لم تعد حقوق الأشخاص المعاقين ومطالبهم اليوم مسألة يتردد الفكر أمامها بين الرفض والقبول.. بين المنع والعطاء.. أو التجاهل وتقديم الفتات..
ولم يعد المعنيون بهذه الحقوق مكرهين على استخدام أساليب الاستعطاف واستدرار الشفقة واستصراخ الضمائر التي ما زالت حية..
ولن يخجلوا بعد اليوم من رفع أصواتهم عالياً والجهر بآرائهم وأفكارهم والبوح بما ضاقت به نفوسهم وأثقل على كواهلهم طوال عقود بل حقب مضت وولت غير مأسوف عليها.
أما لماذا هذا الاستقواء المشروع والشموخ المستعاد فلأن الوضع بكل بساطة لم يعد كما كان عليه.. فملامح التحول التاريخي ارتسمت، ورياح التغيير الحقيقي هبت عاتية قوية كنست من أمامها كل قديم وظالم.. وما كان بالأمس مسألة فيها نظر أصبح اليوم واضحاً وضوح الشمس.. وما كان محل أخذ ورد بات اليوم تشريعات نافذة وقوانين قاطعة لا مجال فيها للتأويل والتفسير والاستنباط..
وها نحن نشهد ـ وبحمد من الله ونعمته ـ إقرار معاهدة الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص المعاقين من معظم دول العالم (153 دولة وقعت على الاتفاقية وصادقت عليها 109 دول) (دولتان عربيتان لم توقعا حتى اليوم على الاتفاقية هي: الكويت والصومال)، هذا بالإضافة إلى عدد من القوانين المحلية المنسجمة مع هذا التوجه العالمي الذي نقل فيه الأشخاص المعاقون وكل الأخيار في العالم مسار حركة الإعاقة من منهج الإحسان والاستجداء إلى منهج حقوق الإنسان وإحقاق الحقوق وتضمينها في التشريعات والقوانين الوضعية.
ومن المناسب أمام هذا الواقع الجديد أن يستفيد الأشخاص المعاقون والناشطون منهم والعاملون معهم من هذا المناخ المواتي لحث باقي الدول على المصادقة على المعاهدة الدولية وسن القوانين والتشريعات الملائمة والمنسجمة مع روحها وجوهرها وعدم الاكتفاء بالتباهي بإصدارها كمظهر حضاري أو مجاراة (مرغم فيها أخاك لا بطل) للتوجه العالمي الجارف بل إلى تفعيلها وتطبيقها ووضع الآليات الملائمة لتنفيذها تنفيذاً خلاقا مبدعاً لا تقليداً شكلياً فارغاً.
وبالفعل فقد نظمت مجموعة من الورش والندوات والمحاضرات على امتداد سنوات وركزت على دور الإعلام في الترويج لحق المعاقين في العمل بمشاركة عدد كبير من الإعلاميين وأصحاب القضية والخبراء في المجال، الأمر الذي ينسحب أيضاً إلى الدور الإعلامي المنشود للترويج لحقوق الأشخاص المعاقين في الخدمات الصحية وإعادة التأهيل والتعليم والعمل والحياة العامة والثقافة والرياضة والبيئة المؤهلة وغيرها وتبيان مسؤولية الإعلام تجاهها.
ولكن أي مسؤولية! هل هي مسؤولية الناصح الواعي والخبير المتمرس! أم مسؤولية المراكز والمؤسسات المتخصصة! أم القلة القليلة من الإعلاميين المبرزين من الأشخاص المعاقين! أم أصحاب الضمائر الحية من العاملين في الإعلام العام!.. وأين مسؤولية الدولة وأصحاب القرار من الوزارات المعنية في رسم السياسات الإعلامية لبلدانهم؟
إن أبرز ما ميز المعاهدة الدولية أنها نقلت حقوق المعاقين من منهج الإحسان إلى منهج حقوق الإنسان وبالتالي نقلت المسؤولية من الأفراد والجماعات والمنظمات الأهلية وغير الحكومية إلى السلطات المعنية في كل بلد.. فهلاّ تشاركنا في المرات القادمة وتقاسمنا مع صناع وأصحاب القرار شرف المسؤولية وأعباءها!