بقلم الدكتور علي صابر حسن
الحالم
نور تشبه نادين (الصديقة)، إلا أنها أكثر تحفظاً. فهي تمتلك نفس المثالية والحماس ولكن لداخل نفسها أكثر من نادين. فعوضاً عن الجلوس والحديث مع مجموعة من الصديقات، نجد نور تسير حول أطراف الفناء مع صديقة واحدة مقربة وهما منهمكتان في نقاش عميق، وهذه الصديقة الجديدة في المدرسة هي سالي التي بدت غير مرتاحة – بل وحزينة – عندما قدمت إلى الفصل لأول مرة. وقد أحست نور بذلك الشعور وعدم ارتياح الوافدة الجديدة، وفي الحال تواصلت مع سالي ودعتها لتناول الطعام سوياً ونشأت صداقتهما منذ تلك اللحظة. فدائماً ما تهتم نور بمشاعر الآخرين، خاصة أولئك المظلومين من زملائهم ومدرسيهم. وأحياناً تهتم نور بالآخرين لدرجة عدم وجود الوقت الكافي لإنجاز ما تريده في المنزل.
اقرأ ايضا: أنا لا أفهم هذه الطفلة -ج1
ويشبه فريد نور، فهو هادىء ومتحفظ أكثر من غيره . ولكن عوضاً عن الدوران حول الملعب مع صديق، فإنه يجلس وحيداً ليشاهد ما يفعله الآخرون، والحقيقة أنه يبدأ بالمشاهدة لينتهي به الفكر إلى السباحة في أحلام اليقظة. فهو يهرب إلى عالم مثير في الزمان والمكان، كأن يحلم بأنه يحارب مع الشخصيات التي قرأ عنها، أو يتصور نفسه يحرز الأهداف لو أنه شارك في مباراة الكرة. وقد اكتسب فريد أصدقاء لهم نفس الميول، ولكنهم في فصول أخرى ولا يلتقون إلا بعد وقت المدرسة.
والشيء المثير في سمات نور وفريد أنهما يقنعان بدائرة الأصدقاء الصغيرة حولهما، ففي عقليهما عالم آخر من الخيال يعوضهما، وبالتالي لا داعي لتكوين صداقات كثيرة.
ويمتلك هذه الشخصية واحد أو اثنان فقط في الفصل، وغالباً ما يجدان صديقاً شبيهاً بهما يستريحان إليه ويشعران بذاتيهما.
المنافس
سمير هو الفتى الذي سيختار الفرق مع أحمد. وبينما ينظم أحمد باقي الأطفال نجد سمير مهتماً بمن سيختارهم في فريقه ومن يظن أن أحمد سيختارهم أولاً. ومع بداية المباراة يتمتع أحمد باللعب في حد ذاته، وعلى الجانب الآخر نجد “سمير” مشدوداً وعصبياً مع فريقه، فالفوز هو المتعة الحقيقية بالنسبة إليه وليس اللعب. لهذا يحاول معرفة خطط الفريق المنافس لينظم فريقه بطريقة تضمن له الفوز. وهذه الحدة لدى سمير غير موجودة لدى أحمد، وتلك الحدة تقلل من تمتع سمير باللعب، الذي يعتبره عملاً جاداً وتنافسياً ومليئاً بالتحدي. ولسوء الحظ، لاتنتقل هذه الحدة والجدية مع سمير من الملاعب إلى الفصل والدراسة ولهذا غالباً ما نجده متعثراً دراسياً.
انظر ايضا: خدمات مدينة الشارقة للخدمات الانسانية
سلوى تشبه سمير كثيراً، فهي تلعب الحجلة باهتمام كبير عاقدة العزم على الفوز. وهي قادرة على الجدل مع البنات والبنين وقدراتها المنطقية تعتبر مصدراً لسعادتها وارتباكها في ذات الوقت، فهي لا تهتم بأن تكون أذكى من كل الفتيات، وإن كانت حريصة على الظهور أذكى وأكثر منطقية من الأولاد في بعض الأوقات.
ولأن سلوى تحاول بذل مجهود للتوافق مع البنات، فإنها تلعب كل لعبة يمكنها أداؤها، وهي تبادر إلى ذلك، وغالباً ما تؤدي بشكل جيد، ومع ذلك لا تقتنع بما أنجزت لأنها تعتقد أن في جعبتها ما هو أكبر. ومع نقدها الذاتي فإنها تحسن أداءها أمام الآخرين إذا وصلتها بعض تعليقات.
المكتشف
حسان مختلف عن سمير في أنه أهدأ ومنطوٍ على نفسه. وهذا الفارق الطفيف يؤدي إلى اختلاف كبير في الطريقة التي يعيش فيها كل منهما حياته. فحسان يستعيض عن المشاركة مع الآخرين فيما يعملون ، بأن يكتفى بذاته المستكشفة. فقد وجد بأرض الفناء قطعة حجر، وعندما أزاحها عن مكانها، انكشف عالم كامل من الحشرات المتحركة التي استحوذت على اهتمامه، فأخذ يلتقط بعضها ويستعمل العدسة المكبرة التي بحوزته ليتفحص تفاصيلها.
وشروق تشبه حسان، فعندما لاحظت انشغاله في تلك الزاوية من الفناء، ذهبت لاستكشاف الأمر، يدفعها الفضول. في البداية لم يجذبها الأمر، ولكن حسان ناولها عدسته المكبرة فأثار اهتمامها واندمج الاثنان في هذا الدرس الخاص بعالم الأحياء لدرجة عدم سماع جرس نهاية الفسحة.
اللاعب
سامي طفل دائم الحركة، فهو يتململ لوجوده في الفصل، ولهذا فهو يرحب بالتواجد في الفناء، فقد كان مستعداً للعب الكرة بمجرد بدء أحمد بتجميع الفرق، وحتى في الوقت السابق للبداية الفعلية للمباراة كان سامي يتبادل الكرة مع بعض الأطفال، لدرجة أنه استمر في ذلك بينما أحمد يتحدث إليه ليخبره بتشكيل الفريق. ولفرط نشاطه وحيويته، فإن الآخرين يضمونه إلى فرقهم لأنه يبدو رياضياً بطبيعته.
تمثل كل تلك الأمور التنظيمية شيئاً جيداً بالنسبة لأحمد (المنظم) وحتى لسمير(المنافس)، ولكنها ليست كذلك بالنسبة لسامي. فحسب شعوره، التنظيم يقتطع وقتاً من اللعب وبالتالي، إذا تركت الأمور لسامي وأمثاله، سيبدأ الجميع في اللعب مباشرة دون اكتراث لتكوين فرق أو لأي نظام. فهو يحب اللعب بحد ذاته، والحياة بالنسبة إليه لا تعدو كونها مباراة، وهو غير معني بالمكسب أو الخسارة فمجرد اللعب يرضيه.
زيزي هي الأخرى تحب اللعب، ولكنها معنية بجودة الأداء أيضاً ولهذا فهي مركز الاهتمام لأنها غالباً مسلية جداً، وتحب تواجد المشاهدين وتعرف كيف تستخرج منهم الضحكات. ولهذه الأسباب شاركت في لعبة الحجلة، ليس لأن ذلك ماتريده ولكن لوجود تجمع كبير من الفتيات في مكان اللعبة. وكانت زيزي راغبة وقادرة على أن تضحك الأولاد ولكنهم منهمكون في لعب الكرة ولم يلاحظوا تواجدها.
وبينما تلعب الفتيات، تراقب زيزي الجميع وبسرعة فائقة تقلد أي فتاة تقوم بحركة أو فعل غير معتاد. وفي أوقات هدوء اللعب تقلد زيزي المدرس في حركاته وإلقائه للأوامر. أي أن هناك دائماً ما يضحك الفتيات في وجود زيزي التي تمتلك القدرة على الهمس بكلمات مضحكات في أوقات الشد العصبي داخل الفصل، وبذلك تكسر حالة التوتر في اللحظة المناسبة.
بطبيعة الحال غالباً ما تعاني زيزي من المتاعب بسبب ماتقول وتفعل، ولكنه ثمن بسيط لرغبتها العارمة في خطف الأضواء واعتلاء مسرح الأحداث.
الفرد
حاتم ومنى هما النسخة الهادئة والمنطوية على نفسها من سامي وزيزي (اللاعب). ففي الداخل يحب المرح والحركة ولكنه مختلف في دعابته التي تمثل جزءاً هاماً من سلوكه. فقد شارك حاتم مع سامي في اللعب أثناء اختيار الفرق، ولكن مع فارق أن حاتم قد يرضى بالتوقف لوقت قصير والانتظار ريثما تبدأ المباراة. ويتسم حاتم بطول زمن انتباهه عن سامي ولكنه يظل دون نشاط في هذا الزمن الأطول.
ومنى واحدة من الذين غادروا مجموعة الثرثرة لأنها لم تفهم ما يدور في النقاش، ولم يكن ذلك هو السبب الوحيد للمغادرة، ولكن لأن الجلوس والحديث ليس عملاً مرضياً لها، فهي تحب الحركة وتظل على تركيزها طالما كان الموضوع ملموساً وواقعياً.
ومن الأمثلة على ما نقول، حب منى للألوان والأقمشة، ويظهر ذلك واضحاً في الملابس التي تختار ارتداءها، فهي لا تجاري الجماعة، بل غالباً ما ترتدي الذي يميزها شخصياً لدرجة تعدد الألوان في “الموضات” التي ترتديها، حتى نسمع من أمها الجملة التالية: لا أستطيع فهم منى بشكل كامل فهي مثال للفردية.
وغالباً ما يساء فهم حاتم ومنى من قِبل مدرسيهم وآبائهم وأقرانهم . وقد يبدو أنهم قريبو الشبه من (الحالم) وخاصة في عيشهم عالمهم الخاص . ولكن الجانب النشط من سماتهم، ورغم تأخره لنهاية المراهقة وبداية البلوغ ، يسبب لهم عدم استقرار ويطبع حياتهم بالفردية المميزة لشخصياتهم . وغالباً ما يظهر عدم الاستقرار لديهم في تناول الموضوعات الدراسية التي تبدو لهم بعيدة عن الحياة العملية، ويكررون الشكوى من ذلك لأنهم يفترضون قدرتهم المبكرة على فهم الحياة، أو هذا ما يظنونه.
أخصائى الأمراض النفسية والعصبية بمستشفى آل سليمان وشركة كهرباء مصر
طبيب جمعية ومركز التأهيل الشامل للمعاقين بمحافظة بورسعيد
مستشار إعاقات الطفولة لجمعية نور الرحمن
صاحب مدونة ( إطلالة على التوحد ),
كاتب ومؤلف بمجلة وكتاب المنال الصادر عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
كاتب بمجلة أكاديمية التربية الخاصة السعودية