بقلم : محمد النابلسي
عندما نتحدث عن أعلام الموسيقى العربية من ذوي الإعاقة، يخطر على البال مباشرة الموسيقار الراحل “سيد مكاوي”، والملحن “عمار الشريعي” والمطرب المعروف بأغانيه السياسية “الشيخ أمام”، وإذا اسعفتنا الذاكرة، وكان المتحدث راغباً في التوسع قد يذكر اسم “مصطفى طاهر” الذي أشتهر بأداء أغاني أم كلثوم في بداية التسعينات.
ويبدو أن الذكورية هنا تفرض سطوتها على المشهد بشكل كبير، في سعي واضح إلى إقصاء حقيقي للمطربات الكفيفات عن المشهد، من غير المعروف بالضبط ما هو الدافع الحقيقي وراء إخفائهن، وضعف عملية التوثيق حول إنجازاتهن المختلفة، فلا يتم تكريمهن بالشكل اللائق، ولا ذكرهن عندما يبدأ الحديث عن تاريخ الموسيقى خلال فتراتهن.
على الرغم من وجود عدد قد يكون قليلاً نسبياً من المطربات الكفيفات، إلا أنهن لعبن دوراً بارزاً في المشهد الموسيقي لبلادهن، وبالتالي المشهد الموسيقي العربي. وفي هذا المقال سنمرّ سريعاً على سيرة ثلاثة نماذج واضحة وجلية عربية لمطربات كفيفات عملن جاهدات في ترسيخ أسمائهن، ورغم ذلك لم ينصفهن التاريخ:
- شافية أحمد من مصر
- ابتسام لطفي من السعودية
- عائشة المرطة من الكويت
وسنتحدث في هذا العدد عن “شافية أحمد”.
شافية أحمد
من أصول سودانية، وهي ابنة قارئ القرآن الكريم الشيخ أحمد محمد عبد القادر الصائغ، والمعروف بصوته. ولدت كفيفة البصر عام 1923. تلقت تعليمها على يد الشيخ محمد فقيه وهو صاحب صوت جميل ويهوى الغناء، الأمر الذي دفع شافية إلى محبة الموسيقى، وقادها لصقل موهبتها الموسيقية على يد كل من إبراهيم شفيق ومحمد القصبجي إلى جانب الانضمام إلى فرقة الغناء في معهد الاتحاد الموسيقي، ومن ثمّ التحاقها بالإذاعة المصرية وكانت أول أغنياتها «يا للي أنت عايش غريب».
وللمطربة شافية أحمد رصيد سينمائي بلغ 22 عملاً سينمائياً بدأتها بفيلم “البؤساء” سنة 1943، انتهاءً بفيلم “سمراء النيل” سنة 1959، معظمها بطريقة الدوبلاج دون ظهور حقيقي إلا في فيلم سر الأميرة عام 1949، وهو ما يشير إلا أن شافية أحمد لم تكن تلبي متطلبات النجمة السينمائية بمعايير ذلك وقت، مما حجم ظهورها وجعل صوتها هو طريق وصولها إلى قلب الجمهور من خلال تحريك شفاه ممثلات السينما حينها.
قدمت شافية في أفلامها أغانٍ تعتبر من علامات الموسيقى العربية مثل تانجو يا روضة الأغصان من ألحان فريد غصن، ومن ألحان علي فراج «ورد الجناين» و «يا عاشقين الورد» ومن ألحان الشيخ زكريا أحمد منها «أنا كل ما أشوف الورد» و«تصبح على خير». كما غنت من ألحان سيد مصطفى ومرسي الحريري وشفيق محمد وسيد مكاوي وغيرهم من كبار الملحنين.
ورغم هذا الإرث الغنائي الثري، فإن أشهر ما يرسخ في الذاكرة الشعبية لمتابعي التلفزيون خلال فترة الثمانينات الفيلم الكرتوني لأوبريتها الشهير «نزهة» المعروفة باسم “الجوز الخيل والعربية“؛ حيث شاركها الغناء كل من كارم محمود وسيد مصطفى، وقدمتها الإذاعة المصرية ثمّ صورت لاحقًا بطريقة الرسوم المتحركة. ولعل من أبرز مشاركاتها أوبريت «الليلة الكبيرة» من تأليف صلاح جاهين وألحان سيد مكاوي على مسرح القاهرة للعرائس عام 1961 والذي أخرجه لاحقًا إلى التلفزيون المخرج صلاح السقا.
تزوجت شافية أحمد مرتين الأولى من حسن زكي عبد المنعم ورُزقت بطفل يدعى «سيد» لكن هذا الزواج لم يستمر إثر تدهور صحتها وإصابة حنجرتها في أواخر الخمسينات مما دفعها إلى الانسحاب لسنوات عدة. والمرة الثانية من الملحن شفيق محمد الذي عاشت معه حتى أواخر أيامها ورُزقت بطفل وحيد لكنه فارق الحياة بعد عام. وبدأت شافية الانسحاب التدريجي من المشهد الغنائي حتى اعتزلت بشكل نهائي وفارقت الحياة في العام 1983.
على الرغم من وجود شافية أحمد في القاهرة مركز الثقافة والفن في ذلك الوقت، إلا أن صناعة السينما والفن هي صناعة تعتمد على إقصاء كل شخص لا يلبي معايير النجومية، حتى وإن امتلك الموهبة، لهذا لم تستطع شافية أن تحتل مكانة النجوم بالمفهوم التقليدي، لاعتبارات مختلفة من أبرزها “الإعاقة البصرية”، وبالتأكيد ليست الوحيدة.
• كاتب أردني مقيم في الشارقة
• . مسؤول العمليات الفنية في مدينة الشارقة للخدمات الفنية
• يعمل في مجال الإعاقة والمؤسسات غير الربحية منذ أكثر من عشرين عاماً، شغوف بتعزيز حق القراءة للأشخاص من ذوي الإعاقة، وترسيخ الصورة الحقوقية عنهم في كتب الأطفال واليافعين.
• لديه العديد من المفالات منشورة في عدد من الدوريات العربية الالكترونية والورقية تحمل مراجعات نقدية للكتب، والسينما والحقوق الثقافية لللأشخاص ذوي الإعاقة.
• لديه خبرة في المسرح مع الأطفال والأشخاص من ذوي الإعاقة لديه مشاركات عديدة في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح.
صدر له:
• عن رواية تمر ومسالا – لليافعين عام – 2019 – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• قصة خياط الطوارئ – للأطفال عام 2020 ( تحت الطبع) – دار (و) للنشر والوسائل التعليمية – دولة الإمارات العربية المتحدة. –
• حاصل على المركز الأول في جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال سنة 2020 عن قصته “غول المكتبة”