بقلم سامي سعيد محمد
مؤسس جمعية أصداء للارتقاء بالصم
في مدينة الغردقة الساحرة وداخل أروقة المدرسة الألمانية حيث التعليم بنظام ثنائي اللغة عقدت مسابقة برمجة الروبوت I Cool Challenge … حيث شاركت جمعية أصداء لرعاية الأشخاص الصم وضعاف السمع بفريق من ضعاف السمع مع مدربهم من الأشخاص الصم وذلك للمرحلة الجامعية لمسابقة Co Space Rescue وهي مسابقة تهدف لبرمجة روبوت يستخدم في إنقاذ الكائنات الحية من الكوارث الطبيعية بالبحث عنها ونقلها إلى أماكن آمنة مع تجنب العوائق خلال البحث عن تلك الكائنات.
اقرأ ايضا: الأشخاص الصم مصدر إلهام للإبداع والتميز في مسابقات الليجو للروبوت
وقد حصل فريق أصداء من ضعاف السمع على المركز الثاني لأفضل برمجة روبوت في نهائيات بطولة الجمهورية وهو ما أهلهم للاشتراك في نهائيات البطولة الدولية المقرر تنظيمها في الصين خلال أكتوبر 2024
وكانت من ضمن فعاليات المسابقة مرحلة الفريق السوبر وهو فريق مكون من مجموعتين من الفرق، فريق ضعاف السمع والآخر فريق لفتيات مبدعات من طالبات مدينة الغردقة.. وكان الإبهار أن تواصل أعضاء الفريقين معًا في مجموعة السوبر دون الحاجة إلى مترجم لغة الإشارة حيث جعلوا من لغة البرمجة التي يتعاملون بها لغة التواصل وتبادلوا خلالها الخبرات والمهارات في العمل الجماعي ووضع الخوارزميات لحل المشكلات التي يتعرض لها الروبوت فكانت أكواد ” رموز” البرمجة ذات طابع خاص حققوا بها المركز الثاني بين الفرق السوبر على مستوى الجمهورية.
لغة الإشارة روح متحدثيها وحلقة الوصل بينهم وبين العالم الخارجي بكل فئاته
فلقد وحدوا اللغة بينهم في رموز وأكواد البرمجيات ودمجوا لغتهم الإشارية مع لغة برمجة الروبوت ليحققوا بأنفسهم اندماجهم بين كافة الفرق من السامعين وكأنهم يتعاملون بذات نظام ثنائي اللغة المطبق في التدريس بمقر المسابقة في المدرسة الألمانية.
وأعرب م / نادر شريف مدرب الفريق وهو من الأشخاص الصم عن إعجابه بأداء الفريق الذي تحدى كافة الصعوبات فهو كمدرب يتعامل مع عضوي الفريق بلغة الإشارة رغم كونهما من فئة ضعاف السمع والأعجب أنهما يتعاملان فيما بينهما من خلال لغة التخاطب وقراءة حركة الشفاه بينما تعاملا مع فريق الفتيات بالغردقة المشارك معهما في الفريق السوبر بالنطق والسمع النسبي وجعل تواصلهما المتنوع في الأسلوب والنمط مع المدرب وفيما بينهما ومع فريق الفتيات بل واندماجهما مع لغة البرمجة من هذا الإنجاز إبداعًا بكافة جوانبه.
لقد نجحا في التغلب على العوائق وفي التواصل .. مهاراتهما في التواصل مع الأشخاص السامعين تشبه كثيراً مهاراتهما في برمجة الروبوت … إنهما بالفعل متميزان.
أما الطالب / محمد رضا من الأشخاص ضعاف السمع فعبر عن سعادته بالمشاركة في هذه المسابقة والوصول إلى نهائيات الجمهورية وأكد بأنه سوف يسعى لنشر مهارات برمجة الروبوت للأطفال والطلائع من الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية ليتيح لهم الفرصة الكاملة لدخول عالم الروبوت والبرمجيات استعدادًا للدخول في عالم الذكاء الاصطناعي الذي يعيشه العالم حاليًا وليكون لمجتمع الصم وضعاف السمع مكانته التي يستحقها في هذا العالم .
ما أبهر لجان التحكيم هذا الاندماج غير المعهود الذي حققه الفريق من ضعاف السمع داخل المجتمع التنافسي في مجال التكنولوجيا والبرمجيات والروبوت..
وأفاد الطالب / عمر السيد وهو من فريق ضعاف السمع بأنه استشعر قيمته الإنسانية ووجوده الحقيقي وسط كافة الفرق المشاركة على مستوى الجمهورية وأن تحقيق المركز الثاني لأفضل فريق سوبر في برمجة الروبوت جعله يشعر بالفخر خاصة وأنه سيواجه تحدياً أكبر في تمثيل مصر ضمن النهائيات الدولية للمسابقة في الصين.
وكم كانت سعادتنا كبيرة ونحن نتعامل مع فريق من التحكيم في المسابقة يجيد التواصل معنا من خلال لغة الإشارة حينًا وقراءة الشفاه حينًا آخر لنؤكد بأنها بالفعل المسابقة الوحيدة في مصر والعالم التي أتاحت لنا الدمج والمساواة والتكافؤ في الفرص والإتاحة الكاملة بتيسير التواصل المباشر مع لجنة التحكيم دون الحاجة إلى مترجم لغة الإشارة في كثير من فعاليات المسابقة .
وأكد محمد سالم دياب مدير مسابقة البرمجة في مصر والشرق الأوسط على أهمية نشر تعلم البرمجيات بين طلاب المدارس والجامعات مؤكدًا أن الفرق المصرية تنافس دومًا الفرق الأخرى على المستوى الدولي بجدارة واقتدار وأنها تكون دومًا الفرق التي تتواجد في المقدمة ضمن المحافل الدولية لمسابقات برمجة الروبوت بينما لفرق الروبوت من الأشخاص الصم وضعاف السمع نجد طابعًا خاصًا ووجودًا متميزًا فلا زالت تلك الفرق هي الوحيدة التي تشارك في مسابقات برمجة الروبوت على المستوى الدولي وهم بالفعل فخر لنا.
تعرف على خدمات مدرسة الامل للصم – مدينة الشارقة للخدمات الإنسانيةhttp://www.schs.ae
وجمعية أصداء هي جمعية أهلية تأسست بالإسكندرية عام 2000 لرعاية المعاقين سمعيا والارتقاء بمجتمع الصم في كافة جوانب الحياة بهدف إعلاء قيمتهم الإنسانية وليتواصلوا مع مجتمعهم ويندمجوا فيه.
وتهدف الجمعية إلى:
- إنشاء أكاديمية تعليمية لخدمة مجتمع الصم داخل الإسكندرية بصفة خاصة ومصر بصفة عامة.
- المساهمة في تعليم وإيجاد فرص عمل مناسبة لمجتمع الصم عن طريق الارتقاء بهم تعليميا
- .إنشاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مجال تكنولوجيا المعلومات ICT بهدف زيادة فرص العمل لمجتمع الصم.
- تنفيذ مشروعات تكنولوجية تساهم في النهوض بمجتمع الصم مثل: استخدام المكالمات المرئية كوسيلة اتصال بدلا من الصوت.
- إنشاء موقع الكتروني لتعليم لغة الإشارة باستخدام تكنولوجيا التعلم الالكتروني.
لم يستطع مؤسس الجمعية أن يدرك خلال سنوات طفولته الأولى الحكمة وراء أنه ولد بأذن صماء، ذلك الجزء الذي ورثه عن أمه الصماء والذي كان سببا في إنشاء جمعية أصداء لارتقاء بالصم وضعاف السمع .
“أنا تعبان نفسيا، مش قادر أعيش من غيرها” قالها سامى جميل (53 سنة), وقد اغرورقت عيناه بالدموع، خاصة أنها توفيت منذ سنوات قليلة، وكان أكثر أبنائها تعلقا بها لدرجة أنه لم يحتمل أن يعيش بعيدا عنها بعد زواجه، ربما يكون السبب وراء ذلك يكمن في شعوره الدائم بأنه يحمل جزءا منها.
“ابن الخرسة” تلك الجملة التى ألقتها إحدى السيدات في وجهه أثناء إحدى المشاجرات وكأنها سبة، فكر فيها كثيرا وتأمل معناها وقرر أن يحولها إلى مصدر للفخر ليعلنها على الملأ “أنا ابن الخرسة”.
شكل صمم والدته كل خطوة في طريق حياته حيث التحق بكلية الزراعة ودرس في قسم الوراثة ليتعرف بدقة على إمكانية أن يرث أبناؤه الصمم عنه أو عن جدتهم ودفعه خوفه من إنجاب أطفال صم إلى الابتعاد عن زواج الأقارب فتزوج من امرأة من خارج العائلة.
وبعد تخرجه، قرر الانضمام إلى إحدى الجمعيات الأهلية التي تهتم بشؤون الصم ليتمكن من مساعدتهم بكافة الطرق، وكانت المساعدات تقتصر على استخراج بطاقة شخصية أو تقديم إعانات أو مساعدات مالية بينما كان طموحه يتعدى ذلك بمراحل حيث كان يتمنى أن يخترق مجال تعليم الصم ليطوره (الأصم يقضى 14 سنة في مدارس الصم ويتخرج “بصمجي”),.
قرر سامي إنشاء جمعية أصداء للارتقاء بالصم وضعاف السمع ، والتى نجح في تأسيسها بأموال الصم أنفسهم وبدأ التفكير في تطوير تعليم الصم ومحو أميتهم من خلال مشروع لتأهيل مدرسين لمحو أمية الصم في اللغة العربية، مهمة شاقة ما بين تدريب المدرسين على لغة الإشارة وتدريبهم على المنهج الجديد الذى يتم تدريسه بالتعاون مع الهيئة العامة لتعليم الكبار. ولم يكتف بذلك حيث قرر أن يعلم الصم الحاسب الآلي من خلال إعداد منهج خاص لتعليم الكمبيوتر للصم باستخدام لغة الإشارة.
ونجح في إلحاق مجموعة من الشباب الصم بمنحة وزارة الاتصالات للحصول على الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي ICDL بمنهج مبتكر بلغة الإشارة واجتياز الاختبارات باللغة الإنجليزية.
كان سامي يتمنى أن يشارك في العديد من المسابقات على المستوى الدولي، إلا أنه كان يسأل على استحياء إذا كانت هناك إمكانية في اشتراك الصم في مثل هذه المسابقات، إلا أنه قرر أن يخوض المغامرة ويشارك في عدد من المسابقات الدولية للروبوت، والتى قرر أن يعد أطفال الجمعية قبلها بفترة كافية ليندهش من النتيجة، حيث حصل شباب الجمعية على المركز الثالث في مسابقة الروبوت التى نظمت على مستوى مصر ليشاركوا بعدها في المسابقة العربية للروبوت في الأردن والمسابقة الآسيوية للروبوت في اليابان.. بل وحصلوا على المركز الأول بمصر بين السامعين ليمثل فريق الصم مصرًا بالمسابقة الدولية للروبوت بالولايات المتحدة الأمريكية محققين المركز الأول لكأس أحس مشروع إبداعى للروبوت وكأس أحسن تدريب وإشراف على بين كافة دول العالم وبعدها توالت المشاركات الناجحة بأستراليا وأندونيسيا .. وغيرها.
وصل سامي جميل بأبناء الجمعية من الصم إلى أكثر مما كان يحلم إلا أن جعبة أحلامه لم تفرغ بعد حتى بعد أن حصل ثمانية من أبناء الجمعية على منحة فولبرايت الأمريكية والتي تمنح الصم فرصة لدراسة التسويق وتصميم المواقع وإدارة الشركات السياحية والتبريد والتفصيل في إحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية حيث إلتحقوا بدورة في اللغة الانجليزية لمدة 8 شهور وساتفروا بعدها وقضوا عامين بجامعة أوهلونى بالولايات المتحدة وحصلوا على المنحة الدراسية.
الجدير بالذكر أن نجاحات الصم بمسابقات الروبوت دفعت بالاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بإلحاق أربعة من الصم وضعا فالسمع المتميزين للدراسة بها بمنحة دراسية كاملة تقديرًا لتميزهم في مجال تصميم وبرمجة الروبوت .
كما أن أكاديمية سيسكو للشبكات والنظم بادرت بتأسيس أكاديمية أصداء – سيسكو للشبكات والنظم لإتاحة الفرصة للصم للحصول على شهادات سيسكو الدولية بهدف تخريج مهندسين شبكات من الصم وضعاف السمع أنفسهم ليسيروا على طريق النجاح.
ويخطط سامى لإنشاء المعهد العالي للصم في مجال الحاسب الآلي والفنون التطبيقية والمحاسبة المالية والسياحة والفنادق بعد عودة أبناء الجمعية من الخارج ليكونوا النواة الأولى التيتبنى عليها أساسات المعهد.
حصل سامي على عضوية مؤسسة أشوكا العالمية باعتباره مبدعا اجتماعيا لارتقائه بالصم وإكسابهم مهارات التعايش والتواصل والاستقلال الاقتصادي والثقة بالنفس، إلا أن سعادته بأبنائه من الصم تفوق أي شعور آخر حيث أصبح فخورًا بهم وأن الجمعية تحولت إلى بيت العائلة لكل الصم.
سيرة ذاتية دونتها: يمنى مختار