أعده: د. روحي عبدات ـ اختصاصي نفسي تربوي
يتشابه كل من اضطراب طيف التوحد واضطراب التواصل الاجتماعي عند الأطفال في كثير من المظاهر السلوكية وخاصة في مجالات اللغة والتواصل، فهما اضطرابان يؤثران على التواصل والتفاعل الاجتماعي، لكنهما يختلفان في نطاق الأعراض والتشخيص، مما يجعل التفريق بينهما تحدياً أمام المختصين في بعض الحالات، وفي هذا المقال سأحاول سرد أهم أوجه التشابه والاختلاف بين الاضطرابين مع بعض الأمثلة التوضيحية.
مركز الشارقة للتوحد، مدينة الشارقة للخدمات الانسانية
يعتبر اضطراب طيف التوحد (Autism Spectrum Disorder – ASD) اضطراباً نمائياً يؤثر على التفاعل الاجتماعي، مثل صعوبة فهم الإشارات الاجتماعية أو تكوين العلاقات، والتواصل، سواء كان لفظياً (مثل تأخر الكلام) أو غير لفظي (مثل لغة الجسد). إضافة إلى السلوكيات المتكررة والمحدودة مثل الحركات المتكررة (كالتلويح باليدين) أو الاهتمامات الضيقة (كالتركيز المفرط على موضوع معين).
اقرا ايضا: استراتيجية تعليم الكتابة الاستراتيجية والتفاعلية (SIWI)
أما اضطراب التواصل الاجتماعي (Social Communication Disorder – SCD)فهو اضطراب يتسم فقط بصعوبات في التواصل الاجتماعي، مثل مشكلات في استخدام اللغة بشكل مناسب في المواقف الاجتماعية (مثل تحية الآخرين، فهم المزاح، أو فهم النوايا الاجتماعية)، ولا يشمل هذا الاضطراب السلوكيات المتكررة أو الاهتمامات المحدودة المرتبطة باضطراب طيف التوحد. لذلك يتم تشخيص الطفل باضطراب التواصل الاجتماعي عندما تكون الصعوبات التي يواجهها مقتصرة على التواصل الاجتماعي دون ظهور أي سلوكيات متكررة.
مثال:
- إذا كان الشخص يعاني من صعوبة في فهم المزاح ويظهر حركات متكررة مثل هز اليدين، فقد يكون هذا مؤشراً على اضطراب طيف التوحد.
- أما إذا كانت الصعوبة تتمثل فقط في فهم المزاح أو الرد بشكل مناسب في المحادثات دون وجود سلوكيات متكررة، فقد يكون ذلك مؤشراً على اضطراب التواصل الاجتماعي.
الفروق الرئيسية بين الاضطرابين في المجالات التالية:
أ. التواصل الاجتماعي : هو مجال مشترك بين ASD وSCD: فكلا الاضطرابين يتضمنان تحديات في
التواصل الاجتماعي، مثل:
صعوبة فهم الإشارات الاجتماعية (مثل تعابير الوجه أو نبرة الصوت).
- مشكلات في الحفاظ على حوار متبادل (أي تبادل الأدوار في الحديث).
- صعوبة في تعديل اللغة حسب السياق الاجتماعي (مثل استخدام لغة رسمية مع صديق أو لغة غير رسمية مع معلم).
مثال إضافي:
- إذا كان هناك طفل لديه اضطراب طيف التوحد ASD أو اضطراب التواصل الاجتماعيSCD فعندما يسمع شخصاً يقول “أنا أموت من الجوع”، فهو لا يدرك أنها مبالغة، فيرد بجدية قائلاً: “هل تحتاج إلى طبيب؟”، مما يظهر عدم فهمه للتعبير المجازي في الكلام.
ب. السلوكيات المتكررة والاهتمامات المحدودة
يشمل اضطراب طيف التوحد سلوكيات متكررة واهتمامات ضيقة ومكثفة على النحو التالي:
- السلوكيات المتكررة: مثل رفرفة اليدين، التأرجح، ترتيب الألعاب بطريقة معينة، أو تكرار عبارات (صدى الكلام).
- الاهتمامات المحدودة: مثل التركيز المفرط على مواضيع محددة، مثل حفظ مواعيد خطوط الطيران أو جمع معلومات عن الديناصورات.
لكن اضطراب التواصل الاجتماعي SCD لا يتضمن هذه السلوكيات أو الاهتمامات المحدودة، بل يقتصر على صعوبات التواصل الاجتماعي فقط.
أمثلة توضيحية:
- طفل من ذوي اضطراب طيف التوحد ASD قد يقضي ساعات في ترتيب سياراته حسب اللون أو الحجم، ويصبح منزعجاً جدًا إذا حاول أحدهم تغيير الترتيب.
- طفل من ذوي اضطراب التواصل الاجتماعيSCD قد يتحدث عن مواضيع مختلفة دون تركيز مفرط على موضوع واحد، لكنه قد لا يدرك متى يتوقف عن الحديث إذا بدا الآخرون غير مهتمين.
ج. الاستجابات الحسية
- هناك جزء كبير من الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد ASD لديهم استجابات حسية غير طبيعية، مثل الانزعاج من الأصوات العالية، الأضواء الساطعة، أو المشي على أطراف الأصابع أو البحث عن مثيرات حسية كالشم والتذوق. فيما لا يشمل ذلك عادةً الأطفال المشخصين باضطراب التواصل الاجتماعي SCD.
سيناريوهات توضيحية إضافية
سيناريو 1: التفاعل في بيئة مدرسية
- طفل من ذوي اضطراب طيف التوحد ASD في الفصل الدراسي لا ينظر إلى المعلم عندما يُنادى عليه، ويفضل اللعب بمفرده، كما أنه يرتب أقلامه على الطاولة بطريقة معينة ويرفض تغييرها.
- طفل من ذوي اضطراب التواصل الاجتماعي SCD يحاول الانضمام إلى زملائه في اللعب لكنه لا يفهم كيف يطلب الانضمام أو يحافظ على دوره في اللعبة، دون أن يظهر سلوكيات متكررة.
سيناريو 2: في محادثة عائلية
- مراهق من ذوي اضطراب طيف التوحد ASD يتحدث باستمرار عن ألعاب الفيديو المفضلة لديه بصوت أحادي، دون ملاحظة أن أفراد العائلة يحاولون تغيير الموضوع، وقد يهز يديه عندما يشعر بالحماس.
- مراهق من ذوي اضطراب التواصل الاجتماعي SCD يشارك في المحادثة لكنه يسيء تفسير تعليق ساخر من أحد أفراد العائلة، فيرد بردٍّ غير مناسب، دون أن يظهر اهتمامات مكثفة أو حركات متكررة.
سيناريو 3: التعامل مع التغيير
- طفل من ذوي اضطراب طيف التوحد يصبح منزعجاً جدًا عندما يتغير جدول الحصص في المدرسة، ويبدأ في التأرجح لتهدئة نفسه.
- طفل من ذوي اضطراب التواصل الاجتماعي SCD قد يشعر بالارتباك من التغيير لكنه لا يظهر رد فعل قوي أو سلوكيات تهدئة متكررة، بل قد يسأل أسئلة غير مناسبة عن السبب.
أما من حيث الأعمار المناسبة للتشخيص، فيبدأ في العادة تشخيص اضطراب طيف التوحد ASD في مرحلة الطفولة المبكرة من عمر2 إلى 3 سنوات على الرغم أن بعض السمات قد تظهر قبل ذلك، مع إمكانية التشخيص في سنوات المدرسة خاصة في الحالات الأقل شدة أو عندما تكون الأعراض أقل وضوحاً.
فيما يتم تشخيص اضطراب التواصل الاجتماعي SCD عادةً في سنوات المدرسة المبكرة، وغالباً بين عمري 4 و 5 سنوات، علماً أنه في هذه المرحلة تصبح متطلبات التواصل الاجتماعي أكثر تعقيدًا، وقد يتم تشخيصه في مرحلة لاحقة خاصة عندما تزداد التحديات في التفاعلات الاجتماعية المعقدة.
المراجع :
American Psychiatric Association. (2013). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (5th ed.). Arlington, VA: American Psychiatric Publishing.

- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011