إعداد: نورا الشرابي
هل يتخيل أحدكم أنه بمجرد الضغط بأصبعه على المنضدة في المقهى يمكنه دفع ثمن فنجان القهوة؟ بل أكثر من ذلك، يمكنه بمجرد خاطرة تخطر على باله أن يرفع درجة حرارة غرفته.
اقرأ ايضا: الحاسوب والانترنت والإعاقة
هذه الأمور ليست من ضرب المستحيل، لكن هذا ما يسير نحوه العالم.
دعونا نسرح بخيالنا أكثر، ففي المستقبل غير البعيد لن يكون هناك مفهوم اسمه “جهاز” لأن أجسامنا ستصبح الأداة الرئيسة في التفاعل مع العالم من حولنا.
سيصبح جلدنا وحركتنا وأفكارنا القنوات التي تربطنا بالعالم الرقمي. نحن في عصر لن تكون فيه مصافحة الأيدي مجرد مصافحة وإنما هي وسيلة تبادل هويات رقمية.
الإيماءة ستصبح أمراً، والنظرة الخاطفة ستصبح كلمة سر، وهناك المزيد.
ليست التكنولوجيا وأجسام البشر بغرباء عن بعض، فالأجهزة التي تساعد الناس في حياتهم كالنظارات وأجهزة تحسين السمع والأجهزة الناظمة لضربات القلب كانت وما تزال تُستخدم في كل الأوقات؛ فإما أن نلبس هذه التقنيات وإما أن تُزرع داخل أجسامنا، وهذه التقنيات استمرت لعقود من الزمن.
لكننا وصلنا إلى زمن آخر، حيث أن هذه التقنيات سيكون لها القدرة على الاندماج مع الجسم، محافظة في أثناء ذلك على التواصل المباشر في زمن حقيقي مع أجهزة خارج الجسم، وهذا ما يسمى حاليا ب “إنترنت الأجساد”.
كلنا سمعنا عن إنترنت الأشياء، حيث تكون الجمادات متصلة بالإنترنت وتستطيع التواصل مع بعضها البعض.
لكن في العام 2016 خطت الأكاديمية والكاتبة الدكتورة أندريا م ماتويشين Dr. Andrea Matwayshyn خطوة نحو الأمام فيما يتعلق بهذه التكنولوجيا، حيث صاغت مصطلحاً جديداً تحت اسم “إنترنت الأجساد” (Internet of Bodies or IoB).
لقد وصفت الدكتورة أندريا هذه التكنولوجيا بأنها شبكة تواصل الأجسام البشرية وهي تعتمد في وظائفها واندماجها – ضمن جزء منها على الأقل- على الإنترنت وعلى تكنولوجيا أخرى مثل الذكاء الاصطناعي.
قد نظن أن ما ذكر بعيد المنال، لكن سنذكر بعض الأمثلة التي تثبت كيف أصبحنا جزءاً من عالم إنترنت الأجساد.
هناك ثلاثة أصناف من إنترنت الأجساد تعتمد على مستوى اندماج الأداة مع الجسم.
أول صنف (الجيل الأول) هو خارجي:
مثل الساعات الذكية أو الخواتم والتي تستخدم حسّاسّات تتابع خطواتنا ودقات قلوبنا. هناك أيضاً ضمن هذا الصنف النظارات الذكية والتي تعمل ككاميرات وسماعات وشاشات.
الصنف الثاني (الجيل الثاني) هو داخلي:
هناك أجهزة نبتلعها أو تُزرع في أجسامنا.
خذ كمثال ناظم ضربات القلب، والذي يُزرع جزؤه الرقمي داخل الجسم، كذلك الأطراف الاصطناعية الذكية المثبّتة على أعصاب أو عضلات المرضى. ولا ننسى الحبوب الرقمية التي نبتلعها والتي يمكنها نقل المعلومات الطبية عن الجسم بعد ابتلاعها.
الصنف الثالث والأخير (الجيل الثالث):
تكون هذه الأجهزة مندمجة كلياً مع جسم الإنسان ومتصلة عبر الإنترنت بزمن حقيقي مع أجهزة خارج الجسم.
كلنا سمعنا أن إيلون ماسك يطور عبر شركته نيورولينك (Neuralink) رقاقات تحوّل الدماغ إلى كمبيوتر (BCI Brain-computer interface or “the Link”).
إنها رقاقة بحجم قطعة عملة معدنية، تُزرع تحت الجمجمة ويمكنها قراءة الإشارات التي يصدرها دماغ الإنسان، وتمكّن الرقاقة هذه الإشارات من التحكم بأجهزة خارج الجسم.
أولى تجارب نيورولينك كانت على شخص ذي إعاقة حركية من الكتفين إلى الأسفل استطاع من خلال هذه الشريحة أن يلعب الشطرنج على حاسوبه. أصدرت بعد ذلك شركة نيورولينك تقريراً مفاده أن هناك بعض الأعطال في الشريحة.
يقول أنصار إنترنت الأجساد إن فوائدها واضحة للعيان حيث يمكنها تحسين حركة الجسم ووظائفه، ويمكنها تحسين الرعاية الصحية، وتسمح للأشخاص والمؤسسات بتوفير مادي كبير.
لكن من جهة أخرى هناك من يرى أن ثمة مخاطر كبيرة في إنترنت الأجساد، وحتى هؤلاء الذين صاغوا هذا المصطلح حذّروا من عيوب هذه التكنولوجيا.
فعلى سبيل المثال ستخلق هذه التكنولوجيا تحدياً كبيراً في كيفية حماية المعلومات، حيث أن هذه الأجهزة قادرة على متابعة وتسجيل وحفظ معلومات شخصية جداً عن الأشخاص.
وحذر منتقدو هذه التكنولوجيا بأن وصول هذه المعلومات إلى الحكومات والشركات سيمكّنها من التجسس على المواطنين أو تحويلهم إلى مصادر دخل مادي.
هناك أيضاً قلق بشأن التبعية والإدمان والسلامة الشخصية.
وكمثال صارخ على هذا القلق، نتذكر كيف أن نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني اعترف بأنه اضطر إلى تعطيل عمل جهاز تنظيم القلب المزروع في جسمه خوفاً من اغتياله عن بعد عن طريق التسبب بأزمة قلبية قاتلة تقضي عليه.
هناك أيضا تساؤلات أخلاقية لابد من أخذها بعين الاعتبار مثل:
هل سيأتي الوقت الذي ستسمح هذه التكنولوجيا بتعزيز الغني وترك الفقير؟
أيضاً فلسفياً، هل ستتحدى هذه التكنولوجيا مفاهيم استقلالية الإنسان وحوكمته الذاتية؟
من سيقوم بدور المراقب على كل هذه المخاطر؟
تقوم وكالات مثل وكالة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (Food and Drug Administration) بوضع القوانين الناظمة للأجهزة المزروعة أو المبلوعة وكذلك الوكالات الشبيهة بها عالمياً.
قامت هذه الوكلات بوضع قوانين ناظمة لأشياء مثل غرسات القوقعة الصناعية (cochlear implants) أو تعويضات الأعضاء، لكن أجهزة إنترنت الأجساد ليست ضمن نطاق اختصاصها.
إن ظهور هذه الأجهزة السريع وانتشارها الواسع ناهيك عن تنوع قدراتها يشرح التهافت على سنّ قوانين ناظمة على المستوى الإقليمي والدولي.
ومع ذلك فهناك بعض القوانين الموجودة سابقاً والتي تحمي المعلومات التي تبثها هذه الأجهزة.
هذه الصناعة تحمل الكثير من الإمكانيات لتقدمها في المستقبل.
إن سوق الأجهزة الطبية المتصلة بالإنترنت سوف يقدر ب 66 مليار دولار في العام 2024 ويتوقع أن يصل لأكثر من 132 ملياراً في العام 2029.
إن رحلة الإنسان نحو هذا المستقبل لن تكون محفوفةً بالورود، بل ستواجهها تحديات كثيرة.
هذا الاندماج بين التكنولوجيا وبين ـ حرفيا ًـ نسيجنا الإنساني سيثير تساؤلات كثيرة حول الخصوصية والأمن والاستقلالية الذاتية.
هل نحن جاهزون للترحيب بحياة تكون فيها أجسامنا جزءاً من شبكة رقمية ضخمة.
هذا الاندماج وإمكانياته المستقبلية يفتح جبهات جديدة في الاستكشاف والبحث، لكن السؤال المهم الذي يراود كل واحد منا: متى يصبح الثمن الذي ندفعه من خصوصيتنا واستقلاليتنا أكبر بكثير من الفوائد التي ستعود بها علينا هذه التكنولوجيا؟
المراجع
- https://blog.richardvanhooijdonk.com/en/how-the-internet-of-bodies-is-redefining-human-connection/#:~:text=Wi%2DR%20turns%20your%20body%20into%20a%20gateway%20to%20the%20internet,-At%20Purdue%20University&text=This%20innovative%20concept%20is%20called,to%20connect%20to%20the%20internet.
- https://www.cnbc.com/video/2024/05/31/what-is-the-internet-of-bodies.html
إجازة في الصيدلة.
كاتبة ومؤلفة .
الكتب المنشورة:
- سلسلة الكلمات المتقاطعة – دار الفكر للطباعة والنشر – دمشق ، سوريا –1997
- دليل الأم في الإرضاع من الثدي – دار الفكر للطباعة والنشر – دمشق ، سوريا –2002
- التعابير العامية الدارجة في اللغة الإنكليزية (الأميركية)-دار الفكر للطباعة والنشر-دمشق-سوريا-2005
- هكذا نقيد الأجيال-دار الفكر للطباعة والنشر-دمشق-سوريا-2010
- أوراق خريفية – دار الفكر للطباعة والنشر- دمشق- سوريا- 2013
- المشاركة في كتابة نص مسرحية بعنوان “وين ندق المسمار” ، عرضت في ثلاث ولايات أميركية أوهايو – تكساس – ولوس أنجلوس –
من المقالات التي نشرت لها:
- مقالة “الرحم.. أول مدرسة في التاريخ” مجلة الراشد العدد الثاني والعشرون، تاريخ نيسان 2003.–دبي ، الإمارات العربية المتحدة .
- مقالة “غريبان تحت سقف واحد” – مجلة مودة ، العدد 26 كانون أول 2003– أبو ظبي ، الإمارات العربية المتحدة
- مقالة “الطفل في المطبخ عود ثقاب متحرك”- مجلة راشد، العدد 24 ديسمبر 2003
- مداخلة تحليلية لتحقيق بعنوان ” نساء يصرخن: لا للوظيفة نعم للبيت- مجلة زهرة الخليج، العدد1334 تشرين أول 2004
- مقالة ” دور الفرد في خلق التوازن النفسي الأسري- مجلة المجتمع العدد الرابع، أغسطس 2004
- ملف التسالي في مجلة أنت – قطر
- ملف التسالي في مجلة ولدي – الكويت
- للروح نصيب – مجلة المنال الإلكترونية – العدد مايو 2019 – الشارقة – الإمارات
- من هي المرأة الجميلة حقا؟ – مجلة المنال الإلكترونية – العدد ابريل 2019 – الشارقة -الإمارات العربية المتحدة.
- ملف التسالي في مجلة مرامي
- مسؤولة سابقة عن ملف التسالي لعدة مجلات إماراتية: الجزيرة الرياضية – همسات- مودة- راشد
- البوصلة الإنسانية ما بعد كورونا – مجلة المنال الإلكترونية – العدد ديسمبر 2020
- مهن السراء والضراء – مجلة المنال الإلكترونية – العدد مارس 2021
- الأشخاص ذوو الإعاقة وسوق العمل- مجلة المنال الإلكترونية- العدد مايو , 2022
شهادات تقدير وانجازات:
- مصنفة ضمن أدباء وأديبات القرن العشرين في سوريا ” أدب الأطفال وأدبائهم في سورية بالقرن العشرين ” – دار شهرزاد للنشر – دكتور مهيار الملوحي – دمشق – سوريا – 2004
- مؤسسة ورئيسة سابقة لرابطة الفنانات المسلمات والتي أدرجت في بحث أكاديمي بعنوان:
Muslim Women Visual Artists’ Online Organizations: A Study of IMAN and MWIA
رابط البحث
- شهادة تقدير من مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية
المقابلات الإعلامية :
- مقابلة صحفية مع صحيفة أوكلاند برس الأميركية في ولاية ميتشيغان بقلم هوزيه هواريز – كانون أول – 1997
- مقابلة صحفية مع صحيفة أوكلاند برس الأميركية في ولاية ميتشيغان بعنوان “للزوجين ، الإسلام هو الحياة” بقلم دوج بومان -كانون أول – 1997
- مقابلة في جريدة خليج تايمز (Khaliij times) – “Authoring Success Stories”- By Anu Prabhakar, Published: Fri 8 May 2009 https://www.khaleejtimes.com/article/authoring-success-stories
أعمال إضافية :
- إعداد 240 ساعة إذاعية لبرنامج “راديو إي أو إف” . على محطة WNZK 680 AM في ولاية ميتشيغان الأميركية 1998-1999.