رسالة الأسترالي نيكولاس جيمس فوجي مؤسس منظمة (الحياة بدون أطراف)
التعايش مع الإعاقة بإيجابية بعيدا عن الإحباط واليأس
ولد نيكولاس جيمس فوجي عام 1982 في بريسبان بأستراليا، وهو يعاني من متلازمة نقص الأطراف الأربعة باستثناء قدم صغيرة ظاهره في أسفل جذعه، وهي متلازمة نادرة الوجود يعاني الشخص المصاب فيها من فقدان الأذرع والأرجل كافة، وتعرض نيكولاس إلى حالات شديدة من الاحباط والاكتئاب والوحدة والخوف في صغره، حيث كان يطرح على نفسه العديد من الاسئلة: لماذا هو مختلف عن بقية الأطفال؟ ولماذا خلق دون أرجل وبلا أيدي؟ ما أدى به إلى التفكير بالانتحار وهو في سن الثامنة من عمره، وحاول أيضا في سن العاشرة أن يغرق نفسه وذلك بعد أن منع من الذهاب إلى المدرسة بسبب القانون الذي يمنع الأشخاص من ذوي الإعاقة من الالتحاق بالمدارس العامة في تلك الفترة على الرغم من كونه شخص معاق حركياً وليس معاقاً عقلياً.
ومع تفعيل القوانين الدولية لحقوق الأشخاص المعاقين، تمكن نيكولاس من الالتحاق بالمدرسة، وهو من أوائل الأشخاص الذي طبق عليهم القانون الجديد حسب قانون ولاية كاليفورنيا، وبدعم ومساعدة أهله وأصدقائه وكل من حوله استطاع أن يتغلب على ضغوطات الإعاقة ويكسر حواجزها ويتحول إلى شخص مفعم بالنشاط والإيمان بالقدرة البشرية مهما كانت الصعاب.
وبإصراره على النجاح تحول مجرى حياة نيكولاس من مجرد إنسان لديه إعاقة حركية إلى إنسان قادر على التأثير فيمن حوله، وكان مفتاح التحول حينها هو والدته التي عرضت عليه صورة لرجل لديه إعاقة شديدة وهو يتعامل معها بسلاسة وصبر وتحمل، ما أثار الدهشة في نفسه موضحة له أنه ليس نادر الوجود وليس الشخص الوحيد المعرض لهذه الاعاقة التي تحد من حركته.
الشخص المعاق قادر على فعل المستحيل
بدأ نيكولاس بتحدي إعاقته فتعلم الكتابة باستخدام أصابع قدمه الصغيرة الظاهرة أسفل جذعه من الجهة اليسرى وتعلم استخدام الحاسوب والطباعة عليه وتعلم أيضا رمي كرات التنس، والعزف على الطبل (طبل الدوّاسات)، والرد على الهاتف، كما بدأ يعتني بمظهره فتعلم كيفية حلاقة ذقنه وتصفيف شعره وتنظيف أسنانه باستخدام الفرشاة وتعلم السباحة أيضاً وباستقلالية ذاتية تامة.
وفي الصف السابع بدأ نيكولاس بالتعاون مع زملائه في المدرسة لتنظيم مخيمات بالتعاون مع الجمعيات الخيرية وحملات للتثقيف بالإعاقة، وفي سن السابعة عشرة أسس منظمته غير الربحية (الحياة بدون أطراف) قدم من خلالها الخطابات في أماكن مختلفة من العالم دعا فيها إلى التعايش مع الإعاقة، وبث الأمل في النفس والعيش بإيجابية بعيداً عن الاحباط واليأس وكان يضرب نفسه كمثال أثناء خطاباته ليثبت للناس عامة وللأشخاص من ذوي الإعاقة خاصة قدرتهم على فعل المستحيل.
انتقل نيكولاس إلى مرحلة الدراسة الجامعية فدرس المحاسبة والتخطيط المالي بجامعة جريفيث في لوجان بأستراليا، وفي عامه التاسع عشر بدأ بتحقيق أحلامه، حيث بدأ بتشجيع من حوله والتأثير بهم من خلال خطاباته المؤثرة وقناعته بأن الله أعطاه الأمل والحياة من جديد ويقول نيكولاس: (لقد عرفت الغرض من وجودي في هذه الحياة، كما عرفت سبب الحالة التي أنا عليها الآن من إعاقة، وهنالك دائماً سبب لما أنت عليه الآن من سوء.
ويعني نيكولاس بكلامه أن هناك دائماً تفسير لأي وضع نتعرض له في حياتنا وبأننا بإيماننا بالله وثقتنا بأنفسنا سينقذنا الله مما نحن عليه من سوء وسيعطينا مفاتيح النجاح في التحديات التي نواجهها.
نيكولاس تحدى الإعاقة وحقق أعلى مستويات النجاح
في عام 2005 رشح نيكولاس لجائزة (الشاب الأسترالي للعام) التي تحظى بشعبية واسعة في أستراليا، وترعى هذه الجائزة الشباب وتنقل نجاحاتهم إلى المجتمع المحلي وتخضع هذه الجائزة إلى قوانين صارمة ليتم توجيهها إلى أناس ملهمين حقاً، وقد حظي نيكولاس بدعم خاص من شركات ساعدته في تحقيق أحلامه ودعمته على الصعيد الشخصي.
تخرج نيكولاس من جامعة جريفيث وهو في الواحد والعشرين من عمره، وبعد ذلك أصبح متحدثا متميزا يؤثر ويحفز الناس، وأخذ يتنقل في دول العالم ويتبنى قضايا المراهقين ويدعم قضايا الأشخاص من ذوي الإعاقة، وقد حظي باهتمام ومتابعة 3 ملايين شخص في 24 دولة في 5 قارات حول العالم.
ونشر نيكولاس أعماله ومشاريعه بمساعدة آخرين من خلال البرامج التلفزيونية والكتابة، حيث نشر كتابه الأولLife Without Limit في عام 2010، كما سوق لأفلام عن حياته الشخصية في المنزل عام 2005، ومن ثم نشر الجزء الثاني للفيلم عن واحد من خطاباته المؤثرة في واحدة من الكنائس، كما سوق لفيلم موجه للشباب باسم (بدون أرجل، بدون يدين، بدون قلق) وبدأ العمل في مجال الأفلام القصيرة بفيلمThe Butterfly Circus ، الحائز على جائزة Doorpost Film Project’s عام 2009، وحصل الفيلم على جوائز أخرى، كما حصل نيكولاس أيضا على جائزة أفضل ممثل أفلام قصيرة في ذلك العام، كما سجّل أغنية بصوته بعنوان: Something More.
وبعد مسيرته الكفاحية تزوج نيكولاس في 12 شباط عام 2012 وحصل على ثلاث شهادات في مجال الاقتصاد وإدارة الأعمال، وهو يرأس حالياً واحدة من أكبر المؤسسات الأهلية في أمريكا الداعمة لذوي الإعاقة، وهو أيضا رئيس لشركتين من أكبر الشركات المهتمة بمجال الاقتصاد في بلده استراليا، ويعتبر نيكولاس اليوم من أبرز الشخصيات الملهمة والداعمة والناشطة في مجال دعم الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث زار أكثر من 20 دولة فيها مؤسسات تعنى بقضايا الأشخاص المعاقين.
كما شارك نيكولاس في العديد من الفعاليات والملتقيات الدولية، وألقى العديد من المحاضرات والندوات التي يعرض فيها تجربته المذهلة في التعايش مع الإعاقة، بث من خلالها الأمل في قلوب الأشخاص المعاقين وكسب ود الأشخاص غير المعاقين للمساهمة في دعم ومساندة هذه الشريحة الإنسانية التي لا فرق بينها وبين باقي الأفراد غير المعاقين.
ويقول نيكولاس فوجيسيك: (إن قيمتك فيك أنت وحدك، بلا قيمة معنوية لن تكون لديك قيمة في عالم واسع.. ولكن إذا قدرت نفسك وعرفت قيمتك الداخلية وبحثت داخل نفسك ستجد السعادة حتى لو كنت وراء قضبان السجن حبيساً).
وبذلك يؤكد نيكولاس أن الإصرار والطموح والرغبة في تحقيق النجاح هي المعايير الأساسية لنجاح وتفوق الإنسان أياً كان شكله أو جسده أو إعاقته، ويمكنه من خلال ذلك تحقيق ما يراه الآخرون مستحيلاً وبتميز.