قد تبدو الدراسات النظرية في غالبها ليست مطابقة للواقع وقد يكون التنظير لبلورة أفكار معينة غير مجد حين يأتي الواقع الميداني ليدحض تلك النظريات وعملية التنظير، ودرسنا في الجامعة النظريات النفسية والاجتماعية المتعلقة بالتربية الخاصة والتي تشير إلى بعض السمات الشخصية والسلوكية للطفل المعاق عقلياً في غالبها سلبية تصيب الإنسان بالإحباط وخاصة أبويه ومن سيعملون معه بأن لديهم عجز في الذاكرة وعدم القدرة البتة على الاحتفاظ بالمعلومات أو استرجاعها من الذاكرة إضافة إلى عدم القدرة على تنمية مهارات معينة لديه مقارنة بأقرانه من غير المعاقين الذين هم في عمره…
كانت تلك السمات السلوكية والشخصية تصيبني بالحيرة لتناقضها مع واقع الشخص المعاق ذهنياً وتضع علامات من التعجب كثيرة وتتلاطم التساؤلات في فكري كجموح بحر هادر علّي أصل إلى إيقان ذاتي ببعض تلك النظريات أو أخالفها الرأي.
كُنت أُومن ببعض تلك النظريات ولكن مع مرور الوقت والممارسة والخبرة أصبحت أفكر بمدى انطباقها على هذه الفئة حتى غدوت لا أعير بعضها اهتماماً بل وأجزم بعدم صدقها، وقد أكون مخطئاً في ذلك وتظل هي وجهة نظر قابلة للقبول أو الرفض.
تلك النظريات قد تكون بُنيت على أسس غير علمية أو إجرائية لتلك الحالات وما جعلني أكتب حولها هو تساؤلاتي عن مدى انطباقها على هذه الفئة حيث أن كثيراً من الشبان المعاقين ذهنياً قد أسقطوا تلك النظريات بسلوكياتهم الايجابية المغايرة والناقضة لبعض أسسها وخاصة حين يبدعون في مهارات معينة سواء كانت تعليمية أو اجتماعية أو مهارات حركية ومهنية معينة فهذا طالب يحفظ من القرآن الكريم (جزء عم) كاملا قراءة وتجويداً وينافس أقرانه من غير المعاقين وذاك يحفظ قصيدة شعرية بالفصحى يتلازم معها حسن الأداء والإلقاء، وآخر مبدع في الرسم وأعمال الزخرفة وذاك في مهارات أخرى…
وانأ أتعمق في عطائهم وإبداعاتهم يقودني ذلك إلى أن أعيش عمقاً آخر مع هذه الفئة وأحدث نفسي وأقول رأيي للجميع إنهم ليسوا كما قالت تلك النظريات عنهم لا يستطيعون تخزين كم كبير من المفردات أو المعلومات ومن ثم إلقائها كما الأفراد غير المعاقين الذين هم في عمرهم الزمني إضافة إلى ضعف ذاكرتهم وعدم قدرتهم على التذكر والاسترجاع السريع للمعلومة المخزنة في الذهن، وتلك حقائق لا أُنكرها في النظريات العلمية بل في غالبها صحيح ولكنها للأسف بُنيت على التعميم لجميع فئة المعاقين ذهنياً…
لذا حيرني من صاغوا تلك النظريات وحيرني من نقضوا تلك النظريات بإبداعاتهم وعطاءاتهم المتميزة وجعلوني أعيش حالة من التشتت الذهني لفترة زمنية ليست بالطويلة حتى أيقنت أن أي فعل أو سلوك (لفظي ـ حركي) إنما هو نتاج قدرات عقلية كامنة هي ليست حكراً على فئة معينة من البشر، إذاً هم كما غير المعاقين متوقع منهم أي سلوك إيجابي.