رسالة أم
اسمي خديجة محمد الحنيني
مرت 15عاماً على ذلك اليوم الذي اصطحبت فيه ابني محمد الذي لم يكمل حينها الرابعة من عمره لتسجيله في روضة الأمل للصم التابعة لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، وأنا ممسكة بيده الصغيرة وهو يقفز فرحاً في ردهة الاستقبال رغم مخاوفي التي كانت تؤرقني.. كيف سيدرس محمد؟ هل سيستطيع أن يتعلم ويكمل دراسته؟ وهل سيتمكن من التأقلم مع حالته التي لم نكتشفها إلا منذ شهور قليلة؟
اقرأ ايضا: رسالة إلى أخي الحبيب..
لا أزال أذكر ذلك اليوم الذي دخلنا فيه لأول مرة إلى روضة الأمل، لا أزال أذكر ذلك الترحاب والاستقبال بكل حفاوة لنا فكان محمد يتنقل أمام المعلمات وهو فرح مسرور في رواق المبنى وكأنه في بيته الآخر، كان أول يوم مميزاً حينما كنت أنتظره في الخارج وأنا جالسة بجانب الفصل مستمتعة بسماع ضحكات محمد من خلف الباب بينما أدعو لمعلمته أن يمدها بالصبر وهي تنادي باسمه طالبة منه العودة إلى مكانه كل خمس دقائق كم كنت أدعو لها في ظهر الغيب فلقد كانت تجسد فعلاً معنى الصبر الحقيقي فقد كان محمد يعود كل يوم وهو فرح إذ وجد ذاته أخيراً ومكاناً بين أقرانه.
مرت الأيام، ومن ثمّ انقضت الشهور والسنون ومحمد يكبر وينتقل من صف إلى آخر. مرت لحظات صعبة علينا جميعاً وعلى هيئة التدريس. كان محمد شقياً ممتلئاً بالطاقة والحيوية فكان تارة مندفعاً لا يوقفه شي، يثور ويغضب، وتارة يهدأ وتارة يبكي… لم أكن أعرف كيف أحتويه وكيف أفهمه فكنت ألجأ لعائلتي الأخرى، لمعلماته ومعلميه. عفواً أقصد لأمهاته وآبائه.
محمد لم يكن عنده أم واحدة بل عدة أمهات. كان لديه بيتان وعائلتان وأخوة أعدادهم بالعشرات، وكان محظوظاً جداً ببيته الثاني فكان دائماً يجد من يسانده ويفهمه ويلملم شتاته ويحتويه ويمسك بيده وينير له درب العلم والمعرفة ويهديه للصواب في ظل صراعاته الداخلية مع نفسه.
كنت أرسله كل يوم إلى مدرسته وأنا مغمضة العينين واثقة ومطمئنة لأنني أعلم جيداً أنه في أمان ولن يتعرض لسوء أو تنمر وأنه يتلقى أفضل رعاية لن يجدها في مكان آخر.
لا أعرف ماذا أقول وكيف أوصل شعوري بالامتنان طوال تلك السنين ولا أعرف كيف أشكر الكادر التعليمي والإداري لمدرسة وروضة الأمل للصم، كيف أشكر المعلمات والمعلمين والاختصاصيين والمديرة الذين أخذوا بيدي أنا أيضاً ومنهم تعلمت الكثير من الخبرات كلغة الإشارة التي أصبحت جسر التواصل بيني وبين ابني فشكراً للجميع.
كبرت مع محمد وتعلمت معه وكأني عدت طالبة من جديد، شاركت معه في معظم الفعاليات والمناسبات ولا تزال في جعبتي تلك الذكريات الجميلة التي لن أنساها ما حييت فلقد كانت تجربة فريدة من نوعها ليست كغيرها من التجارب، نعم كنت خائفة في البداية من فكرة أن يكون ابني من الأشخاص الصم، كما كنت خائفة عليه من العالم الخارجي لكني اليوم سعيدة ومطمئنة وفخورة به لأبعد الحدود وها أنا اليوم أقف لأراه يتخرج في مدرسته، أرى ثمرة تعبنا وصبرنا ونحن نحصدها جميعاً، وألف شكر لسعادة الشيخة جميلة بنت محمد القاسمي رئيس مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية التي كانت السند لنا ولأولادنا وكانت الأم الحنون لهم فغمرتهم بعطفها وحنانها، وشكراً جزيلاً لسعادة الأستاذة منى عبد الكريم اليافعي مدير عام المدينة التي كانت دوماً سنداً لنا بكلامها الرائع عن أبنائنا وتشجيعها لهم، وشكراً لمديرة مدرسة وروضة الأمل للصم الأستاذة عفاف الهريدي اللي كانت لهم الناصحة والمرشدة.
أيضاً أشكر الأستاذة فاطمة الدرمكي التي رافقت أبناءنا طوال تلك السنوات، وشكراً للمعلمة فوزية التي رافقت ابني على مدى سنوات فكانت معلمته وأمه أيضاً وكانت لا تفارقها كلمة حمودي ..
اعرف أكثر عن مدرسة الأمل للصم في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
شكرا لكل من دعمنا وساندنا في تلك الرحلة الطويلة من معلمات ومعلمين وعاملات ومشرفات وسائقين شكراً لكم جميعاً…