قيمة الإنسان في الحياة لا تقاس بثروته ولا بمنصبه ولا بجاهه ولا بجمال جسمه ومظهره، إنما تقاس بأخلاقه، وبمدى إحساسه بآلام وأفراح الآخرين، وبطريقه تعامله معهم.
يحكي أحد الأمريكيين القصة التالية.. يقول:
كنا في حفل عشاء مخصص لجمع التبرعات لمدرسة للأطفال ذوي الإعاقة، فقام والد أحد التلاميذ وألقى كلمة لن ينساها أحد من الحضور مادام حيا. فبعد أن شكر المدرسة والمسؤولين عنها طرح السؤال التالي:
لقد خلق الله كل شيء بمنتهى الكمال والإتقان، لكن ابني التلميذ في هذه المدرسة لا يمكنه أن يتعلم الأشياء بنفس الطريقة التي يتعلمها بها الأطفال الآخرون الذين ليست لديهم إعاقة، فلا يمكنه فهم الموضوعات التي يفهمونها، فأين نصيب ابني من ذلك!!
بُهت الحاضرون ولم يجدوا جواباً، وأكمل الأب حديثه: أعتقد أنه حين يأتي إلى الدنيا طفل مثل ابني لديه نقص في قدراته الجسمانية والعقلية فإنها تكون فرصة لإظهار مدى الروعة والإتقان في الطبيعة البشرية عبر الطريقة التي يعامله الآخرون بها.
ثم قص علينا القصة التالية..
قال: مررت أنا وابني بملعب للبيسبول حيث كان عدد من الأولاد الذين يعرفون ابني يلعبون هذه اللعبة..
ــ (وفي هذه اللعبة يتم تسجيل الأهداف بمرور اللاعب على أربع نقاط حول الملعب راجعاً إلى النقطة الأولى التي بدأ منها) ــ ..
… وسألني ابني: هل تعتقد أنهم سوف يسمحون لي باللعب؟ وكنت أعلم أن أغلب الأولاد لن يرغبوا في وجود شخص ذي إعاقة مثل ابني في فريقهم، ولكنني كأب كنت أعلم أنهم إن سمحوا له باللعب فإن ذلك سوف يمنحه الإحساس بالانتماء وببعض الثقة في أن الأولاد الآخرين يتقبلونه على الرغم من إعاقته.
اقتربت متردداً من أحد الأولاد في الملعب وسألته ــ (ولم أكن أتوقع منه الكثير) ــ إن كان يمكن لابني أن يلعب معهم، ودار الولد ببصره ثم قال: نحن خاسرون حتى الآن بست جولات، واللعبة في دورتها الثامنة، وأعتقد أننا يمكن أن ندخله في الدورة التاسعة ونعطيه المضرب.
وتهادى ابني بمشيته التي تظهر معها إعاقته إلى دكة الفريق ولبس قميصه وابتسامة واسعة تعلو وجهه، وراقبته أنا بدمعة فرح رقيقة وشعور بالدفء يملأ قلبي، ورأى الأولاد مدى فرحي بقبولهم لابني.
ومع بدء الجولة التاسعة أعطوا ابني قفازا ولعب في أقصى يمين الملعب، ورغم أن الكرة لم تأت عنده إلا أن سعادته وحماسه كانا واضحين لمجرد وجوده في اللعبة، واتسعت ابتسامته لأقصى حد وأنا ألوّح له من وسط المشجعين.
وأحرز فريق ابني نقاطا إضافية وتقلص الفارق إلى نقطتين، ما جعل الفوز ممكنا. وجاء الدور على ابني ليمسك المضرب، فهل تتوقعون أن يعطوه المضرب ويضيعوا فرصتهم في الفوز؟!..
لدهشتي أعطوه المضرب، رغم علمهم المؤكد أنه من المستحيل أن يحرز نقاط الفوز، إذ لا يمكنه حتى أن يمسك المضرب بصورة سليمة، ويكاد يستحيل عليه ضرب الكرة بصورة متقنة، ولكن مع تقدمه إلى دائرة اللعب وإدراك لاعب الخصم أن فريق ابني يضحي بالفوز لهدف أسمى وهو إسعاد وإثراء حياة ابني بهذه اللحظة التي لا تتكرر، قدم مفاجأة أكبر حيث تقدم عدة خطوات وألقى الكرة برفق لابني حتى يتمكن على الأقل من لمسها بمضربه، وحاول ابني ضرب الكرة ولكنه فشل بسبب إعاقته، وخطا مدافع الخصم خطوات إضافية مقترباً من ابني ورمى الكرة برفق بالغ نحوه، فضربها بدوره ولكن بضعف، وردها إلى خصمه الذي تلقفها بسهولة.
وتوقعنا أن تكون هذه هذه نهاية المباراة بأن يمررها لزميله في النقطة الأولى وكان ذلك سيجعل ابني يخرج من المباراة التي تنتهي بهزيمة فريقه، لكن بدلاً من ذلك رمى المدافع الكرة فوق رأس زميله بعيدا عما يمكن أن يطوله أي من أعضاء فريقه، وبدأ الكل من مشجعي ولاعبي الفريقين يصيح على ابني مشجعاً: اركض.. اركض إلى النقطة الأولى، وكانت هذه أبعد مسافة يجريها ابني، واستطاع بصعوبة أن يصل إليها، وترنح في طريقه على خط الملعب وعيناه تتسعان حماسا وارتباكا.
وصرخ كل من كان في الملعب: اركض.. اركض يا بطل إلى النقطة الثانية.
ووصل ابني إلى النقطة الثانية لأن لاعب الخصم بدلاً من أن يعوقه كان يعدل اتجاهه بحيث يصل إليها وهو يصيح به مشجعاً، وتكرر المشهد حتى وصل إلى النقطتين الثالثة والرابعة محققا لفريقه النقطة الكبرى وهو يترنح..
أحاط به الآخرون راسمين له الطريق إلى نقطة الفوز، وحيّاه كل الحضور باعتباره البطل الذي أحرز النقطة الكبرى وفاز لفريقه بالمباراة.
في ذلك اليوم ــ أضاف الأب والدموع تنساب على وجنتيه ــ ساعد الفتيان من الفريقين كليهما في إضافة لمسة من الحب الصادق والإنسانية إلى هذا العالم.
وأضاف الأب بحسرة:
لم ير ابني الصيف التالي، حيث وافاه الأجل في ذلك الشتاء، ولكنه لم ينس حتى آخر يوم في حياته أنه كان بطل المباراة، وكانت من أسعد لحظات حياته حين عاد إلى المنزل في ذلك اليوم وتلقته أمه بالأحضان والدموع في عينيها فرحا بالبطل الرياضي لذلك اليوم.
حكمة القصة:
كل منا يستطيع أن يصنع الفارق في حياة شخص يحتاجنا.. كل منا يستطيع رسم الإبتسامة لكن في حال كانت لدينا قلوب طيبة حقاً!