بقلم الياس طباع
التفكير عملية معرفية تتميز باستخدام الرموز (اللغة) التي تقوم مقام الأشياء عينها.
ومهارات اللغة والتفكير تنمو إلى جانب بعضها بعضاً وإن كانت هناك إمكانية للتفكير من خلال الحديث الداخلي الذي يظهر في الحركات تحت الصوتية لأعضاء الكلام.
يرى الدكتور يوسف مراد في كتابه (مبادئ علم النفس) أن التفكير شكل من أشكال السلوك يمتاز بأنه خفي وصامت وبحاجة إلى أداة للتعبير عنه وهي اللغة والرموز، وهــو لا يثار إلا إشباعاً لحاجة ما.
إن قدرة الإنسان على التفكير لم تأت من فراغ، بل تطورت عبر العصور والحضارات المتتالية حتى غدا الإنسان قادراً على التفكير الفلسفي والعلمي وتشييد الحضارات.
ويبقى العمل والتجربة الحسية الأساس في تطور الإنسان المعرفي والعلمي حيث يصير فكره نتاجاً للتنمية الاجتماعية البشرية والتي لعبت دوراً حاسماً في تطور النطق واللغة التعبيرية عنده.
فالتجربة العملية والخبرات الحسية لها منذ البداية أهمية كبيرة في إغناء معارف الطفل وتنمية مداركه وقدراته العامة.
العين المدربة تختلف عن العين العضوية، والأذن المدربة تختلف عن الأذن العادية، فملاحظة الأولى للأشكال والمسافات أعمق وأدق، وحساسية الثانية للنغمات والإيقاعات أعلى وأفضل.
وهكذا نجد أن الجهاز العصبي يقوم بتفكيك أفعال العالم الخارجي المعقدة إلى عناصرها ثم يعيد تركيبها وتجميعها. فمحلل البصر يحلل الأفعال الضوئية، والسمع يحلل الأفعال السمعية والشم يحلل الروائح، وعبر كل هذا تتشكل الصور الذهنية في الدماغ من خلال عمليتي التحليل والتركيب التي عن طريقهما تقوم القشرة الدماغية بتحليل وتركيب جميع الدفعات العصبية الآتية إليها من مختلف الحواس، ويصير الإدراك ـ بذلك ـ شكلاً أعلى وأرقى من التحليل والتركيب، ويصبح حلقة رئيسية تربط بين الإحساس والفكر المجرد.
إن عملية المعرفة هي انعكاس واع وفاعل للعالم الخارجي في دماغ الإنسان والذي هو مركز التفكير الذي يصهر كافة المحرضات الآتية إليه من الوسط الخارجي بعد أن يعيد صياغتها وتأليفها بشكل ملائم، ويصير العمل واليد الإنسانية قادران على تحويل علاقات الإنسان مع الطبيعة وتحويل الوسط الطبيعي إلى وسط اجتماعي فيصبح الإنسان مع العمل كائناً اجتماعياً قادراً على الإنتاج وإخضاع قوى الطبيعة لسلطانه، ويساعد على نمو التفكير والأداء عنده وتحسين فاعلية الجهاز الصوتي، وبلورة النطق، واتساع المعرفة.
من هنا، فإن اللغة والنطق يلعبان دوراً حاسماً في تقدم الإنسان وغنى معارفه وربما صار للغة الدور نفسه الذي لعبه العمل في تقدم الإنسان.
ومن خلال هذا يتضح الارتباط الوثيق بين (العمل والنطق) من جهة و(الحياة الاجتماعية والنطق) من جهة ثانية، فالنطق والكلام نتاجان مباشران للحياة الاجتماعية والوسط الاجتماعي والتجارب العملية، وكذلك فاللغة والنطق شرطان ضروريان وأساسيان للعمل واستمرار الحياة الاجتماعية.
ويرى بعض المفكرين أن فترة تشكل النطق والمهارات التعبيرية كانت فترة طويلة جداً حتى غدا جهاز التصويت عند الإنسان قادراً على اللفظ وغدا دماغه قادراً على التفكير.
إن دراسة أصول النطق والكلام تجبرنا على تمييز الوجه (الذهني) من الوجه (الصوتي) للغة، ففي الوجه الأول غدا الإنسان قادراً على الإدراك والمحاكمة والتوجه الفكري نحو هدف معين، والوجه الثاني يتحدد من خلال أعضاء الكلام وجهاز التصويت العام الذي غدا قادراً على استقبال الإحساسات والإدراكات والرد عليها.
ومن هنا، تكون الخطوة الأساسية للتحريض الفكري من خلال اللحظة الحسية العملية ثم تتبعها الخطوة الثانية وهي التحريض الشرطي من خلال الإشارة الوصفية للخبرات والتجارب التي مرّ بها الفرد.
وهذه اللحظة الأخيرة مهمة جداً بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية لأنهم من خلالها يستطيعون التفكير والمحاكمة والتعرف على العلاقات العملية والإنسانية.
ويمكن لهذه اللحظة أن تكون ـ بصيغة من الصيغ ـ لغة إشارية منظمة يستطيعون من خلالها أن يعبروا عن أفكارهم ومشاعرهم وطموحاتهم، ولكنها تبقى غير مألوفة اجتماعياً.
وطالما يعيش الأصم في وسط اجتماعي متكامل العلاقات لابد له أن يأنسن لغته الإشارية الوصفية هذه ويستفيد من سلامة جهازه النطقي والبقايا السمعية الموجودة لديه ويتعلم لغة الكلام والنطق التي ستحوله إلى كائن اجتماعي متكيف مع ظروفه ومجتمعه.
ولابد أن تكون هذه اللحظة الثالثة لحظة شرطية مدروسة بدقة وعناية، وبذلك تصير هذه اللحظات الثلاث؛ الحسية والإشارية والنطقية، متكاملة، مندمجة، متفاعلة لأنه لا فكر بدون خبرات وتجارب ولا أهمية للخبرات بدون الفكر، ويصير النطق ثمرة لهذا التفاعل والتعاون والتسلسل مع الوسط الاجتماعي ويحل المحرض اللفظي مكان المحرض الطبيعي ويصير الانسان قادراً عن طريق حواسه على إدراك الغلاف الفيزيائي للمفردات والكلام اللغوي والأنساق اللغوية كافة.
وتبعاً لتطور خبرات الإنسان وتطور علاقاته الاجتماعية تظهر وتكتمل الكلمات المنطوقة التي تعتبر تجريداً للواقع وإبرازاً له بصورة رمزية محكية وتتيح تعميماً للظواهر الطبيعية والاجتماعية التي تنتج بدورها علماً ومعرفة وفلسفة تعكس العالم الذي يعيشه الفرد لأن الإنسان يدرك العالم بصفته كائناً عاقلاً مفكراً، الفكر عنده مرتبط بالكلام الذي يتشكل عبر الخبرة والتجربة ويتطور تاريخياً مع تطور العلاقات الاجتماعية.
ويمكن القول ـ من جهة أخرى ـ إن النطق والكلام ظاهرة خاصة بالإنسان وحده فقط، حباه الله سبحانه وتعالى هذه الخاصية عن سائر المخلوقات مما ساعده على تمييز نفسه وتنمية قدراته على التفكير والتنظيم والإنتاج والوصول إلى التقدم الحضاري والازدهار الذي نشهده اليوم.
من هنا تغدو الضرورة ملحة جداً كي نُسخِّر هذا المنطق اللغوي النفسي التاريخي في تنمية اللغة والنطق عند الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية ونفسح المجال أمامهم للتفاعل والاندماج والمشاركة من خلال الوسائل والطرائق العلمية التي تختزل اللحظات السابقة الذكر (الحسية، الإشارية والنطقية) وتصهرها جميعاً في كل متكامل يسهم في إكساب الأصم لغة النطق والكلام مما يساعده على تنمية فكره وشخصيته ومعارفه ويساعده ـ بصورة حاسمة ـ على المشاركة في عملية التطور والبناء والتنمية.
الجنسية: سوري
الوظيفة:اختصاصي علاج نطق بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
الحالة الاجتماعية:متزوج ويعول أربعة أبناء.
المؤهلات العلمية:
- حاصل على درجة الدراسات العليا في الفلسفة من جامعة دمشق بتقدير جيد جداً عام 1979.
- حاصل على درجة الليسانس في الدراسات الفلسفية والاجتماعية بتقدير جيد جداً من جامعة دمشق عام 1975.
- حاصل على دبلوم دار المعلمين من دمشق عام 1972.
- حاصل على دورة عملية في طريقة اللفظ المنغم من بروكسل في بلجيكا.
الخبرات العملية:
- أخصائي علاج نطق بمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- مدرس من خارج الملاك بجامعة الإمارات العربية المتحدة بالعين.
- عضو بالاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم منذ عام 1980.
- أخصائي نطق في اتحاد جمعيات الصم بدمشق.
- مشرف على مركز حتا للمعوقين بدولة الإمارات العربية المتحدة عامي 2001 و 2002.
المشاركات والدورات:
- عضو مشارك بالندوة العلمية الرابعة للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم عام 1994.
- عضو مشارك بالندوة العلمية السادسة للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم عام 1998.
- مشارك في المؤتمرين السادس والثامن للاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم 1991 و 1999.
- مشارك في ورشة توحيد لغة الإشارة بدبي عام 1998.
- مشارك في تنظيم وتخريج عدد من دورات المدرسين والمدرسات الجدد في مدرسة الأمل للصم.
- عضو مشارك في الندوة العلمية التربوية بمؤسسة راشد بن حميد بعجمان عام 2002.
- مشارك في عدد من المحاضرات التربوية والتخصصية.
- كاتب في مجلة المنال التي تصدرها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- عضو مشارك في مؤتمر التأهيل الشامل بالمملكة العربية السعودية.
- عضو مشارك في الندوة العلمية الثامنة في الدوحة بقطر.