه، وهو لا يُحب الحديث مع أشخاص لا ينظرون إليه.
تكفّلت مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية بجميع الخدمات المقدمة لزيدان من العلاج الوظيفي والعلاج بالموسيقى وغيرها، وكانت هذه الخدمات على درجة عالية من الاحترافية والفائدة، حيث استفاد منها كثيراً.
تحتفظ أسرة زيدان إلى الآن بكافة الخطط الدراسية والتقارير عن حالته منذ التحاقه بالمدينة، ولو عدنا إليها الآن للاحظنا مقدار التطور والتقدم الذي حققه زيدان بدرجة كبيرة.
من أمثلة ذلك، كان تقييم زيدان ضمن حصص العلاج الوظيفي يفيد بعدم إتقانه إمساك الكرة، وبعد مضي الأشهر وهو يتلقى الخدمة المناسبة، استطاع إتقان هذه الحركة، ولا بد من الإشارة إلى أن التقدم في حالات الإعاقات الشديدة والمتعددة بطيء وملاحظة هذا التقدم لا تتم خلال أيام بل أشهر.
يحب زيدان الذهاب إلى المدينة كثيراً ودائماً يسأل “متى سأذهب إلى المدرسة ومتى ستأتي الحافلة”.
قالت خديجة: واجهنا الكثير من التحديات في البداية، مثلاً فيما يتعلق بمشاعر الناس تجاه أخي، كانت مبالغة جداً في كثير من الأحيان.
حين ذهبنا إلى سوريا في إحدى الزيارات، ما أن رأى الأقرباء والجيران حالته، حتى انهالوا بالبكاء عليه مع توجيه نظرات الشفقة فكان الأمر مزعجاً جداً لأننا مؤمنين بقضاء الله وقدره.
أما على مستوى العائلة، فقد كانت الدافع الأول والمساند في الكثير من الأمور.
وفيما يخص الأماكن الخارجية والسفر، تقتصر زياراتنا على أماكن محددة لأن زيدان لا يحب الأماكن المغلقة، ومنذ سنوات طويلة لم نسافر لرؤية الأهل فأمي لا تستطيع ترك زيدان دقيقة واحدة.
انضمت خديجة إلى مجلس الأخوة التابع لمدرسة الوفاء لتنمية القدرات منذ 12 سنة كأصغر عضوة فيه، وكونت خلال هذه الفترة الكثير من الصداقات.
من أهم أهداف المجلس إتاحة الفرصة أمام أخوة الطلبة والطالبات من ذوي الإعاقة للاجتماع والتحدث والنقاش وتلقي الإرشاد من ذوي الخبرة.
ويستقبل المجلس أي شقيق من ذوي الإعاقة، ويعمل على تنسيق فعاليات عديدة مثل رحلات ترفيهية، ومعسكر الأخوة الذي يجمع إخوة الأشخاص من ذوي الاعاقة لمناقشة حالات أخوتهم وتبادل المعارف والتجارب وحل المشكلات التي يواجهونها.
تقول أم زيدان: قبل 25 عاماً لم يكن تشخيص عرض اضطراب طيف التوحد دقيقاً كما هو الحال عليه هذه الأيام، ولكم قال الاختصاصيون في تلك المرحلة إن تشخيص زيدان هو فقدان حاسة السمع، فأجرينا له عملية.
مررنا بالكثير من المواقف مع الأطباء، منها الجميلة ومنها التي تؤلمنا كلما تذكرناها، ومن أكثر المواقف القاسية حين قال أحد الأطباء عن زيدان: “لديه تخلف”، اذهبي به إلى المنزل دون أن يشخص حالته، ذلك اليوم لا أنساه ابداً.
ثمة العديد من المواقف التي بنت شخصيتي، وقد وصلت إلى مرحلة من النضوج والوعي مع ابني زيدان.
وتضيف أم زيدان: عندما يبتسم زيدان أشعر أن الدنيا تبتسم لي، وعندما أرى حب الناس لطفلي أشعر بسعادة لا توصف.
خلال اليوم أكون جداً مستمتعة وأنا أطعمه وأتحدث معه بقصص أطفال يكررها عليّ يومياً، التعايش مع الإعاقة أمر صعب جداً، لكنه ابتلاء من الله ونحن نرضى بقضاء الله وقدره.
الأستاذ محمد قاسم معلم الطالب زيدان أشار إلى مقدرة زيدان الآن على مشاركة مجموعة من المعلمين والزملاء في الحوار والتعبير بكلمات بسيطة عن السعادة والفرحة والحديث عن البرنامج اليومي الخاص به.
ونظراً لاستقرار حالته السلوكية خلال الفترة السابقة، ظهر تطور ملحوظ لديه في العديد من المجالات مثل العناية الذاتية والاستقلالية في بعض المهارات الحياتية.
يتلقى زيدان العديد من الخدمات مثل (التدريب الفردي، التدريب الجماعي، والإرشاد الأسري)، بالإضافة إلى الأنشطة المساندة ومنها: الموسيقى والتربية الفنية بالإضافة إلى الأنشطة الحركية في الصالة الرياضية.
وجّهت أم زيدان رسالة إلى أمهات وآباء الأشخاص من ذوي الإعاقة، وقالت:
يجب على الأهالي عدم الاستهانة بموضوع التعليم والتأهيل حيث أنه واجب عليهم كآباء أن يأخذوا أولادهم إلى المراكز التأهيلية، وأنا أتحدث من واقع تجربة، التغيير في حالة زيدان لم يكن بسيطاً من قبل المدينة، بل كان كبيراً جداً، لأن الأهل ليست لديهم الخبرة الكافية التي ستوفرها مثل هذه المراكز من الناحية التعليمية والطبية.
وأضافت أيضاً: أحبوا أولادكم واعتبروهم أمانة رزقنا الله بها وارضوا بما كتبه الله لكم كي تصلوا إلى أعلى درجات السعادة والرضا.
وفي النهاية قالت أم زيدان:
أنا أشكر الله لأني أعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي توفر لهذه الفئة من الأشخاص جميع حقوقهم من التعليم والوظيفة والخدمات الصحية، والمجتمع هنا في هذه الدولة مجتمع مثقف وواعي بهذه الفئة من الناس. جزى الله الإمارات ومدينة الشارقة للخدمات الإنسانية وصاحب السمو الشيخ الدكتور الشيخ سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة كل خير، ولكل من ساهم في رسم الابتسامة على وجوه الأشخاص ذوي الإعاقة.