بقلم: إبراهيم محمد المنيفي
المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة – اليمن
انهالت علينا خلال الأيام القليلة الماضية في المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة العديد من الاتصالات والرسائل سواءً من الأصدقاء عبر هواتفنا الشخصية أو من المتابعين عبر وسائل التواصل المختلفة للمركز وكلها تدور حول مسلسل “دكان جميلة” ، اخراج معتز حسام وتأليف محمد صالح الحبيشي. المسلسل من إنتاج قناة المهرية الفضائية وشركة النبيل للإنتاج الفني.
وقد تجاوزت مشاهدات الحلقة الأولى من المسلسل على اليوتيوب المليون وسبع مائة ألف مشاهدة بينما تقترب باقي الحلقات من المليون مشاهدة أو تتجاوزها. وبحسب مهتمين فإن مسلسل دكان جميلة يعد واحداً من أكثر المسلسلات اليمنية مشاهدة لهذا الموسم حتى الآن، ويمثل فيه نخبة من الفنانين والممثلين اليمنيين والوجوه الفنية الصاعدة في عالم الدراما.
ونعبر في المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة عن سعادتنا بحالة الوعي المتزايدة واليقظة التي لمسناها من المتابعين في رصد وتوثيق الأعمال الدرامية والفنية والبرامجية التي تتضمن مشاهد أو أدوار ومساحات عن الأشخاص ذوي الإعاقة وتزويدنا بها أولاً بأول ومطالبتنا بأن يكون لنا موقف منها.
وبدورنا نثمن ذلك الحرص والوعي ونرفع له قبعات الاحترام والتبجيل ونضع بين أيدي جمهورنا الكريم قراءتنا التحليلية من منظور حقوقي مهني لما تضمنه مسلسل دكان جميلة في الثلاث الحلقات (19، 20، 21) من مشاهد لبطلة المسلسل سالي حمادة في دور جميلة.
ملخص الدور محل القراءة والنقد.
ادعت جميلة أنها فقدت بصرها بعد سقوطها عن الدرج في بيتها لتضع كلاً من شمسان ابن عمها وحزام ابن خالها أمام اختبار صعب وذلك بعد تنافس الاثنين على خطبتها مع شخص ثالث يُدعى خليل وهو أحد شباب القرية، وفي حين كان شمسان وحزام يتنازعان على خطبة جميلة كانت جميلة ترغب في أن ترتبط بخليل الذي تقدم لخطبتها أولاً وهي أكثر تفاهماً وتوافقاً معه بحسب أحداث المسلسل.
وتصور الثلاث الحلقات كيف أن كلاً من حزام وشمسان ومن خلفهما أسرتيهما قد تخلوا عن فكرة خطبة جميلة بعد أن أصبحت كفيفة رغم أن جميلة ذهبت إلى بيت عمها وخالها بشكل منفصل تطلب وقوفهم معها وموافقتها على الزواج من ابنهم دون علم أيٍّ من الأسرتين، وبعد ذلك تضع كلاً من عمها وخالها أمام الحقيقة بأنها لم تفقد بصرها وإنما كانت تمّثل لتعرف من يستحقها ومن الذي سيقف معها فعلاً على حد تعبيرها في المشهد.
هل أساء مسلسل دكان جميلة للكفيفات بالفعل؟
قبل أن نقرأ الثلاث الحلقات بشكل نقدي مهني وفق المنظور الحقوقي نود أن نؤكد على أمرين في غاية الأهمية وهما:
أولاً: أن الأشخاص ذوي الإعاقة يمثلون 15% من نسبة السكان ولا يمكن لأي عمل درامي أن يدعي أنه موجه لقضايا المجتمع مالم يعبر عن المجتمع بكل شرائحه، وعليه فإن وجود أدوار للأشخاص ذوي الإعاقة في مختلف المسلسلات والأعمال الفنية عموماً بات واجباً ودليلاً على مصداقية القائمين على تلك الأعمال في التعبير عن المجتمع كل المجتمع دون استثناء أو إقصاء.
ثانياً: أن على الأشخاص ذوي الإعاقة أن يكونوا موضوعيين وأقل حساسية تجاه الأعمال التي تتضمن أدواراً تمثيلية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، فهم جزء من المجتمع وانعكاس طبيعي لإيجابياته وسلبياته ويتأثرون بما يتأثر به محيطهم من مؤثرات ثقافية وسياسية واقتصادية وغيرها، وبالتالي كما أننا نرفض ونستهجن الإساءة والتنميط للأشخاص ذوي الإعاقة فإننا لا نطالب بتقديمهم على أنهم من النخب وإيجابيون دائماً، ولكن كسراً للقوالب المتحيزة التي كرست نظرة سلبية للأشخاص ذوي الإعاقة على مدى العقود الماضية فإن من المفترض على صناع الدراما أن يوجدوا نموذجاً إيجابياً للأشخاص ذوي الإعاقة يكسر النموذج الذي تم تكريسه سلبياً سابقاً، مثلاً:
سيكون من المستهجن وجود مشهد لشخص من ذوي الإعاقة يتسول، ولكن لو وُجِد شخص آخر من ذوي الإعاقة ضمن المسلسل كقيادي أو مهندس أو دكتور وغير ذلك ستكون الرسالة طبيعية وأوصلت الفكرة دون تمييز.
أما الثلاث الحلقات من المسلسل المذكور فبالرغم من أنها قد تطرقت لواحدة من أكثر القضايا حساسية وهي قضية “زواج الكفيفات” إلا أن القائمين على المسلسل كانوا شديدي الحذر والذكاء ويبدو أنهم استفادوا من النقد الذي وُجه إليهم في مسلسل “عيال المرحوم” العام الماضي الذي تضمن إساءات للأشخاص الصم أثارها المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة كقضية رأي انتهت باعتذار شركة “النبيل للإنتاج الفني” وهي ذاتها المنتجة لمسلسل دكان جميلة.
وعلى العكس تماماً فإننا نعتبر تمثيل البطلة الرئيسية في المسلسل لدور امرأة كفيفة أمراً إيجابياً يستحق الإشادة، كما أن حضور شخصية كفيفة كبطلة في المسلسل حتى لو كان الدور مؤقت يعتبر إنجازاً غير مسبوق في الدراما اليمنية ونأمل أن نرى أبطالاً وأدواراً رئيسية للأشخاص ذوي الإعاقة في المستقبل.
كما أن بعض التصرفات التي ظهرت وكأنها غير مقبولة وعبَّرَ بعض الأشخاص من ذوي الإعاقة البصرية في تواصلهم معنا عن انزعاجهم منها، هي بالفعل موجودة وخصوصاً لدى من يفقدون بصرهم في عمر متقدم وهذه الحقيقة يجب أن نقف أمامها بشجاعة ونلفت نظر الجهات المعنية لتقديم برامج تأهيل وتدريب كافية تستجيب لحديثي الإعاقة بشكل فعال، ورغم ذلك فقد كانت هناك مبالغات غير مقبولة مثل: دخول جميلة لمجلس مفروش دون أن تخلع نعلها ولم تنتبه إلا بعد أن وصلت إلى نهاية المجلس، وسؤالها المتكرر عن وجود شمسان ابن عمها في نفس اللحظة وغيرها من المبالغات لإظهار فقدان بصرها للآخرين.
ونعتقد أن القائمين على المسلسل رغم اللفتة الإيجابية إلا أنهم أضاعوا فرصة ذهبية كان يمكن أن تحسب للمسلسل وتضيف تضامناً حقوقياً وتوعوياً مهماً جداً، فكان بالإمكان استغلال المشهد لإيصال رسائل ستجعل الأشخاص ذوي الإعاقة يشعرون بالامتنان الكبير مثل:
التأكيد على أن الإعاقة ليست نهاية المطاف وأن هناك المئات من حديثي الإعاقة يومياً يتعايشون مع وضعهم الجديد ويعيشون بيننا ويحققون إنجازات كثيرة شخصية ومجتمعية، كان يمكن لعبارة واحدة أن توصل هذه الفكرة.
أن هناك نساء كفيفات ناجحات مهنياً وأسرياً، ومنهن من تزوجن وأصبحن ربات بيوت واستطعن التربية وتدبير شؤون منازلهن بكل جدارة.
ونعتقد لو أن القائمين على المسلسل استشاروا الكفيفات في الدور أو المختصين لاستفادوا بشكل كبير لصالح المسلسل من حيث قوة الفكرة وصناعة الأثر كما أسلفنا، أو تجاوز بعض الأخطاء الفنية التي ظهرت في الحركات أو نوع واستخدام العصا التي استعملتها جميلة وغيرها.