عيّن رئيس الحكومة التونسية السيد هشام المشيشي (الاثنين 24 أغسطس 2020) الدكتور وليد الزيدي وزيراً للشؤون الثقافية وهو أول شخص كفيف ومن ذوي الإعاقة يتقلد منصباً رفيع المستوى في الحكومة التونسية.
ويعد هذا تأكيداً على أن الأشخاص ذوي الإعاقة قادرون على تولي هذه المناصب إذا ما اتيحت أمامهم الفرص، ويتم اختيارهم بحسب كفاءتهم لا على حسب الصحة البدنية هذا الشرط الذي أصبحنا نراه كثيرا ً في تولي المناصب السيادية والذي يعد مخالفا ً للاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
الجدير ذكره إن الدكتور وليد الزيدي، هو أول كفيف تونسي ينال شهادة الدكتوراه في الآداب بعد مناقشة أطروحته في شهر يناير من العام الماضي بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة.
والزيدي هو من مواليد 30 أبريل 1986 في تاجروين بولاية الكاف، فقد بصره بعد عامين من مولده وكانت بداية دراسته في معهد «النور» للمكفوفين ببئر القصعة درس فيه بداية من 1993 غير أن والده كاد يوقف دراسته مراعاة لوضعه الصحي إلاّ أنّ القيم العام على المعهد آنذاك أصرّ على أن يواصل وليد دراسته التي حقق خلالها النجاح والتميّز لينتقل إلى معهد الكفيف بسوسة حيث أكمل دراسته الإعدادية والثانوية من 2000 إلى 2006.
حصل الزيدي على شهادة البكالوريوس بامتياز تابع بعدها دراسته الجامعية في المعهد التحضيري للدراسات الأدبية والعلوم الإنسانية بالقرجاني من 2006 إلى 2008 ثم في دار المعلمين العليا بتونس من 2008 إلى 2011 توّجت بحصوله على شهادة التبريز في اللغة العربية كأول كفيف يحصل على التبريز على المستوى الوطني والعربي والإفريقي.
درّس كأستاذ مبرز ملحق الترجمة والبلاغة بكلية الآداب والفنون والإنسانيّات بمنوبة وكباحث متخصص في العلوم البلاغيّة والتداوليّة وباحث أيضاً في علم نفس الإعاقة وهناك حصل على الدكتوراه في البلاغة بتأطير من الروائي الدكتور شكري المبخوت وضمن لجنة نقاش أشرف على رئاستها الدكتور محمد صلاح الدين الشريف وكان مقرراها الدكتوران عبد السلام العيساوي وبسمة بلحاج رحومة الشكيلي وبعضوية الدكتور منصف عاشور وتوجها رئيس اللجنة بملاحظة جاء فيها: الدكتور وليد الزيدي يتمتّع بمواهب ابداعية متنوّعة فهو شاعر وعازف متميّز على آلة العود.
يشرف الزيدي حالياً على تنشيط «نادي الرؤى الأدبية» بدار الثقافة بتاجروين والمخصّص لصقل المواهب الادبية الشابة من المنطقة إلى جانب نشاطه المتنوّع في مجال الإعلام الثقافي إذ ينتج وينشّط حاليا حصة أدبية بإذاعة الكاف.
ويوصف الزيدي في جامعته بـ (طه حسين التونسي)، حيث تتشابه مسيرته إلى حد كبير مع مسيرة عميد الأدب العربي طه حسين الذي شغل قبل 7 عقود منصب وزير المعارف في مصر، كما أنّه إلى جانب مواهبه الإبداعية وثقافته الأدبية ومسيرته العلمية، فهو شاعر وعازف على العود ويشرف على عدّة أنشطة ثقافية موجهة إلى المواهب الشابّة.
وقد أثار اقتراح اسمه لمنصب وزير الثقافة في الحكومة التونسية ردود فعل عديدة بين من ثمّن وقدر إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في مناصب عليا بالدولة وبين من شكك في قدرته على تحمّل مسؤولية واحدة من أهمّ الوزارات في البلاد، وما بين إعلان التشكيلة المقترحة وجلسة التصويت على الحكومة، كان الزيدي قد أبدى تعففه عن قبول المنصب، ما دفع رئيس الحكومة السيد هشام المشيشي إلى التخلي عن ترشيحه، لكن رئيس الجمهورية السيد قيس سعيد، تمسك به ضمن التشكيلة الحكومية معرباً أثناء استقباله له عن تثمينه ودعمه ترشيحه لمنصب وزير الشؤون الثقافية، مؤكداً ثقته بأنه جدير بتولي هذه المسؤولية، مشيراً إلى أنها تجربة أولى في تونس سيؤكد من خلالها وليد الزيدي أنه عنوان المثابرة والتحدي والجدارة بتولي هذا المنصب. وشدّد رئيس الجمهورية على أنّ الإنسان يمكن أن يفقد بصره لكن لن يفقد بصيرته، معتبرا أن البصائر لا تعمى ولكن البصيرة هي التي يصيبها العمى الفكري.
ويقول الزيدي في تصريحات صحفية عقب اختياره لشغل المنصب: (مشروعي بالأساس هو إيصال الثقافة إلى المغمورين، إلى المنسيين، إيصال الثقافة إلى الأطفال الذين يولدون في مناطق نائية، والذين تتقطع بينهم وبين الثقافة الأسباب.. رهاني هو أن ينتج المواطن مهما يكن عمره أو فئته في إنتاج الثقافة).